يمكن القول بأن الشرق الاوسط يمر بمرحلة تحولات كبرى على الصعيد الجيوسياسي وتغيير موازيين القوى الاقليمية والدولية فيها ، فقد شهدت تناميًا في النفوذ الايراني والتركي وتزايد نفوذ حزب الله في لبنان وبروز التيارات المتطرفة في المنطقة مع تراجع نفوذ الدول التي كانت تلعب دورا على الساحة العربية كالسعودية ومصر وسوريا والعراق ، فتركيا تصب الزيت على النار من خلال انشطتها الغير قانونية في البحث والتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص واليونان ، وهو توتر جديد يضاف إلى ما تقوم به من دعم لحكومة الوفاق الليبية وقصف للمناطق الحدودية لإقليم كردستان ، كل ذلك ترافق مع استخدام الولايات المتحدة الامريكية سياسات القوة الصلبة والعقوبات لتحقيق اهدافها في المنطقة والعالم ، وفي هذا السياق رأينا تدخلات عسكرية وعمليات اغتيال ووضع اليد على النفط في سوريا ، والسفن التي تنقله الى فنزويلا ،
اما روسيا فقد عادت الى النشاط وبرز دورها بشكل فعال في بعض الاماكن رغم محدوديته ، في حين ان الصين عادت لتنافس الولايات المتحدة بشكل حقيقي سياسي وعسكري في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ ليتبلور مزيد من الصراع بين روسيا والصين من جهة وامريكا من جهة اخرى وتصاعد احتمالات المواجهة مع ايران بعد الانتخابات الامريكية رغم ان امريكا وايران لا تريدان المواجهة المباشرة لكن السياسة المفتوحة قد تؤدي اليها .اما دولة الامارات العربية المتحدة فقد انضمت الى قائمة الدول الموقعة مع اسرائيل على اتفاقية سلام وتعاون سميت اتفاقية “ابراهيم” فقد وقعت مصر معها اتفاقية كامب ديفيد 1978والاردن في وادي عربة 1994 وبذلك تصبح الامارات الدولة الثالثة من بين الدول الموقعة على اتفاقيات مع اسرائيل ، وصفها الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالاتفاق التاريخي الى جانب ترحيب عربي ودولي ورفض فلسطيني.
في حديثه امام اعضاء مجلس الشعب السوري في 12-8-2020 في القصر الجمهوري اكد بشار الاسد رفضه لأي خطوة او حل سياسي مستقبلي لا يكون طرفا فيه او لا يتوافق مع وجهة نظره ويحافظ على نظامه حيث وصف المبادرات السياسية التي تجري بهدف التوصل الى حل للملف السوري بانها ” خزعبلات سياسية” لا بل وصف الحديث عن اية عملية سياسية مستقبلية بأنه ” ضجيج وغبار لم يحمل معه اي تبدل يذكر ” وفي هذا القول اصرار على استمرار العنف وانهاء سوريا شعبا ودولة والى طغيان فريد وتمسك بالسلطة لم يشهده حاكم اخر، وهي رسائل سياسية اراد ان يبعثها الاسد قبل انعقاد اللجنة الدستورية في الرابع والعشرين من اب حيث استأنفت المجموعة المصغرة للجنة الدستورية اجتماعاتها في مدينة جنيف في مكتب الامم المتحدة بعد تعليقها لأيام بسبب اصابة بعض اعضائها بفيروس كورونا وسط حديث عن اجواء” ايجابية ودعم دولي” مع غياب اربعة اشخاص من اعضاء اللجنة مصابين بالفيروس فيما اكد رئيس وفد المعارضة باللجنة ” هادي البحرة ” ان المباحثات لم تبلغ بعد مرحلة كتابة دستور جديد حتى الان موضحا ان الاجتماع تناول مواضيع تعتبر بمثابة ” بذور لدستور جديد ” واصفا دعم الاطراف الاقليمية والدولية لأعمال اللجنة بالإيجابي ، وداعيا الى الضغط على وفد النظام
السوري من اجل انجاح المفاوضات ، اما “غير بيدرسون” فقد اكد ان قرار عقد الجولة الحالية قد جاء بعد تلقي اشارات دعم قوية من الجهات الدولية الرئيسية في عملية ارساء السلام بسوريا تحت مظلة الامم المتحدة ، بينما تركيا لازالت تحتل اراضي واسعة من سوريا وتعمل على تتريكها والحاقها بالدولة التركية وارسالها السوريين كمرتزقة الى ليبيا رغم كل تصريحاتها المتعلقة بالتزامها بوحدة وسيادة سوريا وتطلق العنان لمرتزقتها في المنطقة الكردية لإجراء التغيير الديمغرافي ومنع الاهالي من العودة واستمرار اعمال الخطف والاعتقال والاستيلاء على الاملاك الخاصة وتلجأ في الوقت نفسه الى قطع المياه عن مدينة الحسكة التي يسكنها اكثر من نصف مليون نسمة نتيجة سيطرتها على مصدر المياه الرئيسي في محطة علوك الواقعة في ريف سري كانيه علما ان استخدام المياه لتحقيق مكاسب سياسية او عسكرية من أي طرف كان ، هو امر غير مقبول ومدان وجريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي ، في ذات الوقت كشف القائد العام للقوات المركزية الامريكية الجنرال كينيث ماكينزي ان واشنطن ستخفض قواتها في العراق وسوريا في الاشهر المقبلة كون القوات المحلية اصبحت قادرة بشكل متزايد على مواجهة داعش بمفردها مع بعض المساعدة التقنية والاستخباراتية واللوجستية الامريكية واكد على تواجد طويل للقوات الامريكية لمواجهة داعش والنفوذ الايراني في العراق وسوريا .
في سياق آخر فقد أدت السياسة السطحية ” للإدارة الذاتية “الى زيادة تعميق التناقض الاجتماعي بين الريف والمدينة وظهور طبقة مافيوية وتمركز اموال من خلال احتكار السلع والمعابر واعطائها التوكيلات الحصرية مما ادى الى تمركز ملايين الدولارات في ايادي فئة قليلة وخاصة تجار التبغ والمحروقات والسكر والحديد والاسمنت ..الخ والى ضرب الطبقة الوسطى وانحدارها الى قاع المجتمع .اضافة الى ان هذه السياسة لم تحاول حل المشاكل الزراعية المعقدة والموروثة منذ عهد سلطة الاسد ولا الى حدوث تغيير ملموس في الانتاج الزراعي فقد قلت المساحات المزروعة وتضاءلت الثروة الحيوانية وكانت النتيجة ارتفاع فاحش في اسعار اهم الحاجات كالخبز واللحوم والمشتقات الاخرى .
لقد استهدفت السياسة الاقتصادية “للإدارة الذاتية” جميع افراد وفئات المجتمع الكردي وخاصة الفقيرة والمتوسطة منها وانعكس ذلك في حجم الرفض والممانعة والتذمر الذي تواجهه يومياً سواء بشكل مباشر او عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي لكنها لم تصل بعد الى حد الانتفاض ضدها وقد يعود ذلك الى طبيعة “الادارة ” والحزب القائد والخوف من استخدام العنف. لقد انتهجت “الادارة الذاتية” سياسة اقتصادية مبرمجة من خلال علاقات زبائنية قائمة على الولاء والربح الفاحش وشبكة من السماسرة والوسطاء المرتبطين بها ،لكن بالمقابل انتعشت العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري مع كردستان العراق من خلال معبري سيمالكا والوليد وتصدير النفط والمواشي واستيراد المواد الغذائية والكهربائية والالبسة والخضار ومواد البناء وكل ما يحتاجه المجتمع مما يدفع الى تكامل اقتصادي وسوق موحدة العائق الرئيس فيها هو عمق الخلافات السياسية بين الطرفين. لا ننسى ان نشير ايضاً بان “الادارة الذاتية” تلجأ الى فرض عدد كبير من الضرائب الجديدة – وهي لم تكن موجودة ايام الاسد – الامر الذي اثقل كاهل الناس وزاد في فقرهم وفي زيادة واردات الخزينة والى فائض من الاموال لم ينعكس في فتح المدارس وتعبيد الطرقات واقامة المستشفيات واعطاء القروض وتقديم الخدمات العامة الاخرى في الوقت الذي تراجع فيه الوضع الخدمي والتعليمي والصحي الى درجة كبيرة نتيجة الاهمال والتسيب والفساد الذي انتشر في اوصال “الادارة” ومفاصلها وما الاختلاس الذي تم الاعلان عنه في القطاع الصحي ( قضية كارا ويلماز واختلاس 5 مليون دولار) والحكم 5 سنوات الا تأكيد على حجم الفساد وعدم وجود مؤسسات قضائية مستقلة .لقد فتحت الاغتيالات التي جرت في دير الزور ورد الفعل العشائري الحاد والعنيف ، الباب واسعا ، لاستثمار القوى المناوئة للدور الأميركي ، وللموقع المهيمن لقوات سوريا الديمقراطية ، والدفع نحو صدام واسع بينها وبين العشائر العربية، بهدف استثمار التوتر، ودفعه إلى أقصاه بخلط الأوراق والاصطياد في الماء العكر.
لا زالت الانظار تتجه الى المفاوضات الجارية بين المجلس الوطني الكردي واحزاب الوحدة الوطنية -رغم بطئها- نتيجة حجم التباينات بين الطرفين واصرار المجلس على الاستمرار وضبط النفس والضغط على الجروح وتجاوز ما حصل لمكتب الاشقاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا – مدان في كل الحالات- لأنه لا مهرب موضوعيا لتجاوز الخلافات والعقبات سوى الحوار والتوافق والانتقال الى دائرة السياسة العقلانية التي تخدم قضية الشعب الكردي ومستقبل المنطقة بعيدا عن الانفعال وردات الفعل التي يحاول البعض ايجاد مبرراتها ، وحسنا فعل المجلس عندما اكد في بيانه على التمسك بالمفاوضات لأنها محط انظار وآمال ابناء وبنات شعبنا وكل مكونات المنطقة التي تنشد الامن والاستقرار والتقدم . فانشغال الراهن الكردي في سوريا بمشاريع مختلفة تتعلق بترتيب البيت الكردي ينبغي ان يمتلك الجدية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي و”احزابه الوطنية “, وينطلق من ارضية مغايرة للسبب الذي ادى الى التبعثر وعدم التعاون ، وهذا لن يتم بدون مراعاة الخصوصيات وتغيير آلية التفكير، والارضية التي يقفون عليها ، ومن اجل ماذا يعملون , لان ما هو سائد يعبر عن أزمة فكر وسياسة , لا تنبع فقط من مضامينها المتناقضة, بل من أسلوبها ومنهجها المتبع في إشكالية العلاقة مع الذات والاخر. يجب ان نفهم بان ما يجري في الواقع الاقليمي والدولي ليس الحقوق وليس منطق الاخلاق لان العلاقات الدولية مبنية على منطق القوة والحفاظ على استقرار محلي يسمح بحالة يمكن قبولها من الصراع والسلم العالميين ، العالم يتغير وعلينا ان ندرس هذه التحولات ونقوم بواجبنا تجاه امتنا وشعبنا كي نجد لنا مكانا فيها فإما ان نكون او لا نكون ، مؤخراً بدأت أرقام الاصابات بكورونا في سوريا ترتفع بشكل كبير وسط ضعف كبير في اجراءات الحماية والوقاية والمعالجة . واتّجهت الأنظار نحو المناطق التي تفتقر للموارد الممكنة للحدّ من انتشاره ، ليزداد وضعها سوداوية مع انتشار الإصابات في كافة المناطق ،وخاصة منطقة الادارة الذاتية التي تعاني من العجز الصحي وترك المصابين مع مصيرهم الكارثي وحصار مع الرعب والموت.
ان ما تقوم به المعارضة السورية من تشويه الوجه الحقيقي لحركة الشعب الكردي في سوريا والضرب على وتر التقسيم والانفصال والتمسك بالدولة المركزية هدفه تأليب الشعب السوري ضد الكرد وهذا ما جعلها لا تكتفي بعدم الوقوف الى جانب الحقوق القومية المشروعة لكرد سوريا بل انها استساغت كل الاجراءات القمعية والتوسعية والاحتلالية للدولة التركية في الوقت الذي سكتت فيه عن ارسال تركيا لمرتزقة سوريين للقتال الى جانب حكومة الوفاق الاسلامية في ليبيا وشنت حملة ممنهجة لتصوير الاحزاب الكردية وكأنها تابعة للغرب عموما ولأمريكا على وجه التحديد وخصوصا بعد توقيع اتفاقية النفط بين شركة “”Delta Crescent Energy الامريكية وقوات قسد والتي ستبدأ بأنشطتها في الحقول التي تسيطر عليها قسد في شرقي الفرات لزيادة إنتاج النفط اعتبارا من 20 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، على ان يصل الانتاج بحلول شباط/ فبراير 2021، إلى 60 ألف برميل يوميا . ان من شأن اعتراف المعارضة بالوجود القومي الكردي وبالحقوق القومية الكردية وتضمين ذلك في دستور البلاد حصول توافق في طبيعة العلاقات القائمة بين الشعبين وجميع حساباتهما بشأن مستقبل سوريا ووحدتها ، والى جانب ذلك فان البعض من الكرد شئنا ام ابينا يتمنون بقاء رأس النظام ويفضلونه على هذه المعارضة الاسلاموية التي لا يرغبون في استلامها للسلطة بسبب تصريحاتها وممارستها المشينة .
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يؤكد على ان الكرد غير معنيين بخطاب الاستجداء والتهديد , لانهم يجسدون هوية قومية, لها ركائزها المعرفية والقانونية والسياسية والثقافية والتاريخية , ويمتلكون لغة الحوار والعيش المشترك في اطار وطن ديمقراطي تشاركي وفي سياق اخر فقد اصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمكلفة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري الذي اغتيل في 14شباط 2005 قرارها الاتهامي بإدانة وتورط سليم عياش المنتمي الى حزب الله اللبناني بخمس قضايا منها جريمة مقتل رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري بينما برأت المحكمة نفسها المتهمين الثلاثة الاخرين من جميع التهم المنسوبة اليهم لعدم توفر الادلة وفي هذا تجسيد للمهنية والحيادية التي رافقت عمل المحكمة ، وفي لقائه مع وفد الائتلاف الوطني السوري في استنبول يوم الاربعاء 20-8-2020 اشار المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الامريكية الى سوريا جويل رايبرون الى ان ” هدف الادارة الامريكية هو نظام الاسد ووجود ادارة موحدة للشمال الشرقي والغربي من البلاد والوقوف يدا بيد لتحقيق هذا الهدف والحاق الهزيمة بالأسد ” حسب ما افادت صحيفة العربي الجديد كما اكد في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد اللقاء من ان ” اللجنة الدستورية هي الطريق الوحيد للوصول الى حل سياسي يحترم رغبة السوريين ” مشددا على ان بلاده ” ستزيد من ضغوطها السياسية والاقتصادية على النظام لدفعه الى الانخراط في العملية السياسية “. واشار جيمس جيفري المبعوث الامريكي الخاص الى سوريا من ان امريكا ستدعم تركيا في ادلب فيما اذا حاول النظام وحلفاؤه شن اية هجمات نحو قوات المعارضة في ادلب الامر الذي ينفي حتى الان وجود توافق دولي على الحل السياسي في سوريا.
ان تيار مستقبل كردستان سوريا يحترم الاختلاف ويعتبره توجها سياسيا وسلوكا عمليا حتى وان كان يناقضه , وفي هذا يستند الى التاريخ والى مجمل ارث الحركة الديمقراطية والى معارضته لتجربة الهيمنة والاستبداد للنظام الامني البعثي والى حجم وكارثية الفعل الديكتاتوري الذي ادى الى صهر وتعريب الحجر والبشر .
تيار مستقبل كردستان سوريا
الهيئة التنفيذية
قامشلو 2-9- 2020