الكورد بين العقلية الشوفينة.. والوجود التاريخي

عزالدين ملا
عندما بدأت الثورة السورية، كان هدفها الحرية والكرامة والتخلص من النظريات البعثية المقيتة والمستبدة، ومعظم الشعارات الثورة كانت تنادي بإسقاط نظام البعث وتأسيس نظام ديمقراطي اتحادي تعددي لا مركزي يعيد للسوريين الحرية والكرامة.
    بعد مرور كل هذه السنوات من قتل وتشريد وتدمير، يأتي البعض ويحنُّ إلى أيام البعث فيُكَشِّر عن أنيابه أمام من هو مخالف، فقط لأن قلبه مليء بالكراهية والحقد تجاه كل الأقليات القومية والدينية، حيث توضحت الرؤى والنوايا من قبل هؤلاء، فما كانت كل تلك التنظيرات عن إسقاط نظام الأسد الشوفيني وبناء نظام برلماني تعددي سوى وهم وخداع، فيخرج بين فينة وأخرى مَنْ ينفث سمومه ضد الشعب الكوردي الأصيل على أرضه، الذي لم يبخل في تقديم التضحيات إلى جانب أخيه العربي من أجل بناء دولة ديمقراطية يضم كافة أطياف المجتمع السوري، ولكن دائما كان الرد الجميل هو الإنكار للوجود الكوردي ولحقيقته التاريخية.
   من الطبيعي ان نرى مثل هؤلاء الأشخاص الذين يفكرون بالعقلية الشوفينية لأنهم تلاميذ ذهنية البعث العنصرية الشوفينية الفاشستية، استلهم البعث كل هذه العنجهيّة من أحقاده الدفينة وهو ترسيخ فكرة القوميّة العربية القائمة على إقصاء كلّ ما هو غير عربي، هذا الفكر الذي رسّخ ثقافة العنصريّة، ومشحون بالحقد والكره على الآخر المختلف معه، هدفه الأساسي نبذ التشاركية ونفي كلّ الثقافات وإبعادها وإقصائها. 
وأن مثل هكذا عقليات لم يزد سوى تعقيداً خلال تاريخ سورية الحديث، وخاصة خلال حكم البعث، حيث زاد الشقاق والاغتراب بين العناصر المختلفة المكوّنة للمجتمع الواحد. العصبيّة والتفرّد يعيقان جميع أشكال التطوّر الطبيعي للمجتمعات التي قد تولّد نتائج كارثيّة خطيرة مستقبلاً، حيث يصبح مجتمعنا تجمّعات بشريّة مقفرة وموحشة، ترزح تحت سياط وسيطرة القائد الواحد واللّون الواحد، وينتشر بين المجتمع نفوسٌ مثقلة بالضغينة تجاه الأقليات. 
  يتبين من خلال ما يصرح به هؤلاء -لا يمكننا التعميم طبعاً- من تصريحات تطفو عليها العنجهيّة والشوفينيّة وإقصاء الآخر يعتبر هذا من صلب منطلقاته ومن معين منظّريه الحاملين لسموم العصبيّة والتشنّج الذين حكموا سوريا سنوات طوال، هم شخصيات مريضة مصابون بعقدة العروبة ووهم الفكر القومجي العروبي.
 من هنا يتطلب من السوريين وخاصة إخوتنا العرب أن يعلموا، أن العقلية البعثية التي حكمت سوريا أكثر من أربعين سنة فشلت فشلاً ذريعاً،  وأن بناء سوريا ذات سيادة وكرامة لا يمكن تحقيقه سوى باستئصال عقلية البعث وكل عقلية تُلغي الآخر كائناً من كان، فبذلك يُستَئْصَل الشوفينية والعنصرية والإقصاء والتهميش، عندها نستطيع الخروج إلى المدنية والحداثة والتأسيس لدولة ديمقراطية. 
على هؤلاء أن يعلموا أن ظهور النزعة القوميّة عند الكورد كان ردّ فعلٍ طبيعيّا على إزدياد طغيان الفكر البعثي واستبدادهم، هذه النزعة ظهرت كحالة دفاعيّة لحفظ الوجود في مواجهة سياسات الصهر والتعريب والإقصاء والتهميش الذي تعرّض ومازال يتعرّض له الشعب الكوردي.
هم يعلمون ولكن يستغبون أو يتجاهلون أن للكورد بصمات كبيرة وعظيمة في الدولة السورية منذ ظهورها، حيث وصلوا لمنصب رئاسة الجمهورية، وكانوا من كبار العلماء والفنانين والشخصيات الذين بنوا سوريا، الجميع أو المعظم من دافعوا عن كرامة سوريا وعزتها هم شخصيات كوردية، وهم من وضعوا أول دستور لسوريا وأسسوا أول جيش سوري، ولكن من كانوا ناكري الجميل سينكرون حتى على أقرانهم، فـ ليس عليهم عتب إن نكروا على الكورد، لأنهم خانوا الثورة السورية والشعب السوري بريائهم وكذبهم، فكان إعلان إنشقاقاتهم عن النظام السوري لم تكن سوى وسيلة لتبييض وجوههم ولكن لم يستطيعوا الاستمرار في التمثيل لشدة حقدهم وكرههم للمخالفين معهم.  
 كل ذلك يؤكد على عدم إعتماد الكورد على النظريّة القوميّة هو بقاؤهم دونَ كيان سياسي جغرافي مستقل، ويؤكد أيضاً أنّ العنصريّة والعصبيّة لم تتسلّلا يوماً إلى ذهن الشعب الكوردي, لذلك يُعد حلّ القضية الكوردية مفتاح الحلّ للمشكل السوري اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وديمقراطيا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…