في التغريبة السياسية

 
  وليد حاج عبدالقادر / دبي
 
في علم النفس التطبيقي هناك حالة / ظاهرة سلوكية يطلق عليها ( إضطراب الشخصية الإنفصالية ) وأعراضها تتشخص في عدم اعتراف المريض المبتلي به بالواقع خارج مربعه وتقوقعه الفكري ، وفي السياسة يقال عنه / أوثوريتاريان / أو كأي نظام استبدادي فينصب نفسه على قمة الحكم ويعتلي أعلى المنصات ويفرض التحكم في الجماهير وتغييب عقولهم وفي الميديا تسمى بالبروباغندا الشمولية حيث لايرى شيئا سوى تغييب العقل عبر تسويقه الإيديولوجي لنمطه فحسب وما دونه فهو خائن ، جبان ، مندس ، لا وطني والسلسلة تتواصل .. / منقول بتصرف واختزال من مقالة للسيدة أمينة الخيري ج ـ الحياة ـ هذه السلوكية التي تعرف ايضا بظاهرة الانفصام عن الواقع والتي لايرى فيه المنفصم سوى نفسه وما يتقمصه فتتوحد مع العقيدة او الآيديولوجيا لتتلبس كل ممارساته وتصوراته حينها وكنوع من القداسة بمسحة ربانية ، وليبدو المحيط وماحولها وكل المختلفين معه عبارة عن ارواح شريرة . وما على العالم إلا ان ترى مايراه او يسمع مايسمعه او سيقوله وإلا ؟ فليذهب هو وتصوراته الى الجحيم . 
إن من اغرب طرائف التغريبة السياسية وتوصيفاتها وآلية التعاطي المصطلحي معها في الشأن السوري ، هي تلك التي يمكن حصرها في كلمة – الإستهبال المعرفي – كسلوكية يمارسها ذات الأشخاص الذين يسعون بكل طاقاتهم للحفاظ على شرنقة التحوط فرضا بنزعتهم ولينكشف عجزهم التام ، كما وتقوقعهم كالقنافذ الى اسوار اشواكهم عمليا ! والطامة الكبرى هي حينما تتقارب معهم في الأسس فتبدأ معارك التسميات بحروبها و تتدفق المصطلحات لتنحصر بزكاة حدد بعدة حصص لغوية يتباهى فيها المتصدق مقارنا بين حالة شعب أو أفراد مهاجرين الى اصقاع العالم . ومن الطبيعي أن فيها عناوين كثيرة مهمة ولكنها متفرعة ايضا وكمثال : إذا كان الخلاف على نسبة اللامركزية فيعتبرها بعضهم مفرطة في حين قد نراه كرديا بأنها لا تمثل الحدود الدنيا منها ، فتبرز هنا آراء وطروحات بزعم اعتماد نص او ميثاق او حتى دستور عام ١٩٥٠ وقد مضى عليه اكثر من ٧ عقود وتطويبها مع انه يمكن الاستناد عليه للتأسيس ، مع تغيير كثير من مواده وتضمين مايؤسس لتحقيق عدالة انتقالية تغطي تلك الفترة التي عطلت فيها الدستور وصولا الى وقتنا الحالي ، وبالمحصلة نلاحظ جميعا ، توفر نقطة رئيسية عند كل جماعة – جدلا – وهي إفراط عند بعضهم ومتوسطة بين بين عند جماعة أخرى ،  وعمومية عند بعضنا ، ومع هذه تبقى ركيزة للارتقاء بها ، إن عشوائية الطروحات ونسقيات المضمون غير المدروس في إطر بعيدة عبر الآيديولوجات التي تتخبص بكل ماتعنيه هذه الكلمة في انتاج تعاريف ومخرجات تطوق متبنيها وبحزم وكمثال : لا المساحة ولا عدد السكان لها اثر في آلية وطبيعة كما طريقة اعادة إحياء ، انعاش ، أشكلة الدولة وأول امرين فيها هي : لفظ عقلية الهيمنة والإستئثار واحتكار مبدأ الإقرار وثانيهما مصداقية الطروحات والعمل على بناء الثقة البينية وعمرها لن تتحقق ان لم يتم تجاوز عقلية الإستئثار وملكية الطابو المقدس للارض والحجر .. وبالتالي هنا هو هذا السؤال الذي يتهرب منه كثير من المجادلين في الإجابة الصريحة عليها ؟  هل نحن شركاء في الوطن بالأصالة او المنحة ؟ إن كنا شركاءا حقيقيين فبالتأكيد سيمكننا بناء وطن وبجغرافية واحدة تدوم مادام البشر ! هذا السؤال بجوابه هي التي ستودي بنا وفي انكشاف حقيقي إن في طريقة القياس والمقارنة وحتى العودة الى الطابو – وياليتها صحيحة حسب رأيي – فالذي جاء من باكستان سيكتسب حق الإنتماء بالمنحة ، عكس المتأصل على ارضه وجغرافيته ، هذا التوصيف الذي ادرك – وأقر بأنني عجزت في نيل جواب واف من كافة توجهات شركاء الوطن المرتقبين – وذلك لسبب حيوي ولكن بسيط ايضا : أن هناك معلومة دونت ورسخت في الذهنيات كطابو فأن جميع الأمثلة المطروحة جدلا فيها خلط فظيع لعدم تشابهه بظروف التأسيس مثل أمريكا أو اية دولة أخرى لأنها ليست ، او لم تمر في ذات مخاض سوريا عند التشكل . وأمر آخر ؟ تسعى بعض المجاميع لتمريرها تحت بند او مفهوم المواطنة ، وبصيغة وطنية الدولة وتعميماتها ! ومن جديد صهر المجموعات غير المرغوبة بها في جدليات الحريات الشخصية ، نعم ؟ في الصفة الفردية يتساوى فيه الجميع كأفراد ولكن : لنحتكم الى كبريات التجارب إن لدول او مجتمعات مركبة ، ومعها لنعد الى اسس وآليات تشكل الدول حسب مكوناتها ، ولنتساءل ببساطة شديدة وكقيمة قانونية : هل نحن شركاء في الوطن ولنا في بنائها اسوة بجميع بشرها أم ؟ مجرد لاجئين ونطالب – كنا قبل الثورة السورية فقط بالجنسية حسب زعم بعضهم – ؟ ! .. إن النقص المعرفي بالقضية الكردية وكنتاج لتلك الجدران التي صنعتها النظم كحواجز بين مكونات مفترضة انها تعيش في وطن واحد ! يفترض أنها إنهارت بسبب عصر السوشيال ميديا سوى في ذهنية من لايزال يصر ان تبقى كطوباويات يتغنى بها ! ، وهي ذاتها الطوباويات التي تؤدي الى بروز التخندقات وتهد كل محاولات التقارب بالأسس ولا تلبس المسميات ان تدفعنا الى التحارب . وكمثال على ذلك : بند اللغات حيث يصر بعضهم على أن نتساوى في الحقوق مع المهاجرين في تناس تعريفي وحقوقي على أن المهاجرين لا يحق لهم تغيير الأسس عكس الأصلاء وذلك في خلط متقصد بين اللاجئ والمتأصل ! . ولقد صدق من قال : ان تصنع انتصارا في معركة أو تحرز نقاطا في صراع سياسي فلا يغرّنك ذلك فتستخدمه – كحزب – للتضييق على من هم في اختلاف معك وقناعاتك ،  وفي اختزال هنا لآراء غالبية الفعاليات الإعلامية القومية العربية منها والإسلاموية سيتوضح ببساطة مدى سطحية موقفهم من القضية الكردية في جزأيها الملحقتين بالعراق وسورية وتقييمها كانتهاز لفرص ، وكأني بالوعي القومي الكردي لم يظهر بعد تقطيعات سايكس بيكو ، في حين ان كل وثائق إعادة رسم المنطقة حينها حوت استدلالات صريحة عن كردستان وشعبها ، إن الوعي القومي الكردي وروحية النضال التحرري وبرغبة الإستقلال عن الدولة العثمانية ببوادرها وثوراتها وفق المفهوم التحرري المعاصر سبقت الثورة العربية الكبرى سنة 1916 وثورات جان بولات في القرن ١٦ والبدرخانيين / 1845 – 1856 /خير دليل على حيوية النضال الكردستاني ، وتغييب هذه الصفحات كما وتعاريف القضية الكردية أكثر من يتحمل مسؤوليتها هم الشيوعيون ـ الكرد منهم خاصة ـ وليهيمن هذا الجزء الكبير جدا من الضبابية تجاه القضية الكردية ومما زاد فيها سلسبيل التنازلات والتلاعب بالمصطلحات إن كرديا سياسيا او ممن يحاول تعلم العزف على تمثليته الوحيدة للشعب الكردي / عفوا هم لا يعترفون بالشعب بل بأبناء القومية الكردية !! .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…