صبري رســول
لا يُخفى على أحد أنّ الشعب الأرمني كان أكثر الشعوب تعرّضاً للإبادة الجماعية في نهاية الحقبة العثمانية الظلامية ، فشُتِّتَ جمعُهم ، وأُفرِغَت مناطقهم في أقاليم الأناضول ، وأُبيدتْ جماعاتهم تحتَ ظلال الدين الإسلامي المسيّس ، وبقرارات عمامة الخلافة من باب العالي ، فتناثرتْ جموعُهم في أصقاعِ المعمورة ، بدءاً من بلاد الشام والرافدين جنوباً وشرقاً ، و إلى هضبات القيصر شرقاً وشمالاً وانتهاءً في القارات البعيدة خلف المحيطات.
أصدر البابُ العالي فرمانات (قرارات) عديدة لمحاربة الكفرة الملحدين ، أعداء الدين ، (كاور)، ربما هذه كلمة كردية تُلفَظُ الفاءُ واواً بلهجة الكرد في الأقاليم الشرقية من كردستان ، فأصبح الـ(كاور) عملة نادرة يبحثُ عنها كلُّ باحثٍ عن جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ، فيشتري الفاسق المقنّعُ بعمامة الدين عن أرمنيٍّ يشتري الجنة بدمه ، ورُفِعَت أدعيةٌ في المساجد أثناء الخطب البليغة العصماء ، يدعو الخطيب الألمعي فيها إلى حدوث الزلزلة (تحت أرجلهم) فيردّدُ القومُ (الكورسُ) آمين ، و يكمّلُ الخطيبُ المفوَّهُ : ويتّم أطفالهم ، واجعلهم ، هم وأموالهم غنيمة للمسلمين ، فيرفعُ الجهلة أيديهم إلى السَّماء : آمين يا رب العالمين .
و لكن لم ينتظر الجمع إلى أنْ يستجيب الله دعاءهم ، فشكّلوا جيشاً عرمرماً لترجمة الدعاء عليهم إلى حقيقة مرّة مازالت آثارُها محفورةً في النفوس ، وظلالُها ترسم شكل العلاقة بين (الملّة الصادقة) والآخرين بالحذر والتَّخوف إلى اليوم.
انتشرت فرق الفرسان الحميدية في طول أناضول وعرضها بحثاً عن أمٍ هاربة بطفلها ، أو كهلٍ مختبئٍ بظلال سنينه البائسة ، مدجّجة بفتاوى العمائم التي استباحت قتل الأطفال كالعصافير ، وبطر بطون الحوامل ، وربط الكهول بالأشجار ، وتسخير وتعذيب الشباب حتى الموت ، على أملٍ أنْ يجاوروا الصحابة المكرمين في مجالس خَدَمَتُها ولدان لا يشيبون ، يسقونهم بخمرٍ في أباريق وكؤوس مذهَّبة.
في ذاك الوقت كان السلطان (الخليفة الأحمر) يضرب الأخماس بالأسداس ، لتأليب الكرد (الجهلة) المسلمين على إخوتهم في الجغرافية الواحدة والمصير المشترك ، بهدف تفريغ المناطق الجغرافية من الأرمن ، وإضعاف الكرد ، بعد كسر ظهرهم في الوقت ذاته، والاستفراد بهم فيما بعد ، حفاظاً على الإمبراطورية المريضة التي رسمت الدول الغربية خريطتها الجديدة بما يتوافق مع مصالحهم .
وكانت الإبادة الكبرى في 1915 – 1916م منظَّمةً ومنسّقةً بين الجيش العثماني وبالتعاون مع أعوان الخليفة من العشائر والقبائل والأفراد الجهلة ، فجاءت الصّورة تتمة للإبادة الأولى 1894-1896 م التي لم تشفِ غليل آل أرطغرل ،لذلك يحقُّ للباحث في التاريخ استخدام (حملة الإبادة الجماعية) لمّا لها من دلالات سياسية لا يمكن لأحد التهرّب منها.
والذين مازالوا يعتقدون أنّ الأرمن استغلّوا ضعف الدولة العثمانية لاقتطاع جزءٍ من أرضِ الإمبراطورية ، وأنهم جعلوا من أنفسهم أداة بيد الروس لتحقيق مصالحها ، واهمون ، بل لا يريدون قراءة التاريخ كفعل متحرّك ، يدافعون عن وهمٍ وخيال ، مبرّرين ما حصل بأنّه نتيجة محاولات الأرمن تقطيع أوصال الدولة العثمانية التي أرجعتْ شعوب الشرق الخاضعة تحت هيمنتها مئات السنين إلى ظلمات الغابر السحيق .
إذا كان الأرمن قد طلبوا حكماً ذاتياً محلياً لهم ، فذلك حقٌّ طبيعي لأي شعب ، ولا يبرّرُ طلبُهم ذاك قيام الطورانية بحملات الإبادة الجماعية لهم .
لكن للأسف مازالت قيم الطورانية مستحكمة في ثقافة شعوب المنطقة ، وحكامهم .
و لكن لم ينتظر الجمع إلى أنْ يستجيب الله دعاءهم ، فشكّلوا جيشاً عرمرماً لترجمة الدعاء عليهم إلى حقيقة مرّة مازالت آثارُها محفورةً في النفوس ، وظلالُها ترسم شكل العلاقة بين (الملّة الصادقة) والآخرين بالحذر والتَّخوف إلى اليوم.
انتشرت فرق الفرسان الحميدية في طول أناضول وعرضها بحثاً عن أمٍ هاربة بطفلها ، أو كهلٍ مختبئٍ بظلال سنينه البائسة ، مدجّجة بفتاوى العمائم التي استباحت قتل الأطفال كالعصافير ، وبطر بطون الحوامل ، وربط الكهول بالأشجار ، وتسخير وتعذيب الشباب حتى الموت ، على أملٍ أنْ يجاوروا الصحابة المكرمين في مجالس خَدَمَتُها ولدان لا يشيبون ، يسقونهم بخمرٍ في أباريق وكؤوس مذهَّبة.
في ذاك الوقت كان السلطان (الخليفة الأحمر) يضرب الأخماس بالأسداس ، لتأليب الكرد (الجهلة) المسلمين على إخوتهم في الجغرافية الواحدة والمصير المشترك ، بهدف تفريغ المناطق الجغرافية من الأرمن ، وإضعاف الكرد ، بعد كسر ظهرهم في الوقت ذاته، والاستفراد بهم فيما بعد ، حفاظاً على الإمبراطورية المريضة التي رسمت الدول الغربية خريطتها الجديدة بما يتوافق مع مصالحهم .
وكانت الإبادة الكبرى في 1915 – 1916م منظَّمةً ومنسّقةً بين الجيش العثماني وبالتعاون مع أعوان الخليفة من العشائر والقبائل والأفراد الجهلة ، فجاءت الصّورة تتمة للإبادة الأولى 1894-1896 م التي لم تشفِ غليل آل أرطغرل ،لذلك يحقُّ للباحث في التاريخ استخدام (حملة الإبادة الجماعية) لمّا لها من دلالات سياسية لا يمكن لأحد التهرّب منها.
والذين مازالوا يعتقدون أنّ الأرمن استغلّوا ضعف الدولة العثمانية لاقتطاع جزءٍ من أرضِ الإمبراطورية ، وأنهم جعلوا من أنفسهم أداة بيد الروس لتحقيق مصالحها ، واهمون ، بل لا يريدون قراءة التاريخ كفعل متحرّك ، يدافعون عن وهمٍ وخيال ، مبرّرين ما حصل بأنّه نتيجة محاولات الأرمن تقطيع أوصال الدولة العثمانية التي أرجعتْ شعوب الشرق الخاضعة تحت هيمنتها مئات السنين إلى ظلمات الغابر السحيق .
إذا كان الأرمن قد طلبوا حكماً ذاتياً محلياً لهم ، فذلك حقٌّ طبيعي لأي شعب ، ولا يبرّرُ طلبُهم ذاك قيام الطورانية بحملات الإبادة الجماعية لهم .
لكن للأسف مازالت قيم الطورانية مستحكمة في ثقافة شعوب المنطقة ، وحكامهم .
آنَ الأوانُ ليقرأُ الجميع تاريخ هذه الأحداث بمنظورٍ إنساني قبل كلّ شيء ، وتقديم الاعتذار بما اقترفت أيديهم ، وأخصُّ الترك بالدرجة الأولى ، لأنهم يتحملون المسؤولية ، كونهم أصحابُ الفرمانات البربرية تلك .
أمّا ما يتعلق بالكرد ، فكانوا ضحية مثل غيرهم ، كانوا ضحية الجهل الديني ، استغلّهم الآخرون باسم الدين الحنيف ، فدفعوا الثمن باهظاً ، ورغم ذلك ، نقدّم للشعب الأرمني ، كلّ الاعتذار ، ونطالبهم بالخيار المفروض علينا جميعاً ، خيار العيش المشترك ، والمصير الواحد ، وتقع المسؤولية على جميع شعوب المنطقة العمل لإيجاد مساحات التفاهم ، وإقامة العلاقة الصحيحة وتوفير المناخ الإيجابي ، والاحترام المتبادل ، للتعايش السلمي الذي يحفظ للجميع حقوقه القومية والدينية ، ونبذ التطرف والنعرات العصبية القاتلة .
يجب أن يقرأ أيُّ شعبٍ تاريخَه ، فيتأسَّف لصفحاته السوداء ويعتز بالبيضاء منها .
وتكمن الجرأة في إعادة قراءة التّاريخ بمقاييس أخرى ، وبيان الحقيقة الغائبة تحت أستار التزييف.
أمّا ما يتعلق بالكرد ، فكانوا ضحية مثل غيرهم ، كانوا ضحية الجهل الديني ، استغلّهم الآخرون باسم الدين الحنيف ، فدفعوا الثمن باهظاً ، ورغم ذلك ، نقدّم للشعب الأرمني ، كلّ الاعتذار ، ونطالبهم بالخيار المفروض علينا جميعاً ، خيار العيش المشترك ، والمصير الواحد ، وتقع المسؤولية على جميع شعوب المنطقة العمل لإيجاد مساحات التفاهم ، وإقامة العلاقة الصحيحة وتوفير المناخ الإيجابي ، والاحترام المتبادل ، للتعايش السلمي الذي يحفظ للجميع حقوقه القومية والدينية ، ونبذ التطرف والنعرات العصبية القاتلة .
يجب أن يقرأ أيُّ شعبٍ تاريخَه ، فيتأسَّف لصفحاته السوداء ويعتز بالبيضاء منها .
وتكمن الجرأة في إعادة قراءة التّاريخ بمقاييس أخرى ، وبيان الحقيقة الغائبة تحت أستار التزييف.