إبراهيم اليوسف
حاضرٌ أنا وإن غبتُ
غائبٌ هو وإن حُضِّر!
-مقولة تصلح لأن تنسب إلى اسم ما-
فاجأتني الإعلامية فيفيان فتاح، مراسلة فضائية- روداو- في قامشلي، وهي أمام البيت الذي أقمت وأسرتي فيه حوالي ثلاثين عاماً، واشتراه لنا أبي رحمه الله، وعمر بعض غرفه أولادي بعد أن كبروا، وكنا نعيش، من قبل، في غرفتين فقط. غرفة للضيوف. غرفة للبيت، وأضيفت غرفة أخرى بعد أن تجاوز بعض أبنائي- الثانوية- وصار لهم ضيوفهم، أي بعد أكثر من عشر سنوات، بل قبل ذلك: حاجتهم للدراسة، وذلك بعد أن كان بعضهم يضطر للدراسة في المطبخ- على دفء وابور الغاز- أو على دفء- دفاية على شكل قمع- تنقطع خيوط التنغستين، فيربطونها، لتنقطع، وهكذا. أمام هذا البيت ذاته كانت الزميلة أفيفان واقفة، وراحت تتحدث عما أسماه جهابذة وفطاحل الإدارة الذاتية، “قانون الغائب”، وهو” قانون الغاب” في غياب أهل الدار الذين ناضلوا طويلاً من أجل إنسانهم، قبل أن يقدم معلمو هؤلاء على خطوة استثمار- الانشغال بالثورة السورية- ليركبوها، كما غيرهم، لأجل تحقيق أهداف محض حزبوية، لا الهدف القومي العظيم والسامي، وإن ظهرت هناك بعض محاسن التفيء بعمارة الدم والدمار المشادة، لإيجاد موطىء قدم للكردي الذي اغتصب وطنه، وصلب، إلى أجزاء.
امتلكتني حالة هيجان عظيم، وأرى أن سبب اقتطاع أسرة روداو لحديثي والإبقاء على بضعة مفردات تكون غير مفهومة في إطار الاستدلال المتلفز على الخبر، بسبب الهيجان ذاته، من دون الاكتراث بقيمة الحدث و الحديث والمتحدث، إذ إن حذفه- نهائياً- كان أفضل من إيراده، وإن كان مجرد عرض صورة لواجهة بيتي بالنسبة إلي أمراً جد مهم، تشكر فيفان وروداو عليها.
جاء في تقديم الخبر أن ثلاثة بيوت في الحي الغربي في قامشلي- من بينها بيتي- تعود لمهاجرين- وليس هناك أي حديث للإنصاف عن سلب بيتي- بالرغم من إضاءة الخبر على وضعي كصاحب موقف أجبر على الهجرة، قبل اندلاع الثورة السورية، المجهضة، التي سرقتها جهات كثيرة: الأخوان- الشوفينيون العنصريون- تركيا، كي تقدم سوريا لقمة سائغة لفم طرفين: إيران وروسيا، ناهيك عن اللاعب الأمريكي وتكتيكاته واستراتيجياته!
حقيقة، امتلأت عيناي بالدموع، وخشيت ألا أستطيع الإجابة عما طرح علي من سؤال، ليس خوفاً على بيتي، وإن كان بيت كل منا وطنه، ومن لا يذود عن بيته سيكذب في أي دفاع عن أية قضية سامية، لأن هناك ثنائية قطباها: العرض والأرض، بالرغم من أنني، وأبي، وجدي، غير المبالين بالمال والأملاك، لم تكن استراتيجياتنا خلال مئة سنة مضت أبعد من تأمين لقمتنا، ونعمة عدم العوز، وكانت لنا أملاكنا التي لا تزال بأسماء الجدود، وحصرية ميراث الأب!، إلا أن هذا البيت ذاته اشتراه أبي لأطفالي، في قصة معروفة ضمن نطاق الأسرة، وكانت نتيجة حرصه على أطفالي، وبسبب مباشر من موقف جرى لأحدهم!
صحيح أنني لست مختصاً أكاديمياً في المجال الحقوقي، لكنني- وكما يعلم جميعهم- من أوائل من عنوا بحقوق الإنسان- ميدانياً ونظرياً على نحو متواصل- من أهلنا الكرد، عبر عملي في أول منظمة حقوقية كردية تغير اسمها أكثر من مرة، ولم تكن هناك أية منظمة حقوقية- حقيقية قبلها- إنها منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف، منذ الستينيات ومحاولات الأوائل وحتى لحظة إطلاق- ماف- العاملة، لا الاسمية، فحسب، وهو ما أكده لنا الصيدلاني” د. إسماعيل ميرو” الذي كان من عداد العاملين في أحد المشاريع الكردية الأولى، عندما كان، آنذاك، في دمشق، وقريباً من منزل الراحل أوصمان صبري، على ما أذكر من كلامه!
قلت للإعلامية فيفيان ما معناه: إن دخولي على خط فضح- ترهة الإدارة الذاتية- ليس لأن لي بيتاً أو لا- ولربما لابيت لي أصلاً- وليس هناك من بيت لي مسلوب، وإنما لأدافع عن حقوق الناس، وهوما أفعله منذ طفولتي وحتى الآن، وتوقعت أن ذلك الكلام سيرد في مقدمة التقرير المعد حول ردود فعل الناس حول اللاقانون المذكور في ثاني يوم بعد إطلاق رائحة نتنه الكريهة، وتأخر بثه إلى اليوم التالي- أمس-وأحسست بعد بثه بخيبة أمل، وإن كنت أشكر الزميلة وروداو التي عنت بأنشطة الاتحاد العام بتوجيه من مديرها العام، ومراسلهم، وبعض الزملاء المذيعين الذين أحترمهم!
ثمة ملاحظات كثيرة كنت قد أعددتها، في ذاكرتي، للتعليق على القانون- المجنون، قانون معاملة المهجر كما القاصر الأحوج إلى قيم أو قوامة، إلا أن المجال لم يُتح لذلك، وهوما يدفعني كي أتابع ذلك في مقالات قادمة، بعيداً عن دقة الحقوقي- الأكاديمي- ولكن ضمن إطار حقي كمواطن، وضمن إمكاناتي، وخبراتي كعامل في هذا المجال منذ ست عشرة سنة، إذ إنه لم يتم اعتقال أحدهم من” ب ك ك” أو ب ي د” في سوريا، إلا وكتبت بيدي بيان وخبر اعتقاله عبر منظمة ماف، وقد كان هذا قبل استيلاء هذه الجماعة على قرار كردنا، عبر ورقة يانصيب، لا أكثر، مستفيدين من عوامل كثيرة، وهنا أعني تلك الطغم العابرة- من بينها- التي آذت كردنا، وهمشتهم، وكان الغائب. أكثر المغيبين، نتيجة شرورهم، ولا أعني البتة من وقف معهم نتيجة صدق مع وطنيته، بل قوميته، وإنسانيته، وإن كان هذا التنظيم لا يشكل البتة واحداً بالمئة من شعبنا، الآن، وقبل الآن، وبعد الآن!