صلاح بدرالدين
( ١ – صلاح بدرالدين ٢ – محمد نيو ٣ – هلال خلف ٤ – محمد بوطي ٥ – عزيز اومري ٦ – عبد الحليم قجو ٧ – يوسف إسماعيل ٨ – محمد حسن ٩ – نوري حاجي ١٠ – احمد بدري ١١ – فخري هيبت ١٢ – شمو ملكي ١٣ – محمد قادو ١٤ – محمد امين ديواني ١٥ – غربي عباس ١٦ – محمد خليل ١٧ – ملا شريف ١٨ – عبد الرزاق ملا احمد ١٩ – ملا داود ٢٠ – نوري حجي حميد ٢١ – محمد علي حسو ٢٢ – عيسى حصاف ٢٣ – ملا هادي ٢٤ – احمد قوب ٢٥ – إبراهيم عثمان ٢٦ – سيد ملا رمضان ٢٧ – رشيد سمو . )
كنا سبعة وعشرين فردا من أعضاء (البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا) “١” بيننا الشباب والكهول والمتدينون والعلمانييون من المسلمين والأزيديين ومعظمنا كنا في موقع المسؤولية القاعدية في اللجان المنطقية والفرعية والمحلية والطلابية من مناطق الجزيرة وعفرين كما كان بيننا جامعييون ومعلمون وكسبة وفلاحين التقينا في الخامس من آب عام ١٩٦٥ في كونفراس حزبي انقاذي بإحدى البيوت في قرية – جمعاية – التي تبعد خمسة كيلومترات عن مدينة – القامشلي – وهو الخامس في تاريخ الحزب حيث عقد الرابع قبله بعام بنفس المكان الذي كان قد شهد مسلسل الخلاف السياسي – الفكري بين أعضاء القيادة ولكن من دون توضيح أسبابهاعلنا وكانت بداية ظهور الخلاف خلال الموجة الأولى من اعتقالات عام ١٩٦٠ في سجن المزة وأمام المحاكم وتمخض عنه تجميد متزعم الجناح اليميني متبني مقولة “الكرد أقلية” وصاحب مشروع تحويل الحزب الى جمعية ثم موالاة السلطات الحاكمة وعزل الحركة الكردية عن النضال الوطني الديموقراطي المعارض.
في الكونفرانس الرابع عام ١٩٦٤ وبالرغم من قرار تجميد متزعم اليمين – عليه الرحمة – الا أنه لم توضح تماما قضايا الخلاف لافي تعميم أو بيان أو مراجعة ولم تبت فيها ولم تحسم بل تم ترحيلها وتراكمت حيث شعرنا بثقلها وضرورة الولوج بتفاصيلها تقييما وتحليلا وواجب التصدي لها في كونفرانسنا الخامس خصوصا بعد اعتقال غالبية أعضاء القيادة بمختلف المناطق وانكفاء البعض واستقالة الآخرين مما شعر التيار اليميني الذي بقي رموزه بمعزل عن الاعتقال بأن الفرصة سانحة أمامه لتنفيذ مشروعه التصفوي.
لم يعرف احدنا بشكل شخصي الراحل أبو اوصمان صبري الذي كنا نسمع عنه انه االقائد الاصلب والاشجع ولم نجد قبل الكونفرانس وثيقة نظرية حول الخلافات ولم يظهر أي كلام مكتوب عن الصراع بين اليسار واليمين في الحزب منه ومن غيره من القياديين وفي الكونفرانس لم يكن الوقت كافيا ولم يتسع الوقت للنقاشات النظرية للأسباب الأمنية ولكن كان الجميع متفقون حول التغيير والتطوير وسوء إدارة اليمين وصلاته مع أجهزة السلطة والخوف على ضياع الحزب .
اجتهدنا بشكل خاص نحن الثلاثة المنتخبون لادارة ( القيادة المرحلية ) – المرحوم محمد نيو وهلال خلف وانا – ( وكنا خمسة ولكن الرفيقان الآخران ولأسباب محض خاصة اعتذرا عن تحمل المسؤوليات اليومية الميدانية وبقيا معنا حتى النهاية ) على أن تستمر تلك القيادة لحين انعقاد المؤتمر العام وتواصل جهودها في تعميق النقاش وتقييم الحالة الفكرية بالاعتماد على النفس والاستفادة من تجارب حركات الشعوب ومن التطورات العميقة الاجتماعية التي كانت تجري في سوريا وأتذكر أنني أعددت بحثا مطولا حول معنى ( اليسار ) ونال موافقة الرفاق ونشر على نطاق واسع وكان ذلك أول كراس ثقافي علمي في تاريخ الحزب منذ نشأته ثم تتالت إصدارات الجريدة المركزية والمجلات الثقافية بالكردية والعربية مركزيا وعلى مستوى المناطق وكذلك كتب ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) .
ويجب ان اذكر هنا أنه قبل عقد الكونفرانس بنحو عام تم الاتصال بمبادرة شخصية من جانبي (وكنت أؤدي واجب الفتوة المدرسية بمعسكر الراموسة بحلب) بالرفاق القياديين المعتقلين بسجن القلعة بحلب عبر زيارتين للسجن حيث تمكنت من مخاطبة كل من: الراحلين اوصمان صبري ورشيد حمو إضافة الى عبد الله ملا علي وكمال عبدي وشرح وضع الحزب المزري وفهمت من كلام آبو أوصمان الذي خاطبني باسم زملائه المسجونين بأنهم يعلمون أزمة الحزب وأن على قاعدة الحزب القيام بواجباتها في الإنقاذ ونحن معها من دون تفاصيل لأن المقابلة (المراقبة) لم تكن تسمح بأكثر من ذلك.
في حقيقة الأمر لم يكن انجازنا في كونفرانس الخامس من آب عمل انشقاقي لسبب بسيط وهو أنه لم يكن هناك أصلا حزب منظم في مختلف المناطق الكردية فقط هياكل بالاسم من دون مضمون بالجزيرة مع تكتلات تغرد خارج السرب وتفرد اليمين بالسيطرة عليها خصوصا بالدرباسية وانعدام وجود تنظيم حزبي بعين العرب – كوباني سوى حالات فردية معدودة وتعرض كل القيادات والكوادر في جيايي كرمينج – عفرين للاعتقال والملاحقة وغياب أي تنظيم يذكر ولم تكن هناك قيادة مركزية تقوم بالضبط والربط والاشراف حيث الغالبية في السجون لذلك كانت مهمتنا انقاذية وصعبة للغاية بإعادة بناء التنظيم والقيام بتحول فكري جذري بالوقت ذاته يشمل البرنامج السياسي ويعيد الحركة الى – سكتها – الحقيقية وينهي سيطرة الفكر اليميني ويعيد الاعتبار لنضال شعبنا على الصعد القومية والوطنية والكردستانية (بالوقوف مع ثورة أيلول وقائدها البارزاني الخالد) ومع هذا وذاك إعادة تعريف الكرد من جديد: شعبا وقضية وحقوقا.
أما من قام بالانشقاق والتشجيع عليه والانسلاخ من جسم الحزب الأم الذي شهد التحول والتطور بشكل مشروع عبر الكونفرانس الخامس فهو أولا وبالدرجة الأساس تيار اليمين في الجزيرة وبعض القيادات الحزبية القديمة (المحايدة) التي ناصرت التيار اليميني ولم تنصاع لقرارات كونفرانس آب الانقاذية التوحيدية والشرعية في حين وقفت غالبية الرموز القيادية مثل: اوصمان صبري محمدي مصطو ورشيد سمو ومحمد فخري ومحمد ملا أحمد – توز – وعبد الله ملا علي اما مع الحزب أو مؤيدا له أو صديقا.
كنا ندرك منذ اللحظات الأولى من جلسات الكونفرانس أننا لسنا بصدد حل إشكالية تنظيمية لافي القيادة ولا في هذه المنطقة أوتلك بل أمام تحديات كبرى ومهام عظام تتعلق بجسم الحركة وفكرها ونهجها ومستقبلها وذلك في مرحلة حبلى بالصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية كرديا وسوريا وكردستانيا وإقليميا وأمام مشهد كردي سوري ملئ بالتناقضات الطبقية والاختلافات السياسية فحتى على صعيد الحركة الكردية (التي لم تتبلور بعد) كان هناك نوعا من التمايز والتباين في المنشأ والمنبع الثقافي بين المناطق وعلى سبيل المثال كانت االخلفية القومية في الجزيرة تعود الى نهج – خويبون – التحرري مع التأثر بحركات البارزانيين ثم البارتي في كردستان العراق وكذلك الى حد ما في كوباني التي كانت مازالت متأثرة بعائلة – البرازي – الوطنية أما في منطقة عفرين فالوضع مختلف حيث غالبية نشطاء النخبة من مؤسسين وقياديين كانت من منشأ شيوعي وحصل انتقال باتجاهين مختلفين : في الجزيرة وكوباني من الفكر القومي التقليدي نحو الفكر اليسار القومي الديموقراطي التجديدي المنفتح والمتجسد بتوجه كونفرانس آب وفي عفرين من الفكر الشيوعي الى المجال القومي الأوسع.
لاأبالغ ان ذكرت أن كونفرانس الخامس من آب دشن مدرسة نضالية غنية بالفكر والثقافة والمعرفة وأنجب قيادات وكوادر ونشطاء ومناضلين كان ومازال لهم دور رائد ومؤثر في الحركة الوطنية الكردية السورية وفي الابداع الثقافي كما أغنت هذه المدرسة مفاهيم ومنطلقات الفكر القومي الديموقراطي في الحركة على شكل برامج ومشاريع ومبادرات متقدمة وانتهجت دروبا مبتكرة ومفيدة في مجالات العلاقات الكردية السورية والعربية والأممية والكردستانية والأهم في مضامين وجوهر هذه المدرسة هو التكيف مع الوقائع المستجدة وربط النضال القومي بالوطني بصورة متوازنة وإمكانية الاستمرارية في التجديد والعطاء وابتكار البرامج والمشاريع الاستراتيجية بمختلف المراحل التي تمر بها القضية الكردية السورية والحركة السياسية.
بسبب الزخم الهائل للنضال العملي الذي تلا كونفرانس آب في مواجهة نظام الاستبداد والدور المتصاعد لقيادته المنتخبة مجددا في المؤتمر الأول والكونفرانسات اللاحقة وبينها استجابة المناضل أوصمان صبري وعودته كسكرتير للحزب والذي استمر بموقعه نحو عامين والنهوض الجماهيري الكردي السوري والتفافه حول الحزب حاول رأس النظام حافظ الأسد معالجة الأمر على طريقته القمعية الاستبدادية كما بينت التطورات اللاحقة (ومنها شهادة نائبه المنشق عبد الحليم خدام) بأن أرسل – محمد منصورة – على رأس المخابرات العسكرية بهدف اختراق الحركة الكردية وشق حزب الخامس من آب (الاتحاد الشعبي) وتم له ذلك باستناده على قوى وامكانيات النظام ورهانه على عدد من ضعاف النفوس وتحديدا على ثلاثة من أعضاء القيادة في الجزيرة حيث شكلوا خلية لشق الحزب في بداية التسعينات أي بعد ثلاثة عقود من الانطلاقة التجديدية طبعا نجح هؤلاء باشراف مباشر من – منصورة – بشق الحزب بالجزيرة فقط وأخفقوا في وقف نهجه ومدرسته.
لاآعتقد أن الذين قادوا الانشقاق في الجزيرة ضد أنبل ظاهرة نضالية في تاريخ الحركة الكردية السورية بإمكانهم أن يفتخروا بجريمتهم النكراء أو اراحة ضمائرهم طالما كانوا على قيد الحياة أو إمكانية أن يقدموا شيئا مفيدا لشعبهم والتجربة أثبتت أن فرسان الانشقاق أولئك فقدوا الصدقية والاحترام ومازالوا دمى تحركهم قوى الظلام في الداخل والخارج بين الحين والآخر ومازالوا من فرسان الردة والشقاق حتى لو اختبأوا وراء الشعارات والعناوين القومية واستظلوا بأطنان من – سجادات – الصلاة.
لم أهدف من سردي الموجز هذا الا من أجل العودة الى تسليط الضوء على جزء أهم من تاريخ حركتنا (فمن لاتاريخ له لاحاضر ولا مستقبل له) وبمعزل عن ممارسة التعصب الحزبي ولا الآيديولوجي وماذكرته كلمة حق وبايجاز شديد (التفاصيل في مذكراتي بأجزائها الأربعة) صادر ليس عن شاهد عيان فحسب بل من مساهم رئيسي فكريا وعمليا ونضاليا مع رفاق آخرين وفي أصعب الظروف بمواجهة كل التحديات والإصرار على انقاذ الحركة واغنائها وتصحيح مسارها ورسم آفاقها الاستراتيجية وسأبقى أعتز وأفتخر بكل ماقمت به مع مناضلين شجعان أشداء آخرين ظهروا تباعا من هم من رحل عنا مثل سامي ناصرو ومحمد نيو وخضر شانباز ومشعل التمو ومحمد حسن مصطي وآخرين لايتسع المجال لذكرهم ومنهم مازال بيننا نعم مدرسة آب بفكرها ومناضليها مفخرة لكل وطني كردي سوري ولاشك أن بعض أعضائها السابقين من من يتنصل أو يتناسى أو يحاول انكار حقائقها لدوافع مصلحية ضيقة لايختلف عن من تورطوا في الإساءة والشق بداية التسعينات علما وشهادة للتاريخ أن أي فرد من المشاركين بالكونفرانس الخامس لم يتواطأ مع السلطة بضرب الحزب وشقه.
لم نكن كأعضاء الكونفرانس والقيادة المرحلية المنبثقة عنها شيوعيين بل كنا منحازون عن معرفة او بالفطرة نحو الفكر الاشتراكي الذي وجدنا فيه خلاصا للشعوب وحلا لقضايا الاقتصاد والتنمية وغالبيتا من الجزيرة ( لأسباب موضوعية تتعلق بتنظيمات الحزب حينذاك ) بل تطورت افكارنا من ثقافة القومية المظلومة الداعية الى المساواة والديموقراطية والاعتراف المبدئي بحق تقرير مصير شعبنا .
وكان في صف المؤسسين الأوائل أعضاء منتمين الى الحزب الشيوعي وخاصة في عفرين وانتقلوا من الفكر الشيوعي الى الفكر القومي الديموقراطي كما ذكرت أعلاه لم نكن جزء من الحملة ضد كل الملاكين والميسورين الكرد واصطدمنا مع الشيوعيين الكرد ببعض المناطق خاصة عندما نفذوا جزء من مخطط الحزام العربي باسم – الكولخوذات – وانتقل أعضاؤه الى ( قلعة الهادي ) وكان هناك اصطفاف واسع صديق لحزبنا من الملاكين الصغار ووجهاء العشائر وكانوا من الداعمين أيضا الى جانب وجود اعداد لاباس بها من نفس الفئات اما تنفي انتماءها القومي أو لامبالية أو معادية للحركة الكردية بدفع مباشر من أجهزة السلطة من – المكتب الثاني – وحتى – المخابرات العسكرية – ولازلت أتذكر عشرات الأسماء من هذه الفئات كما تواجدت من الفئات ذاته مجموعات وطنية لم تكن مع الحركة في سوريا وفتحت خطوطا مع مسؤولين على الجانب الاخر من الحدود في كردستان العراق بعد ثورة أيلول بزعامة البارزاني .
وفي مراحل تالية انضم جيل جديد الى قافلة النضال في صفوف ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) من خيرة المناضلين في مناطق عفرين وكوباني والجزيرة وبرز بينهم قادة شجعان من أمثال الراحل رفيق الدر ب سامي ناصرو أبو جوان والشهيد مشعل التمو وآخرون مازالوا على قيد الحياة طالت أعمارهم .
اتخذنا أيضا الموقف السليم الى جانب الزعيم مصطفى بارزاني بحسب مشاعرنا ومعلوماتنا وسياستنا وتقييمنا لتاريخ الحركة الكردستانية وتطورات الوضع بالعراق حيث لم يطلب منا أحد خاصة وان هذا الموقف كان مناقضا لموقف النظام البعثي الذي وقف مع مناوئي البارزاني في العراق وسوريا .
لم تكن المسألة الدينية حتى بعد انحيازنا للفكر الاشتراكي مجال بحث وطرح بل كان الاحترام سيد الموقف لكل المعتقدات وكانت علاقاتنا حسنة مع رجال الدين والشيوخ الوطنيين مثل مشيخة آل حقي وجناح من مشيخة آل الخزنوي .
وعلى خطى كونفرانس الخامس من آب ونهج مدرسته النضالية التوحيدية فان المرحلة الراهنة تقضي بضرورة العمل على إعادة بناء حركتنا الوطنية بعد أن أودت بها الجماعات الحزبية الى أعمق أزمة بتاريخها المعاصر وذلك بتضافر الجهود الخيرة نحو توفير شروط عقد مؤتمر انقاذي وطني كردي سوري الذي يدعو اليه الآن حراك – بزاف – منذ أعوام وهو السبيل الوحيد أمام شعبنا.