نـوري بـريـمـو
تحت سقف توازن الرعب الطاغي على المشهد السوري المأزوم جداً بعد إنقضاء تسع سنوات على هذه الأزمة المجنونة التي حصدت أرواح مئات الآلاف وهجَّرت الملايين وهدّمت معظم البنى التحتية والفوقية في كبريات المدن وصغرياتها، حيث أضحى راهن البلد يئِنُّ تحت وطأة إرهاب الدولة الذي تسلكه قوى النظام من جهة والإرهاب المضاد الذي يمارسه المسلحون المحسوبون على المعارضة من جهة أخرى.
وبين هذا الإرهاب وذاك، وبعيدا عن منطق فرض جامحة العسكريتاريا وجائحة التجييش العرقي والطائفي، فإنّ المهتمين بالشأن السوري يدركون مدى أهمية إحتكام كافة المكونات السورية لجادة صواب الإبتعاد عن عسكرة الحلول وإعتماد مبدأ التوافق بين الشعوب المتجاورة ودعم صلات الرحم والمحافظة على حق تقرير المصير وإبداء المرونة المطلوبة لدى التعامل مع ملف التعايش السلمي بين الجيران المتتاخمين جيوتاريخياً في هذا البقعة الملتهبة حاليا، وذلك خدمةً للصالح العام لعموم السوريين.
ومن هنا تبرز أهمية توخّي الجانب الكردي للحذر وعدم الإخلال بتوازنات المعادلات السورية والإقليمية والدولية، لدى تحديد المسارات الكردية التي ينبغي الأخذ بها في الأفق المنظور والمحفوف بشتى المخاطر، ففي هذا الوقت الحرج الذي ينتهج فيه المجلس الوطني الكردي وباقي أحزاب حركتنا السياسية إستراتيجية الدفاع السلمي عن الحقوق القومية لشعبنا، نجد بأنّ حزب (pyd) يُغرّد خارج السرب الكردي ويخوض حروباً بالوكالة في ديار الجيران رغم أنه “لا ناقة لنا فيها ولا جمل” وهي بالمحصلة تثير نعرات قومية وتارات وإنتقامات بينية وتفتح جروحاً عرقية يصعب إندمالها ونحن بغنى عنها، أضف إلى ذلك فإنها تؤجِّج الصراع “الكردي – العربي” بدلاً من الركون لخيار التهدئة والحوار والمصالحة مع الجوار.
في حين ينبغي أن يكون الخطاب السياسي والأداء الميداني الكردي وقائياً وسلميا وموحداً حيال الجوار وما يجري في الساحة السورية، بهدف الحفاظ على سمعتنا السلمية لدى الجيران والآخرين ولتوفير مستلزمات المناعة الذاتية وعدم إعطاء الحجج لِمَن تدفعهم نفوسهم الأمّارة بالسوء وبالإساءة لعلاقات حسن الجوار (الكردية – العربية) عبر تحيُّن الفرَص والإصطياد في المياه العكرة.
وبهذا الصدد فإنّ أولوية الإبتعاد عن النزعات العنفية والتركيز على ضرورات الإلتزام بمنطق “مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر” هي العامل الحاسم لتحقيق الأهداف الكردية المشروعة، وينبغي أن تشكّل حجر الزاوية الرئيسي للعناصر المحدّدة لحراكنا السياسي الممكن والفاعل في هذا الزمن السوري المفتوح على شتى الإحتمالات والذي قد يكون تقاسم مناطق النفوذ بين اللاعبين الدوليين والإقليميين هي إحدى أبرزها.
ومن جهة أخرى فإنّ من حقّ شعبنا الكردي أن يتطلّع إلى دور أكثر فاعلية ودبلوماسية لحركته السياسية التي ينبغي أن تستثمر مختلف الظروف والفرَص وأن توفَّر مستلزمات مسيرة الدفاع التي ينبغي أن نخوضها في هذا الظرف السوري الإستثنائي الذي قد لا يتكرر لكونه أصبح يغرق في بحور نزاعات المشاريع السورية المختلفة (علوية وسنية وكردية وأخرى قد لا تخطر على البال والخاطر) الناشبة والمتأججة بنيران داخلية وإقليمية ودولية، وهنا لا بديل عن المشاركة الكردية الإيجابية في الحراك الجاري حول الشأن السوري وحشد مختلف الفعاليات والإمكانيات للتوصل إلى حلول توافقية مع الجوار بالطرق السلمية اللاعنفية، ولعلّ مشاركة المجلس الوطني الكوردي في مؤتمرات جنيف الدولية وفي اللجنة الدستوية السورية تُعتبَر خياراً سياسيا صحيحا يخدم حاضر ومستقبل شعبنا الكردي في كردستان سوريا.
وبالمحصِّلةً لابد للجانب الكردي أن ينحو نحو ممارسة دبلوماسية السباق مع الزمن، وأن يسعى صوب الفوز بالحقوق عبر التخلص من حالتَي التردد والرهانات والتحرر من مختلف الظواهر السلبية المعيقة لمسيرة التلاقي الكردي حول خطاب موحد ومن شأنه أن يضع النقاط على الحروف لدى التعامل مع جيراننا العرب ويحثهم على قبول حقيقة وجود الكورد كشعب أصيل يعيش منذ الأزمان في وطنه ووطن آبائه وأجداده، ويشجعهم على الدخول مع الجانب السياسي الكردي في حوار مبني على الشراكة والتوافق الإعداد لمرحلة سورية جديدة ينتفي فيها الظلم بشتى أنواعه وأشكاله.
6-4-2020