في الذكرى التاسعة لاغتياله : مشعل التمّو مسيرة الالام والاحلام…

تمرُّ هذه الايام الذكرى التاسعة لاغتيال القائد الكردي ، والوطني السوري الكبير “مشعل التمّو” والثانية والثلاثون لوفاة الدكتور نورالدين ظاظا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا – فقد تعرّض التمّو لعملية اغتيال قام بها النظام الأسدي وشبيحته في السابع من شهر تشرين الاول بمدينة قامشلو – السياسي البارع ، والمثقف الاستثنائي ، الذي ارتبط  اسمه بالدعوة الى التحرر من الثقافة الموروثة ، والعمل على الإصلاح السياسي والتنظيمي ، وبناء شخصيّة كردية سورية مستقلة في قرارها ، والابتعاد عن عبادة الاصنام والتخندق ، وممارسة النقد البناء والموضوعي ، مما أثار الكثير من الاسئلة والعواصف المحملة بقيم الحرية والليبرالية والعلمانية ، بعيداً عن التكفير والتخوين . 
كان مشعل التمّو مهندسا مقاتلا من اجل الحقوق الكردية ، فقد ترك العمل الوظيفي ـ وتفرَّغ للعمل السياسي والدفاع عن القضية الكردية والقضية الديمقراطية العامة في سوريا ، مسكونا بسوريةٍ عميقةٍ ، لا تقلُّ عن كرديته ، التي افنى حياته في سبيلها . 
ترك مشعل التمّو حزب الاتحاد الشعبي الكردي في نهاية التسعينات ليتفرَّغ للعمل الثقافي والمدني . فانضم الى لجان المجتمع المدني ، واسس منتدى جلادت بدرخان الثقافي خلال فترة “ربيع دمشق ” الا ان النظام  قام بمداهمة مقر المنتدى واغلقه  بعد التراجع عن وعود الاصلاح التي رافقت خطاب القسم ، ثم عاد التمّو ليؤسس مع مجموعة من الشباب الكردي تيار المستقبل الكردي في سوريا  بعد ان صقلت تجربة اللجان وعيه الاولي ، وساهمت الانتفاضة الكردية في 2004 في بلورة وتصقيل هذا الوعي في الحاجة الى تأسيس تيار ثقافي سياسي مدني ينطلق من واقع السياسة الكردية- السورية في مواقفها وممارساتها  بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري ، وكان التمّو اللاعب الاساسي في هذا التأسيس وما تلاه . 
كان مشعل خطيبا مفوَّهاً ، ومعارضاً شرساً لسياسات النظام الاسدي وممارساته الاستبدادية ، رغم انتمائه لماركسيةٍ “ميكانيكيةٍ ” اعلن انفصاله عنها في مقال كتبه في جريدة اتحاد الشعب بعنوان” كنتُ ماركسياً ” فالتمّو حاد الذكاء ، سريع الفطنة ، يعرف كيف ينتقي كلماته ليقنع الاخر بلغة حوارية هادئة وموضوعية . له طباع سياسية وانسانية خالصة ، لا تفارق الابتسامة محياه ، ولديه حماسة وقدرة على التحاور وابقاء خطوط الاتصال والتمّاس مفتوحةً مع خصومه ومعارضيه . لا يهاب المغامرة والمخاطرة .صاحب فكر وقدرة على التأثير في الاخرين من خلال قوة المنطق والحجة  .هاجسه الاساسي ،  يكمن في كيفية بناء حزب قوي ، واستعادة للوحدة الكردية ، وفتح حوار بين الكرد والمعارضة العربية ، انطلاقا من ايمانه بان القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية سورية بامتياز ، لا يمكن حلها الا من خلال الحوار والتفاهم الاخوي مع شركاء الوطن ، بعيداً عن التقوقع والانعزال القومي ، وقد استضاف العديد منهم في القامشلي ، وذهب اليهم في دمشق ودير الزور ، ولم يغب عن ذهنه التواصل مع المجتمع الدولي عبر سفاراته المتواجدة في دمشق . 
بعد خروجه من السجن في 2011 انخرط الشهيد في الثورة ، وعمل على عقد لقاء تشاوري في القامشلي والاعداد لمؤتمر الانقاذ في دمشق ، الا ان النظام هاجم موقع المؤتمر في القابون بالرصاص الحي مما ادى الى استشهاد العشرات من الشباب المساهمين في التحضير للمؤتمر، ورغم ذلك اصر مشعل على المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، لكن موقف هيثم المالح والاخرين من عروبة سوريا ومن الحقوق الكردية جعله يقاطع المؤتمر عبر بيان اكد فيه على الانتماء للثورة وعدم المساومة على الحقوق الكردية وعلى الجزء الكردستاني الملحق بها .
دعا الشهيد الشباب الكردي من سجنه الى الانخراط في الثورة والعمل من اجل اسقاط النظام وبناء سوريا ديمقراطية تعددية مدنية تقر وتعترف بحقوق جميع ابنائها ومكوناتها على اساس الشراكة والمواطنة المتساوية وحكم القانون 
لم يعرف مشعل اليأس والتراجع والتعب ولذك بقي مؤمناً حتى اخر لحظة من حياته بقيم الحرية وانتصار الثورة
 
والقضية الكردية بما هي مسألة وقت ، وان امكانية تكوين حالة كيانية متاحة رغم حالة الضعف والتفكك الكرديين.  
في هذه المناسبة الاليمة لا يسع تيار مستقبل كردستان سوريا إلا التأكيد على السير في الخط الوطني والديمقراطي الكردي السوري الذي ضحى الشهيد حريته و دمه في سبيل ترسيخها ورسم ملامحها ، سوريا الحريات الديمقراطية والمدنية والتعددية، سوريا التي تصون وتحفظ حقوق جميع ابنائها ومكوناتها ، سوريا التي لا ظالم فيها ولا مظلوم، سوريا دولة القانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية . 
الحديث عن مشعل بهذه المناسبة يطول ولا يكتمل الا بتوجيه التحية لرفاقه الذين شاركوه مسيرة الالام والاحلام وخاصة رفيقة دربه الشهيدة الحية زاهدة رشكيلو ، وهذا الحديث ليس غيابا عن وجوده ، بل حضوراّ جديداّ عبر تيار مستقبل كردستان سوريا  ، وتمسكاً بالقيّم والاهداف والمبادئ النبيلة ، التي عاش واستشهد من اجلها . 
المجد والخلود لشهيد الحرية مشعل التمّو 
والخزي والعار لقاتليه 
 الهيئة التنفيذية 
تيار مستقبل كردستان سوريا
قامشلو 6-10-2020

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…