دراسة في الحركة السياسية الكردية

حواس محمود 
مدخل :
ان نظرة موضوعية لواقع حركة التحرر الوطني الكردية في سوريا بفصائلها وأحزابها تبرز بجلاء ضعفا واضحا في قوة ومكانة ودورها – نظريا وعمليا – في العملية النضالية من أجل الأهداف والحقوق القومية المشروعة التي نصبو وجماهيرنا اليها ، ان الوضع الذي تعيشه حركة التحرر الوطني الكردية في سوريا ليس وضعا شاذا عن مجمل حركات التحرر الوطني في البلدان النامية او بلدان متعددة الأنماط الاقتصادية والاجتماعية اذ ان معظم حركات التحررالوطني الشرق أوسطية ان لم نقل كلها تعاني حالة مأزومة او غير صحية – ان جاز التعبير –
البنية الاقتصادية الاجتماعية للمجتمع الكردي :ان الحركة السياسية الكردية تتسم حاليا بالتشتت والتشرذم وانقسام الصفوف وتلجأ بعض فصائلها في نقاشاتها الى المهاترات والجدالات المبتذلة والبعيدة عن روح العلمية والموضوعية والتي يغيب عنها التحليل السليم وكذلك البعد المعرفي والايديولوجي
ان عملية البحث في أسباب التشرذم والانشقاقات الحاصلة والتي تحصل في اطراف حركة التحرر الوطني الكردية تتطلب منا معرفة ومناقشة الظروف الموضوعية المحيطة بهذه الحركة فالمجمتع الكردي في سورية كبقية المجتمعات في البلدان النامية ، تتداخل في هذه المجتمعات عدة تشكيلات اجتماعية – اقتصادية والتي تتسم باللاتمايز في الطبقات والشرائح الاجتماعية الداخلة في تركيبه ، لقد حصل ما يمكن تسميته بالتواطؤ( 1) التاريخي بين الامبريالية في الخارج من جهة والاقطاع في الداخل من جهة أخرى مما أحبط مشروع نهوض ثورة بورجوازية في بلدان متعددة الأنماط الاجتماعية وأدى ذلك الى اخفاق البورجوازية في هذه البلدان من تحقيق ثورة صناعية تتشكل باثرها طبقة عاملة متبلورة كما حصل في البلدان الرأسمالية التي تشكلت منها طبقة عاملة متبلورة نتيجة النهضة البورجوازية الغربية والثورة ضد الاقطاع ومخلفاته ، لذلك ونتيجة لهذا التواطؤ تشكلت في هذه البلدان أنماط اقتصادية اجتماعية متداخلة .
حول البورجوازية الغربية ونشوء البورجوازية الكردية :
بسبب الخصوصية التي يتسم بها المجتمع الكردي وبالتحديد البورجوازية الكردية وكونها تابعة لبورجوازيات الانظمة المقسمة لكردستان وهي بدورها تابعة للبورجوازية الغربية مما يضفي على البورجوازية الكردية حالة من التبعية المضاعفة ، وهذا ينعكس سلبا على البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الكردي او بالتحديد وضع الطبقات الاجتماعية ، وبالتالي تؤثر هذه التبعية البنيوية على مسار نضالات القوى الاجتماعية الكردية وتحالفاتها ، بالإضافة الى عوامل أخرى لا مجال للدخول فيها هنا .
نشوء الوعي السياسي القومي – لمحة تاريخية :
ان دراسة واقع الحركة الكردية الحالي تتطلب منا العودة قليلا الى الماضي والقاء نظرة سريعة الى التحولات والتغيرات التي طرأت على هذه الحركة .
لقد ظهرت الحركة القومية الكردية في سوريا ونشأت منذ بداية الثلاثينيات على شكل جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية ورياضية وظهرت حركة ” خويبون ” القومية وكان نضالها متمركزاً في كردستان – تركيا ونشطت في تلك الفترة حركة ثقافية وأدبية وخاصة في مجالات النشر والتأليف والشعر والآداب عموما ، وتم اصدار مجلة ” الصرخة ” باللغة الكردية وفي أواخر الخمسينات وتحديدا عام 1957 م ” أنشأ الحزب الديموقراطي الكردستاني ” في سوريا كأول تنظيم قومي كردي ذو تشكيل هرمي على أساس ” المركزية الديموقراطية ” المركزية
لقد جاءت ولادة هذا التنظيم تعبيرا عن تطلعات شعبنا الكردي في سورية في التحرر والانعتاق ، وعمل هذا الحزب ومنذ نشوئه على استقطاب والتفاف الجماهير الكردية حوله ، بكونه حزبا سياسيا يدافع عن الهوية القومية الكردية وديموقراطية طموحاتها وعدالتها ، ويمكن ان نذكر في هذا السياق ان المشاعر القومية في تلك الفترة كانت تتأجج بتأثير الانتقاضات الكردية المتوالية في كردستان العراق وبخاصة ثورة أيلول الوطنية الكردية .
وبسبب التباينات الفكرية والسياسية داخل الحزب في سورية ضعف دوره ولم يتمكن من حسم التوجهات داخله ، وقد تسببت جملة من العوامل في انقسام 1965
كما لم تفلح المحاولات الوحدوية اللاحقة في إعادة وحدة الحزب ولا تفعيل دوره الجماهيري والسياسي ، خاصة ان المؤتمر الوطني عام 1970 م لم يحقق أهدافه المرجوة .
الواقع الراهن وآفاق المستقبل :
ان السمة المميزة للوضع الراهن هي الحالة اللاطبيعية التشرذمية كما ذكرنا سابقا وهذه الحالة جاءت كنتيجة لفشل محاولات رأب الصدع في الأحزاب التي تعود بمعظمها الى فقدان التعامل الديموقراطي ضمن الفصل الواحد وفي اطار الحركة الكردية عموما ، عندما نناقش هذه المسألة مع الجماهير سواء كانت متقدمة بالوعي أو عفوية نجدها تشكو دائما من الانقسام ، ويتمركز الحديث دائما حول هذه الحالة ( المرض ) وتنقسم الجماهير لذلك الى قسمين
– جماهير مخلصة ووطنية تريد للحركة النهوض في كافة الميادين بمسؤولياتها والدفاع عن مصالحها القومية والطبقية وطروحاتها وآمالها وأهدافها .
– بعض الناس من ضعاف الوعي او بعض الانتهازيين ممن يختلقون حججا للهروب من العمل النضالي في الأحزاب السياسية والاتكاء على هذه الحالة الانقسامية بالانهزام والانتهازية والوصولية
وإزاء هذه النقاشات والحوارات الحادة أحيانا كثيرة نجد الاستجابة قليلة جدا لدى اطراف الحركة وأن هناك استجابة لدى بعض الأطراف وعدم الاستجابة من أطراف أخرى دون وجود اجماع وطني كردي – ان صح التعبير- لدى هذه الأطراف
ان الدخول في موضوع الانشقاقات يتطلب منا الدخول في موضوع الطبقات والشرائح الاجتماعية وكذلك مناقشة الأوضاع الفكرية والسياسية والتنظيمية لدى اطراف حركة التحرر الوطني ، وبالنسبة لوضع الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع الكردي تحدثنا عنه في فقرة سابقة لكنه ونظرا لما يتمتع بتعددية الأنماط وتداخلها يخلق لدى الجماهير التي تنضوي تحت لواء الأحزاب حالة غامضة ، أي بصورة أوضح قد يتأرجح ( 2) وعيها بين الدفاع عن طبقتها الى الدفاع عن طبقة أخرى دون القدرة على التمييز الصحيح والدقيق في فكر الطبقة التي ينتمي اليها
ان هذا الوضع يخلق اكبر الأثر على التنظيمات الكردية السياسية ، ولعل الانقسامات والانشقاقات التي حصلت تعود في أحد أسبابها الرئيسية الى هذه التعددية العائدة الى اللاتمايز الاجتماعي فيضيع التمثل الأيديولوجي في ثنايا هذه التعددية وهذا التنوع
وكذلك يمكن التركيز على الأسباب الذاتية التي تسببت في الانقسامات
1- ان معظم القيادات الكردية في حركة التحرر الوطني الكردية تتصف بكلاسيكيتها وتقليديتها تنتمي في اغلبيتها الى الطبقة البورجوازية الصغيرة مع ما تحمله هذه الطبقة من تردد وتذبذب وعجز عن السير بالحركة الى نهاياتها المنطقية وهي بانتمائها الى هذه الطبقة تلعب دورا سلبيا في الحركة
ان اغلب هذه القيادات تسير حتى الآن على نمط قديم في الممارسة السياسية وتقوم بتطبيقها على الواقع الحالي مما يخلق حالة من التناقض في فكر وممارسة سياسية نابتة من فترة تاريخية سابقة على الوقت الراهن مع ما يحمله الوقت الراهن من حدة وراهنية وتغيير في الوضعية الطبقية والاجتماعية والسياسية في المجتمع الكردي فتأخر هذه القيادات عن لحظتها التاريخية يصيب الحركة وتصيب الجماهير بالاخفاق واليأس
ان هذه القيادات تعجز عن التطور والتغيير الديناميكي مع متطلبات الظروف والأوضاع المستجدة
2- ان معظم الأحزاب الموجودة تقوم بأداء ممارساتها السياسية بشكل اعتيادي وروتيني دون خلق أدوات نضالية جديدة قادرة على التأثر الواعي المتجدد في الجماهير واستنهاضها وطرح المشاريع واحداث النقاشات ووضع قرارات تاريخية في كل مرحلة من مراحل النضال الكردي حيث ان معظم هذه الأحزاب تعتمد في ممارساتها السياسية على نضال روتيني يرتكز أساسا على جريدته السياسية او المنطقية الشهريتين وندوات مناسباتية وتفتقر الى جمعيات ونواد جماهيرية أو الى ” منظمات جماهيرية ” يقول لينين ان هذه المنظمات احزمة نقل من الحزب الى الجماهير ( 3) واذا جرت بعض المحاولات لخلق بعض المنظمات الجماهيرية فإنها محاولات بسيطة وقليلة الفاعلية .
3- الستالينية في العمل التنظيمي : ان التقاليد السياسية الفردية التي تصطحب معظم الأحزاب – الكردية – رسخت بشكل مباشر او غير مباشر في أذهان الجماهير أن القائد لا يخطئ وان أخطأ فإن ذلك يعتبر نهاية وكارثة ، ولذلك نجد من ينخرط في صفوف هذه الأحزاب يدافع عن الزعيم سواء كان رأيه صحيحاً أم خاطئاً ويعود هذا لسببين
أولاً : الجهل التام لمفهوم النقد والنقد الذاتي والتطبع بعادة الدفاع عن الزعيم
ثانياً : الخوف من تهجم رفاق حزبه ومن الهيئات الأعلى عند الادراك بأن هناك خطأ وقع فيه الزعيم سواء كان السبب خوفا او جهلا فان ” الاعتراف بمكانة قائد ما لا يعني ابدا غرس عبادة شخصيته ونسب كل مناقب الحركة اليه ” (4)
ان عبادة الشخصية تهمش دور الشعب والحزب وبالتالي الجماهير وعلى العكس فان النظرية الماركسية اللينينية تأكيد للدور الحاسم للجماهير الشعبية في التاريخ وقد اكد لينين ( أن ذكاء عشرات الملايين من المبدعين يعطي شيئا ارفع بما لا يقاس من أوسع التنبؤات وأكثرها عبقرية ) وجدير بالذكر ان يتعلم كل من القادة والأحزاب ان الشعب هو صانع التاريخ وان هذا الادراك يجذب الجماهير للانخراط في النضال التحرري ويعطيها ثقة وعزيمة اكبر
ويجب التركيز على مسألة هامة وهي ان عبادة الشخصية تحجم دور الفرد في العملية النضالية التاريخية وتضعف الثقة والهمة الجماهيرية وتلحق افدح الاضرار بالنضال الجماهيري العام
4- غياب النقد الموضوعي السليم سواء ضمن التنظيم او في علاقة التنظيم مع التنظيمات الأخرى وكذلك طغيان المركزية على حساب الديموقراطية في مبدأ الديموقراطية المركزية التنظيمي وتجنح معظم التنظيمات الكردية في استخدامها وممارساتها النقدية الى التهجم والمهاترات والمناقشات المبتذلة البعيدة عن روح الرفاقية او الاخوة النضالية ، وتحمل في طياتها روح الحقد والانتقام كما حصل على صفحات الجرائد لبعض التنظيمات الكردية
5- الغياب النسبي للاستقلالية السياسية والفكرية لدى معظم اطراف حركة التحرر الوطني الكردي وهذا الغياب جاء حصيلة مرحلة تاريخية عندما تأثرت الحركة منذ نشوئها بكردستان العراق وبقي هذا التأثير مدة طويلة ولم تستطع اغلب الأحزاب ان تخرج من معطف التأثير الكردستاني الخارجي وبعض الأطراف تأثرت بأحزاب كردستانية أخرى ولا زالت حتى الآن تقع تحت التأثير وأن هذا التأثير يلحق ابلغ الضرر في مصادره القرار الوطني المستقل ، المنبثق من العلاقة مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الملموس ذي الخصوصية الطبقية الاجتماعية والتي تختلف عن واقع أحزاب كردستانية خارج سورية
6- الضغوط والتداخلات البورجوازية في محاولة منها تمييع نضالات الشعب الكردي وحرف حركته عن مسارها الحقيقي من اجل حقوقه القومية المشروعة ، وقد تمكنت أو على الأقل استطاعت نسبيا ان تؤثر في بعض القيادات الكردية
لازالت محاولات هذه الأوساط البورجوازية جارية للتأثير على بقية اطراف الحركة، وتجد تأثيرها على تنظيمات أخرى حتى التي تدعي التزامها الماركسية اللينينية
7- بسبب اعتناق معظم الجماهير الكردية الدين الإسلامي وبسبب بعض الأخطاء التي ارتكبها بعض أعضاء الأحزاب الكردية بحكم التسرع والمرض البورجوازي الصغير والانفعالية الصبيانية تأثرت الجماهير سلبا وابتعدت نسبيا عن الأحزاب الكردية نتيجة ظنها ان منتسبي الأحزاب الكردية وخاصة التي تعلن التزامها بالماركسية هم ملاحدة وكفرة ، وهذه نقطة هامة يتوجب على الأحزاب الكردية الوقوف عندها ومعالجتها خاصة في هذه الظروف التي تعصف التطورات والمتغيرات العالمية بجميع الثوابت والمفاهيم التي ظلت راسخة لعقود ، هذا اذا اردنا ان تكون احزابنا تمثل إرادة الشعب الكردي الحقيقية وأداته النضالية للدفاع عن مصالحه وتأمين حقوقه القومية الديموقراطية على طريق تأمين حقه في تقرير مصيره بنفسه وفق ظروف النضال ومعطيات كل مرحلة .
8- التأثر بالحركة التقدمية والشيوعية في سوريا : قلنا ان حركة التحرر الوطني الكردي ليست حالة شاذة عن مجمل أوضاع حركة التحرر الوطني في الشرق الأوسط والعالم ، وكذلك وبدرجة أساسية ليس وضعا شاذا عن الحركة الديموقراطية التقدمية في سوريا وبالتحديد – الحركة الشيوعية – التي تعاني أيضا مأزقا وتعيش حالة الانقسام واسبابها كثيرة ليس هنا مجال للبحث فيها ، وإنما يعنينا التأثر السلبي لحركة التحرر الوطني الكردي من حالة الانقسام في صفوف الشيوعيين السوريين ، لأن قضايا حركات الشعوب المضطهدة ترتبط وتتداخل بشكل ديالكتيكي مع الحركة الديموقراطية والتقدمية داخل البلد المعني
9- الافتقار بل عدم خلق كادر أيديولوجي وسياسي مهمته استنهاض الجماهير وتعبئتها وفق عملية النضال المستمر والتفاهم من اجل الطموحات التي تتأملها الجماهير ، وهذه نقطة هامة وأساسية في حركة التحرر الوطني الكردي ، وخاصة الأحزاب الملتزمة بالماركسية اللينينية ، وحتى الآن لم يقم أي تنظيم بإنشاء وتأسيس وتكوين كوادر متقدمة تنخرط في صفوف الجماهير وتشرح لها قضيتها وذلك للإسراع في عملية التطوير والتغيير ، ولا زالت اطراف الحركة تعتمد في نهجها التكيف مع الأوضاع الراهنة وتدجين الطاقات لصالح البقاء على مراكزها أي / القيادات / وحتى لا تجد نفسها في موقع تضطر فيه لدفع ضريبة التغيير المنشودة .
اننا بإلقاء نظرة فاحصة وبعد ان درسنا أسباب حالة التشرذم والانقسام يمكننا ان نحدد اتجاهات حركة التحرر الوطني الكردية وتياراتها
ان الأسباب والوضعية المشروحة السابقة كعوامل التشرذم والانقسام تتحمل مسؤوليتها كل الأحزاب الموجودة على الساحة وان كان بدرجات متفاوتة، وهنا لا بد من التأكيد على ان كل الأحزاب الكردية لا يمكن ان تتحمل نفس المسؤولية
وفي المقابل هنالك اتجاهات في حركة التحرر الوطني الكردية ( فصائل اليسار ) تحاول انجاز وحداتها النضالية والنهوض بمسؤولياتها التاريخية تجاه الواقع والظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الكردي لكنها محاولات أولية لم تصل الى درجة النضج والاستقطاب الجماهيري المنشود لأنها / المحاولات / لا تخرج من السياق النظري
ان الطروحات البرنامجية الخجولة والمبتورة لبعض الفصائل تظل هي الأخرى غير قادرة على مقاربة الواقع ما لم تخلق ادواتها ووسائلها النضالية الكفيلة بتغيير وتثوير الواقع
ولا بد من التأكيد على ان النظرية لا تكتسب مصداقيتها النهائية الا عبر عملية الجدال مع الواقع ، وهنا لا بد من الإشارة الى الممارسة السياسية الخاطئة لقيادات حركة التحرر الوطني الكردية بتقيدها بمعايير ومفاهيم بعيدة عن مصالح ومطالب الشعب الكردي المشروعة ،اذ ان هذه المعايير هي معايير من نتاج الحالة الاضطهادية للشعب الكردي اكثر من ان يكون نتاجا للفعل الإبداعي للنضال الجماهيري
وجدير بالذكر أن واقع حركة التحرر الوطني الكردي يتسم بما يسمّى بالفراغ السياسي، لندرس أسباب هذا الفراغ وعوامله المكونة له : لم يتأت هذا الفراغ من لاشيئ لقد جاء من نفس الحالة موضوع الدراسة وهي الانقسامات والتشرذم في صفوف الحركة ، وكذلك في صفوف القوى الديموقراطية والتقدمية في البلاد عموما ( سوريا )
ان هذا الفراغ يشكل بلا شك الأرضية الخصبة لظهور ونشوء الأحزاب المتطرفة ( يمينا ويسارا ) وان كان للتطرف اليساري حظه الأوفر في النشوء والتكون ، لقد حدثت حالة غير طبيعية بين الجماهير الكردية بأن انخرطت مجموعات منها في صفوف بعض هذه الأحزاب المتطرفة والتي كان نبتها ومنشأها خارج مناطقنا الكردية موضوع الدراسة ، وذلك بفعل تغلغل بعض افكارها والتي تعبر عن نهج البورجوازية الصغيرة المعروفة بمغامرتها وتسرعها وتهورها ولا علميتها .
وبسبب هذا الفراغ ذهبت بعض الجماهير للعمل في صفوفه لجهلها الأيديولوجي ، وكذلك رد فعلها على حالة الانقسام والتشرذم وانخداعها بالشعارات البراقة والطنانة لهذا الفصيل مما أضاف عبئا جديدا على الحركة بظهور هذه المجموعات /المتطرفة / ان جاز التعبير
إزاء هذا الواقع للحركة ماذا يتطلب من فصائلها لكي تخرج من حالتها الانقسامية ولا بد هنا من القول بأن أمامها خياران
1- المضي في نفس الطريق الاعتيادي وهذا ما يجعل الحركة مستمرة في انقسامها وضعفها وتزيد من تعقيد الوضع وتصاب الجماهير باليأس والإحباط وتهرب من العملية النضالية أو تلتحق بالتيارات المتطرفة والمغامرة
2- فسح المجال أمام أصوات التغيير والتثوير واجراء مراجعات نقدية موضوعية وكشف الأخطاء بالنقد والنقد الذاتي ومحاولة تلمس أوضاع الجماهير وسلوك طريق التقارب والتحالف والوحدة واستقطاب الجماهير واجراء خطوات جماهيرية بخلق منظمات ذات طابع جماهيري تلعب دورها في العملية النضالية
ولكن بالنظر الى الواقع الراهن ولوضع الأحزاب نتيجة مراحل تاريخية متعاقبة هناك آمال قليلة في سلوكها الخيار الثاني لأننا عندما نقول ذلك فإن ذلك ليس من موقع التشاؤم وإنما نضع النقاط على الأحرف ونضع الواقع أمام أعين مسؤولي الأحزاب وأمام الجماهير أيضا ، واذا استمرت الحالة على الشكل الحالي فإن الجماهير سترفض هذه الحالة وتخرج عن حدود التزامها بهذه الحركة وستحاول الاتيان ببدائل ثورية مناسبة للقيام بالنضال الجماهيري العام
ان هذا الواقع الذي لا يمكن للجماهير ان تقبله ينبغي ان يتغير وينبغي امتلاك الأداة التي ستقوم بعملية التغيير ، ولا بد من التأكيد أن التجديد ضروري لأية حركة لمواجهة الأخطاء والتراكمات والانحرافات عبر صيرورة التاريخ ولخلق الأرضية الملائمة للانطلاق منها نحو تطور حضاري ومستقبلي متقدم
خاتمة :
فهذا جهد قمت ببذله لأن واقع الحركة كان هاجسا وألما يؤرقني دائما ، واعتبر هذه الدراسة مساهمة أولية في معالجة حركة التحرر الوطني الكردية في سوريا ، وأرجو أن تظهر وجهات نظر أخرى وأن يتم النقاش حول هذه الدراسة وذلك بروح ديموقراطية بعيدا عن التشنج والحزبية الضيقة ، وكذلك بعيدا عن التعامي والتعالي عن الأخطاء
المصادر
1 – د . طيب تيزيني ” إشكالات الثورة والثقافة ” ص 25
2-مجموعة من المؤلفين السوفييت ( التركيب الطبقي للبلدان النامية ) ترجمة داود حيد و
3ميخائيل ستيبيشيف ايفان ، بونين كتاب ( القواعد اللينينية لحياة الحزب الداخلية ) تعريب ندى الشمالي ص 173
4-لينين كتاب ( لينين وقضايا النضال التحرري ) ص54 منشورات وكالة نوفوستي
……………………………………………….
كتبت هذه الدراسة عام 1989 – وتنشر الآن في عام 2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…