كرم اليوسف: لم أكن أتصور أن أعيش في وطني وسط أجواء أفلام الرعب

(ولاتي مه – خاص) أجرى مراسلنا الحوار التالي مع الكاتب والإعلامي الكوردي كرم اليوسف, الذي نجى من الموت بأعجوبة بعد اصابته برصاصة غادرة في ليلة نوروز الدامية.

 الزميل كرم, باسم العاملين في موقع (ولاتي مه) نتمنى لكم الشفاء العاجل, ونرجو أن تحدثنا عما رأيته في ليلة العشرين من آذار.

توجهت مع أصدقائي إلى الشارع الرئيسي في الحي الذي أسكن فيه, لممارسة طقوس نوروز بإشعال الشموع والرقص تعبيراً عن فرحتنا بيوم نوروز.

لم أكن أتصور مطلقاً أن يطفئوا شموعنا بأقدامهم, ويفرقوا حلقات دبكاتنا بالطلقات والرصاصات, لم أكن اتوقع ذلك بتاتاً.

 

في ذلك الوقت, رأيت الناس يهربون ليحموا أنفسهم من الرصاصات الطائشة, إلا أنني كنت أركض عكسهم باتجاه الشارع الرئيسي, وفجأة شعرت بانفجارٍ فظيع في رأسي, ونزف أنفي دماً.
شعورك وانت تتلقى الرصاصة؟


كنت أرى نفسي أكبر من تلك الرصاصات, وكنت مؤمناً بأنها لن تخيفني ولن تستطيع أن توقفني من متابعة السير, إلا أن تلك الرصاصة الغادرة, هزت كياني, ولا زلت أشعر بالخوف من جراء الصدمة, ولا أعلم أنني في المستقبل أستطيع التحرر منها أو لا, والى الآن لا أستطيع النوم لأني شممت رائحة الموت, وعظامي اغتسلت بالدم.
عندما تلقيت ضربة الطلقة, أتذكر بأنني بكيت على كرم الذي ترك حاجاته في البيت, كل ما يود أن ينجزه من سيكمل عنه, في تلك اللحظة تذكرت مشاريعي في كتابة روايات ومسارح وعدة قصص, وديواني قيد الانجاز من سيكتبه عني, سأكلف من؟؟؟ كانت لحظات صعبة, أسئلة وأسئلة راودت مخيلتي في تلك اللحظات الحرجة, وبرهةً رأيت علبة سيجارتي, من سيدخن عن كرم؟, كحلمٌ تذكرتُ أربع وعشرين سنة لا أعلم كيف عادت مسيرة تلك السنين ومشاريع المستقبل.
لم أكن أتصور أن أعيش في وطني وسط أجواء أفلام الرعب, لم أكن أصدق, هرعت وبكيت, لم أكن أبكي بسبب الجرح أبداً, كنت أبكي على نفسي, لأني سأغادر, لم أكن أعلم بأن الطلقة أصابت جلد رأسي, كنت أتصور بأن الطلقة اخترقت جمجمتي, والى الآن لا أعلم حقيقة موضع الإصابة, هل هي سطحية أم أنها أصابت مقدمة رأسي وخرجت من الطرف الآخر, لا أحد يقول لي الحقيقة في البيت, ومن المحتمل أن يكون تصوري هذا جزء من الخوف الذي أصابني.
الآن أمر بخوفٍ في داخلي, هذا الخوف ..

لا ليس بسبب الجرح, بل كنت أرغب في تقديم خدمات أفضل وأكبر لشعبي المضطهد, أشعر وكأن تلك الطلقة تحاول إيقاف مسيرتي, وتمنعني من الاستمرار في النضال من أجل شعبي, لذلك أشعر بالخجل وأخاف أن لا أتمكن على تقديم المزيد لشعبي, ليس بسبب الإصابة أو خوفي على حياتي, عندما أعلم بأني قدمت إنجازات وخدمات كبرى, عندها سأواجه تلك الرصاصات بصدرٍ رحب, في الحقيقة كنت خائفاً أن أرحل دون أن أقدم شيئاً لشعبي.
الآن أشعر بقوة تنتابني وتدفعني نحو نشاطٍ أكبر, وخصوصاً بعدما عدت ثانيةً إلى الحياة, وأتمنى أن أحقق كل أحلامي.

هذه الزيارات من قبل أبناء شعبي التي أراها تزيدني قوة وتصميم على المتابعة, وتشعرني بأن تلك الطلقة التي أصابت رأسي وكأنها أصابتهم كلهم, وأعلم جيداً صدمة أهالي الشهداء ومصيبتهم, كما شعور أهلي عندما تلقوا نبأ استشهادي, أقول لذوي الشهداء لا تحزنوا, بل ارفعوا هاماتكم, فأبناؤكم لم يرتكبوا إثماً وسيخلدون في سجل تاريخ شعبنا الكوردي, أبناؤكم ليسوا بإرهابيين ومخربين, بل كانوا يودون التعبير عن فرحتهم بيوم نوروز العظيم, اليوم الذي تحرر فيه شعبنا منذ آلاف السنين من الظلم والقتل على يد القائد كاوا الحداد, ومهما حاولوا إيقاف مسيرتنا من أجل الحرية فإنهم لم ولن يفحلوا أن يطفئوا شمعة الحرية ورقصات السلام.

ابراهيم اليوسف: أتمنى أن تتبدد الخلافات, وتتوحد كلمتنا وموقفنا ككورد, لنحقق آمالنا وأهدفنا

وبهذه المناسبة ايضا اجرى مراسلنا اللقاء التالي مع والد كرم, الكاتب والشاعر (ابراهيم اليوسف) ليحدثنا عن مشاعره بهذه المناسبة الأليمة:

الأستاذ إبراهيم اليوسف, نحب أن تحدثنا عن الزميل كرم في اللحظة الأولى من يقظته بعد فقدان الوعي جراء إصابته بطلق ناري في العشرين من آذار ؟



بالطبع الكلمات الأولى التي سطرها على الورقة لا زالت محفوظة لدى عمه أحمد, دون فيها بلغته الأم (ez ji  jiyanê hez dikim), أي (أنا أحب الحياة), هذه هي العبارة التي سطرها, وأول ما نطق قال: (أتمنى أن تكملوا عني كتاباتي الإعلامية).

ماذا كان يقصد بكلماته تلك؟



كان يقصد من ذلك أن يستمر العمل الإعلامي من أجل نقل الحقيقة, فزميلكم كرم كان في البيت, وعندما سمع أزيز الطلقات انطلق مسرعاً نحو مصدرها, ليكون شاهداً على ما يجري, والتحق به إخوانه,

هل تعرض آراس للتعذيب ومتى أفرج عنه؟



أنتم تعلمون أن من يعتقل يتعرض لأبشع أنواع التعذيب, ولم يسلم منها آراس, وأفرج عنه بعد أربع وعشرين ساعة.

لماذا اعتقلوا آراس فقط, ولم يعتقلوا آخرين؟



أعتقد أن هدفهم كان ترويعنا وبث الخوف في نفوس الشباب المحتفلين, وهم كانوا يخشون من استشهاد أخيه كرم, لذا أرادوا اعتقاله لأجل تخويفنا.
الأستاذ إبراهيم, شعورك وأنت تستقبل هذه الوفود الغفيرة, التي تأتي للاطمئنان على كرم.


في بداية وصول نبأ إطلاق الرصاص على المحتفلين, توجهت إلى المشفى للاطمئنان على الجرحى, وزرت الجميع, فسحبني أحدهم وسألني: هل نسيت ابنك كرم, أم انك لن تطمئن عليه؟, كان كرم آخر من زرته في المشفى, بالنسبة لي فكل الشهداء هم أبنائي وأخوتي.
أنا لم أتفاجأ بهذه الزيارات, لأن هذا الشعب مر بامتحانات كثيرة كهذه, وهم يتوحدون في مثل هذه الأوقات, ولدى شعبنا تجارب عدة في مثل هذه الساحات, وكنا قد تلقينا درساً في الثاني عشر من آذار 2004, والآن نتلقى درساً آخر في ليلة نوروز 2008, وأتمنى أن تتبدد الخلافات, وتتوحد كلمتنا وموقفنا ككورد, لنحقق آمالنا وأهدفنا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…