(فقدان الأداء الحزبي لحيويته النضالية الجادة..!)
ثالثاً:
طبيعة الأزمة:
وكنتيجة للمعطيات التي سبق أن قدمناها ضمن تحليلنا؛فقد سادت علاقات نفسية عاطفية – داخل الحزب- هذه العلاقات النفسية (العاطفية) داخل الحزب؛ ممزوجة بارتكاسات أنانية..
نفعية..
واجتماعية (واقعة أو متوهمة).
تتعالى هذه العلاقات النفسية داخل الحزب، على النقد, ولا يحسن أصحابها (الحزبيون) ممارسة النقد الذاتي, وقد نتج عن ذلك ضعف الخاصة التنظيمية “الحزبية” الواعية والمتجددة، ( ومن ثم فقدت الحالة الحزبية حيويتها النضالية الجادة..
أو كادت..!).
وانعكس ذلك حالة ركود روتيني، أو فوضى (غوغائية)، هزلت فيها المعايير النضالية في الاختيارات ، وعلى مختلف المستويات -اختيار العضو الحزبي المناسب،اختيار الأفكار النضالية الجادة, اختيار المواقف المنسجمة مع روح النضال الجاد…الخ-.
وحلت معايير عمل وأداء، معتمدة من الشخصية الأولى (أو المتنفذة) في الحزب نظريا..
وكذلك عمليا عبر تطويع الحالة الحزبية ،لما تريده هذه الشخصية(الأولى) من نمط في التفكير والممارسة.عوضا عما يفترض من المعايير النضالية الواضحة (المبادئ!) والتي ينبغي الانضباط بها.
وهذه المعاير صيغت –غالبا ما – بشكل يراعي الموقف السلطوي أكثر مما ينبغي، وعلى حساب مبادئ القضية القومية؛ بدواعي مختلفة أهمها: ادعاء العقلانية والحكمة وما أشبه..!
وعلى الرغم من أن مثل هذه الخطوة مطلوبة، ولكن المبالغة فيها تعني حالة تقصير عن معنى الأداء النضالي (الجاد) –إذا لم تعن المساومة..!-.
فالمبادئ-كما هو مفترض- هي التي ينبغي أن نستوحي منها الطرق النضالية اللازمة،وليس العكس،خاصة على المدى الاستراتيجي.
وما سوى ذلك ، فهي تقديرات تعلو وتنخفض، تشتد وترتخي بحسب الظروف والإمكانيات، وحالة المناخ السياسي بشكل عام (تكتيكات).
ومن ثم فإن الحكمة والتعقل ليس ملكا لأحد لكي يفرضه على الآخرين (أو يجرد الآخرين منه).
وإنما الحكمة خاصة بشرية يمكن لكل من أرادها أن يتمثلها –إذا عمل للوصول إليها-
هذه هي طبيعة العمل الجاد والمنتج..وهي ضرورة العمل باستمرار وبمسؤولية دائما-وكما يقول الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي:
و إذا كانت النفوس كبارا * * * تعبت في مرادها الأجسام
فماذا كانت الحصيلة؟
كانت الحصيلة ، فقدانا للفعالية النضالية المؤثرة في الحالات التالية:
1- في داخل الحزب, تجلى فقدان الفعالية النضالية في افتقار العضو الحزبي عناصر القوة في شخصيته ومنها (الوعي والاستقلالية …الخ) وهي الخصائص اللازمة للنضال.
2- مع الكرد خارج الحزب (الجماهير الوطنية المستقلة) تجلى فقدان الفعالية النضالية في انتشار أساليب التبعية في العلاقات الحزبية، وفي العلاقات مع الجماهير، و تغليب المصلحة الحزبية الضيقة.
3- مع السلطات – المتخاصَم معها افتراضا- وذلك لعدم توفير أسس التكافؤ الضرورية للحوار بينها وبين هذه السلطات، تجلى فقدان الفعالية النضالية في عدم القدرة على توفير عوامل -أو أساليب نضالية- للضغط على السلطات ، وذلك بسبب واقع قوة السلطة، وواقع ضعف الحركة السياسية الكردية (الحزبية) كنتيجة لما ذكر سابقا..
(ومن المعلوم أن قوة الحركة السياسية عموما وقوة الأحزاب الكردية خصوصا..؛ هي في كونها صاحبة حق أولا، ومن ثم إتباع الوسائل النضالية الفاعلة في ظروف كهذه ثانيا).
فهل تحقق هذا الأمر في واقع الأحزاب الكردية حاضرا؟.
وإذا استثنينا انتفاضة آذار 2004-مع ما رافقها من بعض تجاوزات من المنتفضين كنتيجة طبيعية لمثل هذه الأحوال،بدليل أنه في الفترة نفسها حصل شيء شبيه في لبنان أحرقت فيه بناية من ست طوابق عائدة إلى وزارة شؤون العمل..
ورغم ذلك فقد تولت الحكومة اللبنانية رعاية الجرحى، والتعويض عن القتلى و المتضررين، بخلاف ما حصل في سوريا حيث سيق الآلاف إلى سجون التعذيب وقتل أكثر من ثلاثين، ولوحق المواطنون –وهم قصر غالبا – للحكم عليهم بمقادير من أموال تفوق الخيال.
وما تلا ذلك من فعل القتل كان آخرها ثلاثة شباب كانوا يشعلون النار في نوروز هذا العام 2008 وجرح أكثر من ستة نتيجة إطلاق النار من جهة أمنية سورية في القامشلي (إطلاق النار بدون أي مبرر..) ..
وهذا خطير يعبر عن شهوة القتل، أو الحقد.
وكلاهما خطير كثقافة اجتماعية وسياسية …!
وكم كان موقف الأحزاب متخلفا عن هذه الأحدث، الضاغطة لو استطاعت أن تستفيد منها سياسيا – فقد أنتجت، أو انتزعت -لأول مرة- اعترافا من أعلى مستويات السلطة بما معناه (الكرد شعب يشكل جزءا تاريخيا من النسيج السوري) وهو ما لم تكن السلطات تعترف به سابقا، حتى كلاميا، ولا يزال هذا الاعتراف مجرد اعتراف كلامي لم يجد ترجمة له على الأرض.
بل المؤشرات تدل على تراجع عنه – ربما..!
بمعنى أن ما حققته هذه الانتفاضة لم يحققه النضال الحزبي –مع احترامنا للمناضلين- على مدى خمسين عاما من العمل السياسي المهادن..!
ولا نقصد بذكر مفهوم “المهادنة” نقديا؛ الطلب إلى القيام بالثورات، وإنما نقصد ضرورة إشباع العمل السياسي في متطلباته النضالية المؤثرة.
وكنتيجة لسياسة المهادنة المفرطة هذه، فقد استغلت السلطات ذلك، واستطاعت التغلغل في ثنايا حياة الشعب الكردي، مما ساهم على تفتيته بتنسيب الكثيرين إلى حزب البعث، وربط الكثيرين بأجهزة أمنية -ربما كان منهم بعض الحزبين في مواقع متقدمة أيضا، أو على الأقل تساهلوا في موضوع انتساب أبنائهم الى الشبيبة طمعا في بعض درجات، هي حرام أصلا..!
وفضلا عن ذلك ما قامت به السلطات من تشجيع قيم التفتت، عبر تعزيز النمط العشائري المتخلف عن مقتضيات العصر، ضمن المجتمع الكردي، والذي كان الكرد قد تجاوزوه -كثقافة- في صدر نضاله السياسي، وبدايات تشكيل الحزب الكردي الأول..!
انبثق عن هذه الحالة- في العلاقة مع الجماهير- معنى، يكاد يتجسد في شعار مؤداه: كن حزبيا أو لا شان لك بالسياسة..! يتبناه الحزبيون (الأحزاب) حسب مستوياتهم.
وبذلك خلطوا بين (الحزبية) كتنظيم سياسي، وبين مفهوم ومعنى (السياسة) كحالة فكرية ثقافية نظرية،وانعكاساتها الاجتماعية والإدارية العملية…!
وهذا بالضبط ما تفعله الأنظمة المستأثرة بالحكم مع مواطنيها؛ بإيجاد الوسائل المختلفة لعزلهم عن النشاط السياسي- ما لم يكن في خدمتها- وبإبعاد المتنورين عن الفعل الثقافي السياسي- ترهيبا، وترغيبا وتحييدا وتهميشا..الخ.!
وبذلك تتشابه الأحزاب الكردية مع السلطة في علاقتها مع الجماهير الوطنية المستقلة..! (ولقد فعل صوابا، السيد د.عبد الحكيم بشار “سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا-البارتي) بإجراء مقارنة بين الأداء البعثي للسياسة، والأداء لدى الأحزاب الكردية لها، في مقال نشر في الشبكة العنكبوتية -الانترنت).
هذا الحال، أوجد تمحورا حول الذات داخل كل حزب, أفقد ه، مرونة الاتصال الفاعل مع الأحزاب الأخرى من جهة, وافتقدت الحركة السياسية (الحزبية) برمتها, الأرضية الصالحة للالتحام الفاعل مع الجماهير من جهة أخرى.
( وبدلا من تقدير الحركة لمستوى الجماهير المتعثر، والتي تقودها -افتراضا- أصبحت الجماهير هي التي تسعى لتقدير ظروف التشرذم وضعف الفعالية لدى الحركة ..! وتسعى للملمة التشتت عندها..وهذا أمر يدعو إلى الألم في أحسن الأحوال..!.
والمشكلة هي في أن هذه الأحزاب –وبدلا من الشعور بالرضا من محاولة مشاركة المستقلين في معالجة هذا الوضع الذي يشتكون منه جميعا؛ فإنها تكتب وتذيع أحاديث وكتابات تهاجم هذه المسعى وربما تتندر بها أيضا…!
وآخر التعثرات تلك التي كشفتها المباحثات حول المرجعية الكردية ، والتي أنتجت –بعد لأي- التصور المشترك (الرؤيا المشتركة) ولكنه ظل حبيس الورق الذي كتب عليه..
وهذه عادة هذه الأحزاب التي لا آلية -أخلاقيا وتنظيميا وقانونيا لديها- تجعلها تنضبط بما وقعته من مواثيق.
والنتيجة العامة لذلك هي:
تمخض عن العوامل المذكورة سابقا, نوع من ضعف الفعالية – قصدا أو بدون قصد- انعكس هذا الضعف (أو نتج عن هذا الضعف) حالة من انفصام أو ازدواجية السلوك في العمل السياسي (الحزبي) وخاصة لدى بعض القياديين – وهي الحالة الغالبة مع الأسف- يتجلى ذلك في:
تفاوت واضح بين الخطاب السياسي النظري (مطبوعات مختلفة, مناقشات… الخ) وبين الممارسة العملية (تحويل النظري إلى تطبيق عملي).
يوحي ذلك وكأن هناك قبول واع لهذا الدور..
لإرضاء جميع الأطراف:
(الحزبيين, الجماهير, السلطة) ما دامت الجماهير لا تنال شيئا، والسلطة لا تخسر شيئا, في حين يعتاد الحزبيون واقعهم هذا (موقف اللاموقف).
وبدلا من أن تكون القيادة السياسية (الحزبية) وعبر مجموع الأحزاب (الحركة):
تربية نضالية للجماهير( توعية لتفهم الهدف، اكتساب المهارة في الأداء الحزبي (السياسي) الجاد والمخلص، تجاوز مظاهر الضعف في الشخصية (أنانية..
خوف..
وغيرهما…)….الخ.
بدلا من ذلك، يكاد يتحول الأداء القيادي لدى ألأحزاب إلى نوع من تفريغ العمل النضالي من محتواه؛ -وطبعا بشكل نسبي- ولكن النواقص هي الغالبة وهذا هو الجانب المخيف..!
.
أ- تغييب الجدية، (أي تطابق النية والقول والعمل) في الممارسة السياسية,
(أو روح النضال بخصائصها المثالية(الجادة).
ب- إدارة للجماهير تبدو وكأنها تهدف إلى تقبلها للواقع (نوع من التدجين).
جـ- بذل الجهد للحفاظ على الصيغة القائمة للحالة الحزبية, (والتي تمارس بأسلوب اقرب إلى العشائرية أو ما يماثلها في أسلوب الارتباط النفسي بين أعضاء الحزب الواحد بعضهم بعضا ،وبينهم وبين القيادات الحزبية- كالاستسلام التصوفي).
ومن آثار ذلك: استلاب شخصية المقود (حزبيا وجماهيريا) -عبر ذلك- لصالح محورية شخصية القيادي الأول (سكرتير..سكرتير عام..
أمين عام..
رئيس..الخ).
مع الاعتبار لوجود بعض الفروقات كنتيجة لاختلاف الشخصيات عن بعضها في التكوين النفسي والأخلاقي..
والثقافي بشكل عام.
ويمكن تلخيص كل ما سبق عن حالة الأحزاب في الأسطر التالية: وهي:
أنها ((حالة حزبية متمحورة حول ذاتها, منعزلة عن جماهيرها بدرجة مؤلمة, فقدت القدرة على معالجة مشاكلها بذاتها (التشرذم, تصادم العمل, العجز عن توحيد الموقف والخطاب والعمل الميداني…الخ), لتجاوز الواقع الراهن لها..
فرَّخت رؤية مشوشة, وأنتجت علاقات مرتبكة… انعكست الحالة هذه، نوعا من الاستلاب..في الشخصية الحزبية بل وانعكس على الجماهير أيضا ..!
(في مناقشة بين جمع من المثقفين برعاية أحد الأحزاب الكردية في التسعينات، طرح سؤال:هل القيادات الحزبية الكردية مخترقة..؟ فأجاب احد المثقفين قائلا:
نحن لا نريد أن نصدق شيئا من هذا ولكن يبدو ان البعض قد قرأ سياسة السلطات تجاه الكرد فاستوحى من ذلك سقفا وضعه لسلوكه الحزبي لا يتخطاه) وكأن هذا التفسير يقترب من واقع الأداء الحزبي في جوانب مهمة منه.
أي الالتزام بما وضعته السلطة من سقوف بدلا من الالتزام بما وضعه الحزب من مبادئ مراعيا الوضع العام -داخليا وخارجيا-، بحيث تصبح المبادئ هي الأساس الثابت، ومراعاة الظروف هي الحالة المساعدة (التكتيكية).
فتعلو السقوف وتنخفض بحسب الظروف حينئذ.
……………………………………………..
*وجدت في ظل الأحداث التي تحاول ان تشغل الشارع-أو الجمهور الكردي- بما لا يعود عليه بالفائدة سياسيا..
لأنها ليست سبلا نضالية جديدة ومنتجة..
وإنها لعبة قديمة جديدة في سياسة المتنفذين –او المتلاعبين حتى – ضمن الأحزاب الكردية في سوريا ..نتيجة عجزهم عن انجاز مفيد لجمهور الشعب الكردي..فينساقون-كما زعماء العرب والشعوب المتخلفة- الى ألاعيب موهمة بشيء..وهي ليست سوى الهاء الشعب بلا شيء.
فوجدت ان التذكير بأسباب أزمة الأحزاب الكردية قد يجعل الاهتمام بما هو أساسي بدلا مما هو هامشي وثانوي..الاهتمام بمصلحة الشعب وطبيعة التفكير السياسي بدلا من الانشغال بزعامة هذا او ذاك-