عن الإدارة الذاتية وتبعاتها اللاذاتية

  إبراهيم محمود
أكتب هذا المقال، كأنني على حافة هاوية، وأنا أمعن النظر، في الطريقة التي تدير بها ” الإدارة الذاتية ” روجآفاها، وخلفي السنوات التي تعرَف بها بقائمة مخاوف لا تحصى: ما حققته الإدارة الذاتية هذه، وهي بحاملها الكردي، وليس من كردية فيها، كما هو تعبيرها الحزبي الإيديولوجي عبر وهم ” الديمقراطية ” المسيَّر، وتقيَّم لدى خصوم الكرد كردياً: الشهداء الكرد، القيّمون الكرد، ذوو القرارات الكرد، وفي المحصلة: الخاسرون كرد، والضحايا كرد، ليس الذين أريقت دماؤهم في حدود، على حدود ليست لهم، ودفاعاً عن ديمقراطية لا وصفة دقيقة لها في خانة أية ديمقراطية كمفهوم، دماء كردية آباء عن أجداد، وباسم الشهداء الذين ضاقت بهم الأمكنة، والكردية تنتقل بأصحابها المعنيين من خسارة إلى أخرى، وإنما الذين خرجوا مضطرّين كذلك، جرّاء إدارة ذات وصفة” ذاتية ” وليس من ذاتية فيها، حيث إن الفاتورة التي ترفَع باسمها، ويوقَع عليها، وهي مفتوحة إلى أجل غير مسمى، كما يظهر، فاتورة الدم الكردي واقعاً.
ولعل الذي تفتقت عنه قريحة الإدارة هذه، هو ” اجتهاد ” آخر، وليس الأخير، للإدارة التي ترسم قرارات، وتصدر قرارات، دون أي اعتبار قانوني، أو حقوقي للمعتبرين كرداً، كما في القرار المتعلق بإدارة أملاك من هم خارج ” الوطن “.
أكتب، بعد تأخر، وكنت أمنّي النفس أحياناً، أن الجاري سوف تطوى صفحته، ولم يحصل ذلك.
نعم، مضطر إلى الكتابة هذه، رغم تأخري، وقد سبقني كتاب أصدقاء، ومن لديهم بصيرة ثقافية، واستبصارية لآلية عمل الإدارة ومحتوى قرار كهذا، من قبل من، وفي من، وإلام سيؤول أمر قرار كهذا.
لعل المسئولية الأخلاقي من أولى المهام التي يتوجب على أي إدارة تمثُّلها، وهي كبيرة وخطيرة بمقدار عمل الإدارة وأهمية المهام التي تقوم بها، والإدارة الذاتية هي في أخطر المهام التاريخية التي أسندتها إلى نفسها إيديولوجياً، وصاغتها إيديولوجياً، وتبنتَّها عملياً إيديولوجياً، وتتنشط من خلالها إيديولوجياً مما هو كردي وضد ما هو كردي.
سأكون صريحاً أكثر تجاه هذه الإدارة، وبصورة أجدني في غاية التخوف مما سيجري غداً، أعني في المستقبل المنظور، أعني بذلك ما يترتب نفسياً وكمردود فعل ورد فعل على مجمل أداءات الإدارة الذاتية هذه، فأقول: سيُكتَب تاريخ هنا، بوصفه من بين أكثر محطات التاريخ، إن لم يكن أهمها تعريضاً للكرد للمخاوف والموت المدفوع الثمن بعيداً عن أي اعتبار كردي، ما يخص رعب الكردي ضد الكردي، كيفية التفنن في ترويع الكردي باسم إدارة توصَف في الجوار القريب، ومن قبل أعلى السلطات في الدولة وخارجاً على أنها كردية، ويا لرعب الحاصل، حين نجد من هم باسم الشهداء يسقطون على حدود ليست لهم، ومن يعيشون خوف الموت على حدود لم تعد آمنة بالنسبة لهم، وقد استعدت الإدارة هذه من هم على مسافة بعيدة بعيدة عنها، وعرّفت بالكرد الذين يُرثى لهم، كما يكونون مبعث الهزء والسخرية، وأنا أتابع ما يجري كغيري: عشرات الآلاف الذين رسِموا شهداء، ومن خيرة فتياننا وفتياتنا، ومئات الآلاف الذين خرجوا، كما لو أنهم هائمون على وجوههم، وقلوبهم مشدودة إلى مواطنهم، ـإلى ديارهم، ليموتوا، ليتداعوا شهداء فعليين في غربة، وأعينهم مفتوحة بكاملها، وهي تعيش رعب الدائر نحو قِبلة تسمّيهم كرداً: حيث كان خروجهم، شهداء على مدار الساعة، وحيثما كانوا، بما أنهم في خروجهم، كانوا ضحايا كردية لا صلة للكردية بها، كردية تزيد كراهية الكردي للكردي بشكل غير مسبوق، وتحلّل دم الكردي للكردي بشكل غير مسبوق، وتثير رعب الكردي في نفس الكردي بشكل غير مسبوق، وتروّع الكردي فيما هو عليه، وفيما يجري تصريف وباسم الكردي، بشكل غير مسبوق كذلك، وتجعل الكردي مهزلة من لم يعرف الكردي حتى الأمس القريب، فصار يعرفه، ليكون على بيّنة استغرابية مما يقوم به الكردي قيّماً على الكردي، ويرفض تسمية نفسه عملياً كردياً، رغم أنه كردي الوجه واليد واللسان، لتبقى هذه السنين الجرح الكردي الأكثر صيتاً في تاريخ الكردي تاريخياً، والذي لن يندمل.
هذا الجرح الذي ازداد تقيحاً، شكل القرار الأخير والذي لن يكون الأخير، ومفعوله لازال قائماً رغم أنه نحّي جانباً، ولم يُسقَط مفعولاً، قاصمة الظهر للكردي، ومبعث مخاوف كل كردي لم يخرج من حيث كان، وإنما ليعود إلى حيث كان، عندما لا يعود الكردي من هذه الشاكلة ينصّب نفسه قيّماً عليه، ومتصرفاً بماله وعرْضه ودمه، كما هو ملاحَظ.
القرار الأخير والذي لا يتطلب أي تفسير جانبي، كونه واضحاً تماماً، ربما يشكل التعبير الأوضح عما يتصرف به الموصوف كردياً، ضد المعلوم بأمره كردياً، الكردي فقط، وهو ما يريده، ويتابعه من ليس كردياً.
إذ تبعاً لأي مصلحة وضِع هذا القرار، ومن هو هذا الكردي الذي اندفع إلى الواجهة لينذر كل كردي، خرج في ظرف معين، على أنه لا زال رهينته، حيث يوجد ما يشده إليه، أو لينسى أنه كان لديع عقار، أو بيت أو ما شابه ذلك.
باسم أي قانون يُتَّخذ قرار كهذا، وهو لا زال يخيف الكردي الذي لم تهدأ أنفاسه بعد، من وقْع قسوة الخروج الاضطراري، ليجري التصرف بما خلَّفه وراءه مالاً، عقاراً مصادراً، أو طوع المصادرة أو التصرف به رغم أنف صاحبه ؟
قرار ينبّه إلى ما كان، والأخطر فيه، إلى ما سيكون تالياً، حيث لا يعود الكردي مأخوذاً بذاكرة المكان الذي خرج منه، وأهل المكان الكرد، وقد امتلأ بالذين تربصوا به طويلاً، كما لو أنه يعلِم من لم يعلم بعد: عليك بنسيان من كنت كردياً، وصاحب عقار أو ملْك كردي، وأنت خارجه، فإذا شئت أن يكون لك شأن، فارجع إلى حيث كنت، لتكون في الحالة هذه طوع من يحددون فيك زمرة كرديتك، وجغرافية كرديتك، وتاريخ كرديتك، وواجبات كرديتك، وأحلام كرديتك، ومحاذير كرديتك، من خلال إملاءاتك، ليكون التحفظ على أي منها، هو إعلانك، أوترسيمك لاكردياً، كما هو وضع المجدّف، وما يترتب على التجديف المعلَن من عقوبة مميتة، أو صارمة.
في ظل الإدارة الذاتية، وعلى وقع قرار، ازددنا عداوات أكثر فيما بيننا، وازددنا مهزلة ومأساة، في أعين الآخرين، وازددنا نهباً للآخرين على الحدود وخارجها، وكسبنا من الأعداء ما لم يكسبه الكرد في أي تاريخ كان، وازددنا استعداداً لأن نموت وفينا حسرة من كردية كنا نتنفسها حتى الأمس القريب، وازددنا توقاً إلى نسيان أننا كرد في ظل ما يجري من رعب ظاهر وخفي، يبلبل وعي الكردي وهو يموت وقوفاً، جلوساً، غفلة، نائماً…الخ، وعلى وقْع الكردية التي لا قبَل للكردي بها حتى الأمس القريب، أقولها وبي توق إلى بكاء لا أستطيعه جرّاء هذا الرعب الكردي، وأنا أمعن النظر في الجهة التي يكون فيها ” كردنا ” وهم في حيص بيص، وأنا أنظر إلى بيتي المتداعي كحالي، وحال آلاف مؤلفة من كردنا، وأنا أمعن النظر في مكتبتي القريبة- البعيدة،، فيما يمكن أن يحصل، كما لم يحصل في أي مكان بالطريقة الكردية القحة تنفيذاً، كما لو أنها تنزف دماً قانياً، فلا أستطيع أن أمسك نفسي عن البكاء الحارق المحرق، وفي صمت، بيني وبين نفسي، جرّاء هذه الكردية الواقعة فينا، بأوجه عنف قيمومية، فلا ندري على أي جانب فيه القدْر القليل من الأمان، نميل، فيا لبؤس ما عشته في حقبة عمري الأخيرة هذه .
ملاحظة: سأنضم بدءاً من هذا المقال، وكما هو تقديري للجاري، إلى ” شرذمة ” الذين يقولون للأخطاء القاتلة الحاصلة باسم الكرد، في الإدارة الذاتية، أي الخصوم، ومن ” اختل توازنهم ” من ” فقدوا وعيهم “، ومن بلغوا ” أرذل العمر قبل الأوان “، ومن ” ينساقون وراء الترهات والأوهام ” كغيري، ولن تشفع لي كتبي، أو ” مقامي، أو ثقافتي، كغيري، طالما أن هناك تفوهاً بعبارة ” هذا خطأ ” أو ” هذا ملا ينبغي الاعتماد عليه ” أو ” لا لهذا القرار الجائر”…الخ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…