القضية الكردية في سوريا بين التجاذبات

مروان سليمان
كانت آمال الشعب الكردي منذ إقامة أول رابطة تجمع الأحزاب الكردية في إطار ما أطلق عليه المجلس الوطني الكردي  معقودة على أن يكون هذا المجلس هو الأداة التي يمكن الاعتماد عليها لخلق حالة من التضامن الكردي و وحدة صفوفه الذي لم يكن في أيّة لحظة حقيقة ثابتة في الواقع العملي، فمنذ قرون طويلة تعاني الأمة الكردية أزمات متلاحقة ليس أولها الاستعمار التركي أو الفارسي و أخيراً العربي أو السيطرة العثمانية و الفارسية أو تعاقب الحروب و المجازر و التهجير و الملاحقات و الإعتقالات بحق المناضلين الكرد و أخيراً الخلافات الكردية و إنشقاقهم حزبياً و أجتماعياً و طبقياً هذا الواقع يؤكد بوضوح لا شك فيه بأن المراحل التي مر بها الشعب الكردي و الأمراض التي يعانيها الآن إنما هي أمراض متأصلة في الجذور التاريخية و ألقت هذه الأمراض و تلقي بظلالها على مجمل الواقع الكردي المعاش،
 و ما بين زمن و زمن آخر يتذكر الكرد رابطتهم القومية التي تجمعهم بالإضافة إلى الدم الذي يجري في عروقهم و حقوقهم المهضومة و المغتصبة من قبل دول الإحتلال و هذا يجري فقط عندما تحل الكوارث بالشعب الكردي و إضطهادات فوق آخر و مجازر فوق مجازر عندها تتفتح قريحة الكردي و حركته على ذكر النقاط التي تربطهم من حقوق قومية و لغة و دين و عرق إلخ و لكن هذه الروابط لم تكن في يوم من الأيام إلا شعارات من أجل التستر على الخيبات التي يعيشها الشعب الكردي بين الحين و الآخر و لم تفلح هذه الروابط في ايجاد الحلول أو الصمود في وجه الضغوطات و ذلك من خلال بناء قاعدة جماهيرية و قوية متينة تكون منطلقاً نحو اتجاهات عدة من أجل تعريف العالم بقضية الشعب الكردي و التعامل معه على أساس صحيح و معرفة المصلحة الكردية عن قرب وعلى أساس تبادل المصالح مع الدول و الحكومات في حال استطاعت هذه النخبة إقناع هذه الدول بمظلومية الشعب الكردي و ما يستطيعون من تلبية مصالح الآخرين مع تحقيق مصالح الشعب الكردي أيضاً.
و اليوم و بعدما أصاب الشعب الكردي من جراء الممارسات اللإنسانية من قبل قطعان الإرهاب المدعومين من تركيا و إيران و إحتلالهم للمنطقة الكردية و ما حل بشعبنا الكردي من قتل و تهجير و مصادرة آراضيه و بيوته و مزارعه أصبح من الضرورة أن يكون هناك قرع لجرس الإنذار و التنبه للخطر الوجودي للشعب الكردي يجب أن يكون هناك من يبادر إلى صعقة أشبه بالكهربائية لاستيقاظ الشعب الذي قد يعيد لهذا الجسم الميت منذ زمن بعيد بما أن كل قرارات و إتفاقات المجلس و تف دم و الإدارة الذاتية لاحقاً بقيت حبراً على ورق و لم ينفذ منها أي شئ و حتى عند الإحتلالات الجديدة لم تبادر هذه المجالس إلى أية حركة على الأقل لكي ترضي جماهيرها و شعبها أو حتى من أجل ارتياح ضميرهم إذا بقي شئ منه إلى الآن، و هذه المجالس لم تتسبب في تطبيق أي شئ من قراراتهم و اتفاقاتهم و التي تؤكد عليها بين الحين و الآخر حتى أصبحت جميع القضايا مؤجلة أو أنها أصبحت ضحية لتجاذبات و مناكفات للمحاور الموجودة على الأرض لكي يساوم عليها كل حسب مصلحته و الكل يدعي بأنه يعمل من أجل المصلحة القومية العليا و من أجل الشعب المضطهد و لكن على أرض الواقع الكل يسعى لمصلحته و مصلحة من يواليه و يدعمه.
لهذه الأسباب مجتمعة يصبح أخذ قرار حاسم ومصيري ضرورة لا مفر منها و بما أن الأرض المحتلة لم تجد الحضن الدافئ من أبنائها و جميع من يدعون أنهم مع حقوق الشعب الكردي ، لذلك فإن الأحزاب الكردية  مطالبة بإعلان انسحابها نهائيًا من جميع الهيئات التي تتبعها و التي عجزت حتى الآن عن فعل أي شئ للحفاظ على هيبتها ومكانتها وللدفاع عن حقوق شعبها وعن قراراتها التي لطالما أعلنت أنها ملتزمة بها، لعل هذا الإجراء يفتح الطريق أمام أشكال جديدة من التجمعات أو تحالفات أوسع قد ينقذ القضية الكردية من هذا المأزق الذي تعيش فيه.
مروان سليمان 
السلك التربوي- المانيا
27. 10.2020

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…