نوري بريمو
تكاد لا تُفارق ذاكرتي تلك الصورة التي جمعتْ بين وزيرة خارجية أمريكا السيدة مادلين أولبرايت التي رَعَتْ أكبر وأهم مصالحة في التاريخ الكوردي في عام 1998م، حيث وضعت يدها في أيدي المصافحة الأخوية التي جمعتْ بين رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود بارزاني ورئيس جمهورية العراق المرحوم جلال طالباني اللذان وقّعا بحكمتهما حينها على إتفاقية إستراتيجية بين طرفين كوردستانيين رئيسيين وفتحا صفحة جديدة من العلاقات الكوردستانية ووضعا حداً نهائياً للإقتتال الأخوي الذي كان يهدّد حاضر ومستقبل كوردستان برمتها.
وبموجب الإتفاقية المصيرية واحتراما لها ولكي لا يعيد التاريخ نفسه “لا سمح الله”، فإنّ المطلوب من القيادة السياسية الكوردستانية الحالية بكافة أحزابها وخاصة الحزبين المعنيين بالشأن أكثر من غيرهما، هو ضرورة الإلتزام بالأسس والتوافقات التي وضعها الزعيمان – الرئيس بارزاني أطال الله بعمره والمام جلال رحمه الله – ووجوب الإحتكام لجادة صواب التقيد بقرارات حكومة إقليم كوردستان التي هي بمثابة مأوى للجميع لأنها تضمهم جميعاً وتمثّل القيادة الجماعية ولأنّ البرلمان الكوردستاني المنتخَب من قبل الشعب قد كلّف رئيسها السيد مسرور بارزاني بتشكيلها وصادَقْ على تشكيلته الوزارية في إجتماع رسمي ضم جميع الأطراف الكوردستانية، وبإعتبارها حكومة شرعية مُعْتَرَفٌ بها في العراق الفدرالي ولدى دول الجوار والمجتمع الدولي.
بهذا التذكير أو بالأحرى التأكيد الذي أوردته في هذه المقالة الخاصة بإبداء الرأي بشأن التمسك بسبل وكيفيات إنجاح العملية السياسية في إقليم كوردستان الفدرالي والمحافظة على المكتسبات والإنجازات والحياة الآمنة التي ينعم بها شعبنا بفضل تفانِ وحِكمة ووحدة قيادة البيت الكوردستاني الذي لا سبيل أمام جميع مكوناته سوى الاحتكام للغة الحوار التي من شأنها الإتيان بخطاب موحّد وبمناخات داخلية صحية ومعافاة لجهة المكاشفة بالواجبات وإبراز الاستحقاقات وتعزيز الروح الأخوية والإحترام المتبادل والشراكة الحقيقة بين مختلف الشركاء وتطبيق الأنظمة والقوانين والقرارات التي تصدرها حكومة الإقليم بشكل مسؤول على طريق تثبيت وفرض هذه الحالة الكوردستانية الفدرالية التي يمكننا اعتبارها “بيت الأمان الكوردستاني” في الساحة العراقية وفي ظل هذا الراهن العراقي المشوب بمختلف التدخلات الإقليمية والدولية التي تأبى إلا وأن تتدخل في شؤون العراق الذي لم يسلم يوماً من شرور الآخرين.
ولما كانت خلفية هذه المقالة هي بنّاءة وتأتي من قبيل تذكير أصحاب الشأن وليس أن نحشر أنفسنا ونتدخل في شؤون إخوتنا لإنهم أكبر قدْراً وأدرى بشؤونهم، ولعلني أجدها فرصة للاستئناس بالآية الكريمة “فذكَّر ولعلّ الذكرى تنفع المؤمنين”، فلا حرج إذاً في لفت أنظار إخوتنا المعنيين بقيادة الإقليم في حالتي السلم والحرب إلى إلزامية الأخذ بأولوية المحافظة على وحدة البيت الكوردستاني وترتيبه ووقايته وحمايته من الداخل لتوفير مقومات مواجهة المخاطر المحدقة به من قبل مختلف الأغراب الخارجيين المترصين به ليلاً ونهاراً، وبهدف السير جمعاً ولاحقاً في مسيرة الإعلان عن دولة كوردستان التي تأتي كثمرة طبيعية لنتائج إستفتاء الإستقلال الذي جرى بتاريخ 25 ايلول 2017 برعاية الزعيم الكوردستاني السيد مسعود بارزاني وبمعية شعب كوردستان التواق لنيل حريته والعيش بسلام وأمان وبعيداً جائحة عن الحروب وعن كافة أشكال وألوان العسْكريتاريا والعنف والعنف المضاد.
وحين تُحترَم حكومة إقليم كوردستان ويصبح القانون فوق الجميع وهاجسهم الأول والأخير، وحين يغدو التوافق سيد الموقف بين شركاء الأمس والراهن والمستقبل، فلا خوف إذاً على أحوال كوردستان لا اليوم ولا غداً، ولا خيبة حينها في تحقيق أي مأمول كوردستاني كان حلماً فيما مضى وصار معتركاً حاليا وسيغدو حقيقة آتية لا ريب فيها، وسيُصاب أعداء الكورد وكوردستان باليأس والإحباط ولن تفيدهم أفكارهم الشوفينية وأجنداتهم المعادية.
في الحقيقة سُقتُ هذه الآراء التي لا أعتبرها نصائح وإنما أجدها نوعا من الترياق النافع لتقوية مناعة الجسد الكوردستاني وللحفاظ على وحدة وتماسك إقليم كوردستان الذي بات استقراره منوطاً بمدى التزام قياداته بفضائل الإتفاق الإستراتيجي وبالابتعاد عن مسلكيات الإختلاف التي ينبغي أن يعفو عليها الزمن والتي حدّثْ بلا حرج عن خسائرها وجراحاتها التي ينبغي لها أن تندمل دون رجعة، ولعلّ الإتعاظ بدروس التاريخ والإستفادة من عِبَر الماضي واحترام إرادة الشعب الكوردستاني الذي يثق بقيادته ويقف وراءها ويدعوها للمحافظة على وحدة وسلامة الإقليم، هو واجب وطني مقدّس ينبغي الإلتزام الكلي به مهما كلف الأمر.
17ـ 4 ـ 2020