دماء على مائدة كورونا.. سوري يخرج في فترة الحجر الصحي في «أضنا التركية» فيتلقى رصاصة في القلب.. وإفطار من دم كردي

 إبراهيم اليوسف
 
أعنى، عادة، بعناوين المقالات، إن كان لدي فائض من مزاج، وأوفق بذلك – كما أزعم- بيد أنني أحياناً، أكتب بتوتر، كما يحدث لي، أمام  أي جريمة إرهابية، كما يحدث لي هنا، ترتكب بحق أبرياء، إذ أحتاج، عادة، وقتاً، أو أستعين بزملاء لي، سواء أكان ذلك في منظمة حقوق الإنسان في سوريا-  ماف، أو في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا “، كي يكتبوا بياناً، إلى أن أهدأ، وهو ذاته – أي التوتر- ما يجري لي وأنا أريد كتابة حتى منشور فيسبوكي، إذ أرى أن الكلمة لا تفي، ولابد من أن أخرج على الحبر. أخرج من الكيبورد، وشاشة الكمبيوتر، لأصرخ، قائلاً: أيها المجرمون كفوا عن القتل!
  صباح اليوم، وصلني مقطع فيديو فيه شاب سوري اسمه ” علي العساني” ملقى أرضاً، وهو ينزف، ومتبول على بنطاله، وقيل: أنه أصيب برصاصة في قلبه من مسدس، أو رشاش  دورية من الجندرمة الأتراك في أضنا، والسبب أن ذلك الشاب- وهو دون العشرين من عمره- خرج إلى الشارع في فترة الحجر الصحي، ربماً باحثاً عن طعام الإفطار أو السحور أو الماء، أو الدواء، وباعتباره قادماً من بلد الحرب، فقد ارتبك، وحاول الفرار، وهو يرتعش، ليتبول على نفسه، أمام منظر من أشهر السلاح في وجهه، كي يطلق عليه عناصر الجندرمة الرصاص، ويصاب في قلبه. في قلبه، ولذلك دلالاته، وليلتم حوله عدد من المسعفين، المارة، أتراكاٍ وسوريين، وهم مكممون، هلعون، مذعورون!
إنه منظر آلمني في ضميري، وقلت في نفسي: ماذا يمكننا أن نفعل إزاء هكذا عقل مجرم يواجه من يرتكب مخالفة جزاؤها مالي، أو بالتوقيف والحبس إلى حين، أو حتى التخويف بالرصاص المطاطي، لا بالرصاص الحي الخارق، فإن ثمة ثقافة ما- إذاً- وراء هذا العقل، بل ثمة موقف لئيم، لا إنساني، من لدن المجرمين القتلة. تصورت أمه. أباه. أخوته. أخواته، إن كانت  الحرب قد أبقت أحداً منهم، تصورت حالة الرعب التي سيخلفها مقتل هذا السوري الناجي من الحرب في نفوس أهله السوريين هناك، وهم مطالبون بالسكوت والتصفيق للقاتل، ولمن وراءه، لطالما أن من هو وراء لجوئهم إلى هذا المكان طاغية سوري، وقتلة لانهاية لهم. كل منهم قتل الآخر باسم الوطن. باسم الثورة، بينما كان جميعهم كذابين على الثورة!
وبينما كنت أفكر:
ما الذي أكتبه عن هذا الشاب، في الوقت الذي يقال: إن كورونا أوقفت الحرب. إن الحرب خجلت من كورونا. الدم خجل من كورونا- وإن على نحو جزئي- إلا أن هناك قاتلاً يرطن بلغة أخرى يقتل لاجئاً إلى بلاده، ليس لديه ما يدفعه مقابل مخالفة – الجندرمة-  فيثأر منه هذا الأخير قائلاً: لا شيء يدرُّ على خزينة بلدنا إلا دم قلبك، بعد أن سرق العالم باسم السوريين، وعدنا إلى دورة الحياة، بفضلكم، بل بعد أن سرقنا مصانع بلدكم، ودماءه، وسخرنا من اضطر تحت وطأة الجوع ليكون مرتزقاً، فنقوده إلى القتل، ليس ضمن حدود سوريا وحدها، فحسب، بل ليصل إلى عمق ليبيا، مستغلين حاجته، وسقوطه تحت وطأة مقتضى الحال، بعد أن جوع السلطان نمر فاقته في- عامه العاشر- وهومابات يعرفه جميعهم.
أجل، بينما كنت أفكر على هذا النحو، تواردت الأنباء:
ثمة تفجيران في عفرين، أيضاً. أجل. تفجيران إرهابيان بعد خنق  سيدة ثمانينية، من قبل عناصر فصيل مرتزق تابع للمحتل التركي، لسرقة مالها، وأسر بعض أبنائها بتهمة أنهم قتلوا أمهم، وبعد مقتل رجل سبعيني  انتفض لكرامته فقال للمرتزقة السوريين من الفصيل المجرم المحتل في عفرين: كفى أيها الوحوش!
مؤشر الدم يقارب المئتين* بين جريح وضحية: أطفالاً وكباراً رجالاً ونساء، إذ ليس من مسؤول هنا إلا: سلطان الدم، ونظامه، والمرتزق السوري بائع الكرامة الذي نسي أهله تحت نيران جيش الطاغية الأسد، وراح يقتل الكردي، ويخطفه، ويعتدي على كرامته، ويقطع أشجاره، ويسكن داره
يا للعار، دم وقتل، قبيل الإفطار، في هذا الثلاثاء الأول من رمضان، وكأن ما قاله محمود درويش عن الدم الكردي في اكتمال وليمة المجرمين، باختلاف لغاتهم، لما تزل قائمة!
ما فعله الغازي التركي في أضنا. في عفرين، وقبل ذلك في سري كانيي وكري سبي بل وفي أدلب والغوطة إلخ بحق السوري، ولاسيما الكردي، المستهدف الأول من سموم لؤمه لم يفعله وباء كورونا..!
إن قتلة من هذا النوع لهم-أشد كارثية وجائحية- من كورونا. غداً، سيتم الانتصار على كورونا، كما كل الفيروسات التي سرعان ما تنهزم، لكن إرهاباً كإرهاب هؤلاء القتلة بات يستفحل عقداً بعد عقد، وقرناً بعد قرن، من دون أن تقول قوى الخير في العالم التي لما يعد لها من أثر: كفى..!
*يقال: إن عدد ضحايا التفجيرين قد بلغ حوالي أربعين شخصاً حتى هذا الحبر
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…