بارزاني وعبدي.. ضرب في المياه الراكدة

د. ولات ح محمد
    “كل الشكر والتقدير لرئيس إقليم كوردستان كاك نيجيرفان بارزاني على استجابته السريعة والكريمة لطلبنا في إرسال مختبَرَين طبيين للكشف عن فيروس كورونا، وسعيه لإرسال المزيد منها دعماً لجهودنا في مكافحة هذه الجائحة”. هكذا عبر قائد قوات سوريا الديمقراطية السيد مظلوم عبدي عن شكره وتقديره لرئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني الذي كان قد طلب إليه في مكالمة تليفونية مساعدة روجآفا طبياً لمواجهة كورونا.
    هذه ليست المرة الأولى التي يتوجه فيها قائد قوات سوريا الديمقراطية بالشكر والتقدير لقيادة إقليم كوردستان، وليست الأولى التي يقوم فيها بإجراء اتصال عبر الهاتف لطلب مساعدة أو لتقديم شكر على مبادرة ذاتية قامت بها قيادة الإقليم التي قامت مرات عدة في السابق بالمبادرة إلى تقديم معونات بمختلف أنواعها المعيشية والطبية (وحتى العسكرية في معركة كوباني قبل سنوات) إلى روجآفا.
     يأتي طلب السيد عبدي المساعدة من قيادة الإقليم لمحاربة كورونا في ظل رفض النظام تقديم أية مساعدة من هذا النوع لأهالي المنطقة وفي ظل إرساله المئات أسبوعياً من دون أي تنسيق إلى مطار قامشلي قادمين من مناطق سورية انتشر فيها فيروس كورونا. ويأتي كذلك في ظل تخلي منظمة الصحة العالمية عن مسؤوليتها في هذا الاتجاه، وأيضاً في ظل إغلاق منافذ الحدود التي كانت تأتي منها المساعدات من الأمم المتحدة، دون أن ننسى أجواء الاعتداءات التركية التي لم تتوقف على المنطقة وأهليها، ناهيك عن قطع المياه عنهم ومحاولات أنقرة الحثيثة لإنجاز ملف التغيير الديمغرافي مستغلاً انشغال العالم بمحاربة كورونا. 
    مثل هذا التعاون والتعاضد والتواصل بين قيادات الجانبين الكورديين يبعث في كل مرة على التفاؤل في الشارع الكوردي بأن انفراجاً ما قد يحدث لاحقاً، ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى سوابق عهودها وكأن شيئاً لم يحدث. مثل هذا التقارب حتى يأتي أكله يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً تسعى إليه الأطراف الكوردية كافة، لا إجراءً مؤقتاً وموقوتاً بالأزمات فقط، حتى يكون له أثر في إصلاح حال الشارع الكوردي أيضاً.
    ولخلق البيئة الملائمة لمثل هذا التوجه فإن القائد مظلوم عبدي مطالب من جهته بأن يمارس صلاحياته ويفرض على الأطراف الكوردية في روجآفا (ما دامت لا تأتي بالحسنى) الجلوس على طاولة حوار عاجلة وجادة. ومن جهة ثانية مطلوب من السيدين بارزاني وعبدي العمل على إطلاق مياه غزيرة في الأنهار والسواقي المتوقفة والراكدة في المشهد السياسي الكوردي منذ أعوام، سواء أكان في روجآفا نفسه أم فيما بين روجآفا وباشور، لأن ركود المياه لفترات طويلة في تلك الأنهار والسواقي السياسية والمجتمعية هو الذي يسمح بظهور الطحالب والحشرات التي تنشأ نتيجة ذلك الركود وتعتاش عليه.  
    قصارى القول: إما أن تُطلق المياه بسرعة وشجاعة في مجاري الأنهار والسواقي كي تزدهر الحياة وتتجدد وإما أن يستعد الجميع لتحمل النتائج الكارثية لهذا التوقف والركود، من جراثيم وبكتريا وعفونة وأمراض الزهري والكوليرا والملاريا السياسية والاجتماعية والثقافية التي لا تقل خطورة على حياة المجتمعات من كورونا نفسه. 
    بمحاربتك كورونا قد تقضي على فيروس واحد وتجنب شعبك الإصابة بمرض واحد، وهذا أمر حسن. أما تركك المياه السياسية راكدة لفترات طويلة فقد يصيب شعبك بعشرات الفيروسات والميكروبات والأمراض الاجتماعية منها والثقافية والنفسية والفكرية والسياسية التي ستقتل مئات الآلاف، بل شعباً بأكمله ولن ينفع معها أي لقاح. فيروس المياه الراكدة أكثر ضرراً من كورونا وأشد فتكاً بالمجتمعات.
    ليس كورونا الذي أسقط كركوك وعفرين وتل أبيض وسري كانييه وقتل الآلاف من أبنائها وشرد مئات الآلاف، بل المياه السياسية الراكدة العفنة التي خلقت الجراثيم والميكروبات التي أسقطت تلك المدن. بجملة واحدة: لا نفع كثيراً في محاربة كورونا ومياهنا راكدة.. فهل من محرك؟.. أو متحرك؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…