الأخطبوط التركي أمام صمت الأمم.

 
ماهين شيخاني
إنّ أيّ تجاھل للمخاطر التي یشكلھا النظامان، التركي والإیراني، وعدم وضع حدّ لأحلامھما المریضة ستغرق المنطقة برمتھا في حروب طاحنة ومجنونة، وسیدفع الجمیع ثمن ذلك، عاجلاً أم آجلاً، وبالأخص، تلك الدول التي تغضّ الطرف عن مخططات تركیا وإیران، فھما يختلفان في كل شيء رغم محاولة الطرفین إظھار عكس ذلك، من خلال العلاقات المتشعبة بین البلدین، فإیران التي تزعم بأنّھا تمثّل العالم الشیعي، وتركیا التي تزعم تمثیل العالم السني، وكما یعلم العالم أنّ الطرفين متصارعان، منذ أربعة عشر قرناً، وإلى الآن، إلا أنّ ھناك أمراً واحداً یجمعھما، وھو التخلّص من شعب كوردستان وقضیته العادلة بأيّ ثمن، حتّى إذا كان على حساب مزاعمھما الطائفیة، فكلاھما یحتلّان جزءاً مھماً من أراضي كوردستان.
فمجرد إعلان بیان عن التفاھم والتقارب بین أنكس وتف دم، بدعم ومساندة نائب السفیر الأمریكي للتحالف الدولي، السید “ولیام روباك”، والسید مسعود البارزاني، أقلق بل أغضب الأنظمة الغاصبة، (إیران وتركیا، سوریا نظاماً ومعارضة، العراق)، وصبت نار غضبھا، فكل واحد منھم أرسل برسالة تھدید، بطریقته الخاصة، حیث ھاجمت الطائرات التركیة والإیرانیة، بقصف القرى الحدودیة الآمنة، وشنكال، بحجة وجود قواعد (ب ك ك ) و(ح د ك-إیران)، كما وأرسل الكاظمي رسالة واضحة ضد إقلیم كوردستان، لدعمه التفاھمات بین أنكس وتف دم، وفرض على الدكتور فؤاد حسین، وزير الخارجیة، قطع رواتب الموظفین في إقلیم كوردستان، بحجة تسلیم المنافذ الحدودیة.
أما النظام الأسدي والمعارضة الشوفینیة، أبدیا معارضتھما الشدیدة للتوافق والتفاھم الكردي، وھدّدا باجتیاح المنطقة وطرد الكرد ومعاقبتھم، وكأنّ الكورد دخلاء على المنطقة، ويعیشون على خیرات النظام ومرتزقة أردوغان، فقد بادرت مجموعة شخصیات وتشكیلات سوریة في المنطقة الشرقیة إلى إصدار بیان، بتاریخ 7/6/2020، مذيل بتواقيعهم، مليء بالمغالطات والاتهامات باستھداف وحدة البلاد، یرفضون فیه أي اتفاق كوردي_كوردي، وأيّ مخرجات قد تصدر منهم.
إنّ الاستباق في رفض المخرجات قبل التوصّل إلیھا، یدل على رفضھم بالأساس لأي تفاھم أو اتفاق كردي، مھما كان نتائجه وغایاته، الأمر الذي ینم عن النزعة الموروثة لدى البعض في معاداة الكورد ورفض الآخر، بمنطق قومي استعلائي مقیت، ومما یؤسف له أنّ من بین الموقعین، ممن وردت أسماؤھم، شخصیات معارضة لھا مكانتھا، وھم یتناسون موقع المجلس الوطني الكردي ومواقفه الوطنیة، ودوره في المعارضة، حيث يعتبر هذا الاتفاق إنجازاً بين الطرفين، وخاصة بعد أن وافق المجلس الوطني الكردي الدخول في حوار مع الاتفاق الذي یسعى إليه، والذي یخدم القضیة السوریة، كما یخدم القضیة الكردیة، ویفتح الباب واسعاً أمام أبناء المكونات الأخرى من عرب وسریان آشوریبن وتركمان، وغیرھم، للمساھمة والمشاركة في خدمة أبناء المنطقة وحمایتھم، ویكون عامل أمان واطمئنان للجمیع، وكذلك لدول الجوار.
كما أنّ الاحداث الأخیرة، وتزامن الھجوم الإیراني التركي على أراضي إقلیم كوردستان، وقبلھا احتلال وضم الأراضي الكوردستانیة، في سوریا، من قبل النظام التركي، تمثل الوجه الحقیقي للنظامین الخرافیین، وأھدافھما التوسعیة، بھدف إعادة تأسیس إمبراطوریتیھما الخیالیتین، وحقیقة أنّ الفاشیة التركیة والحكومات المتعاقبة الحاملة لذھنیة “كم أنا سعید كوني تركي” والثقافة والأفعال الإجرامیّة التي لا تقبل بأي كیان كردي، ولو في المریخ، حیث صرّح بذلك أكثر من مسوؤل، ومنھم “سلیمان دیمیریل” بأنّھم لن یقبلوا بأيّ اتفاق أو وفاق كوردي_كوردي، قالوھا مراراً وتكراراً، بأنّ الكوردي الجید ھو الكوردي المیت.
ولھذا لم تتحمل عقولھم، ولا صدورھم، المھوسة بالغزو والسبي والغدر والمجازر، شواھد القبور، لأنّھا خطت كلمات الله والترحم على الموتى، بالأحرف الكوردیة، فھدموھا وسرقوھا، فكیف سیقبل الطورانیون الجدد، وإن اختلفت كیاناتھم وأسماؤھم بأيّ تقارب أو حوار كوردي، فھل نأخذ الدروس والعبر، ونجتاز الامتحان، ونقول للتاریخ ولشعبنا وأصدقائنا، إنّنا عشاق الحیاة والبناء والسلام، ونزرع الأمل، نستحق أن نصنع الحاضر والمستقبل معاً، ومع كل شریك وطن. لكن الدولة التركیة تصرّح، بل تبذل كل جھدھا، وتسعى الى عدم السماح بمحاولات كل من روسیا والولایات المتحدة، لإضفاء الشرعیة على “وحدات حمایة الشعب” الكوردیة، أكبر مكونات تحالف قوات سوریا الدیمقراطیة، “قسد”،  عبر السعي لدمجھا في مسار الحل السیاسي، للأزمة السوریة، وحتى بقبول أي طرف كوردي.
لا شك أنّ الھجمات الحالیة للنظامین، لن تكون الأخیرة، وضد شعب كوردستان، فقط، إذ لا حدود لأطماعھما في السیطرة على المنطقة، بل أخطبوط یمد أذرعه بكافة الاتجاھات، خاصة مع غیاب تام للعالم العربي عن الساحة، “أذن من طین وأذن من عجین”، باستثناء مصر، التي تحركت وأدركت تھدید وجودھا والوجود العربي. كما وتشھدُ العلاقات الیونانیة التركیةُ تصاعداً في التوترِ، وذلك في أعقابِ اتّفاقِ النّظام التركي مع حكومة الوِفاقِ اللیبیّة على ترسیم الحدودِ البحریّة، وإرسالِھِم أربع سفن للتنقیبِ عن النفطِ والغازِ، في المناطقِ التي تعتبرُھا الیونانُ جزءاً من منطقتِھا الاقتصادیّة الخالصة.
وقالَ رئیس ھیئة أركان الجیش الیوناني فلوروس، إنّ مَن یُھاجمُ القوّاتِ المسلّحةَ الیونانیّةَ سیدفعُ ثمناً باھظاً، مؤكداً أنّ أثینا تعرفُ ما یتوجبُ علیھا فعلُه في حالِ تعرضِھا لأي اعتداء. أما انكفاء الدول العربیة بالتزام السكوت، سنشاھد ربما قریباً احتلال لیبیا والأردن وتونس الجزائر، وبعدھا مصر والسعودیة… إلخ، لبناء الإمبراطوریة العثمانیة التي یحلم بھا السلطان العثماني، خاصة مع الصمت الدولي المشین، إزاء ھذه التحركات الاستعماریة، والتھدیدات الخطیرة التي یشكلھا، ھو والنظام الإیراني، على الأمن والاستقرار في المنطقة.
فالصمت الدولي المریب، والصمت العربي عن الحرب ضد شعب كوردستان الآمن والأعزل، ھي حرب عدوانیة قذرة وتجاھلھا والصمت عنھا، يشكل لطخة عار في جبین كل الذین یستطیعون إیقافھا ولا یقدمون على ذلك، خاصة القوى الدولیة التي تزعم الدفاع عن الدیموقراطیة وحقوق الإنسان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…