الحب الكامن في يومه المعلن

ماجد ع  محمد
بما أن إنجازات الدول الغربية في كل مجالات الحياة التكنولوجية والاقتصادية والفكرية والثقافية والسياسية تستدعي الأخذ بها، ولا يمكن للعاقل إنكار دورها وأهميتها في حياتنا اليومية، وبما أن تلك الإنجازات رمت الكثير منا إلى مهاوي الاستلاب الكلي، وغدا طيف كبير من العامة ومعهم الكثير من أهل الفنون والكتابة منبهرين بكل شيء غربي، فهذا ما يدفعنا للاستشهاد بمنتجات مبدعي تلك المجتمعات، وذلك في الذي يناهض نوعاً ما تصورات أولئك الشرقيين في بعض ما يقولونه ويقومون به؛ وحيث يتفاخر بعضنا بقصة حبه والتلويح بعلاقاته وأشواطه الغرامية أينما كان في المدرسة أو البيت أو الشارع أو على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، 
والظن بأنه كلما عبّر المرء أمام الناس عن مشاعره العاطفية يثبت بأنه شخص محب، وأن المجاهرة بما يُشغل القلب يؤكد صوابَ غرامه الذي قد لا يكون أكثر من بعضِ كلماتٍ حفظها النفر نقلاً عن أسلافه، وراح يتداولها أو يرميها يمين شمال من غير التفكير بمسؤولية ومآلات ما يبوح به، إذ أن المجاهرة بالعواطف والمشاعر يرونها دلالة على المحبة الخالصة، بينما بالعكس تماماً في مكانٍ آخر، حيث نرى الشاعر الانكليزي الكبير وليم بليك يقول عن سر الحب: “لا تسعَ أبداً لتعرب عن حبكَ، فالحبُ المعلن لا يمكن أن يحيا أبداً، فالريح الرخاء تتحرك بهدوءٍ ودون أن ترى”.
وبخصوص مواضيع الحب وطرحها بين الشباب والصبايا في الأماكن التي يُصادف إجتماعهم فيها، ففي فترة الدراسة الجامعة وحيث  تكون الرغبات في فتوتها، والقدرات الفيزيقية للمرء تكون في أوجها، لذا تكثر الأحاديث المتعلقة بالحب، ويكثر التصريح بمن يعتني بالأنثى وشؤونها وشجونها أكثر من غيره، وبديهي أن يكون من بين المصرّحين الكثير من المتاجرين بقصص حقوق النساء، ومع أني كشخص من أبناء هذا المجتمع لم أعارض أي حق من حقوق المرأة في السر أو العلن في الجامعة حينها، إلا أني نادراً ما كنت من المبادرين بالدفاع عن المرأة وحقوقها سواءً في جلساتنا معهن في مقصف الصحافة، أو في زياراتي لبيوتٍ كانت تجمعنا ببعض الزميلات في الجامعة، بل وغالباً ما كنت أشك بنوايا الكثير من المتبجحين بالدفاع عن حقوق المرأة، وكنتُ أرى بأن الغاية السطحية من وراء هذه الشعارات ستزول فور حصول أغلب أولئك على غاياتهم الجسدية من الفتيات، وأن الحقوق التي يريدونها للمرأة ليست دائمة ولا هي مبنية على قناعة تامة أو رؤية استراتيجية طويلة المدى، لذا كنتُ أقول لبعض الزميلات بأن معرفة حقيقة موقف الرجل من المرأة وحقوقها وإدراك ماهية المرأة في كينونته لا تتم من خلال بضعة شعارات يطلقها الذكر على هواه كما يرمي الصياد بصنارته في قلب البحر، فإن فلحت الصنارة وجلبت سمكة ما كان بها، وإن لم تعلق فلن يكون من الخاسرين باعتبار أن بيع الكلام لا يكلف صاحبه الكثير، لذا كان مقترحي لهن بأن عليكن بالتعرف أولاً إلى أهل البعل وملاحظة علاقته باخته وأمه وقريباته، عندها من الممكن أن تلتفتوا إلى ما يقوله عن ذلك الموضوع، فحينها ستنكشف حقيقة ما يعلنه عن حقوق المرأة، وهل تلك القضية متجذرة حقاً أم أن الحديث الممجوج عن المرأة وحريتها هو لتحقيق أغراض آنية بحته، كما هو الحال لدى بعض مَن يسمون بالنشطاء الناطقين باسم حقوق النساء، بينما كل أهدافهم القريبة والبعيدة ربما لا تتجاوز تخوم الشهوة والاستحواذ على قطعةٍ ما من تضاريس إحداهن.
على كل حال فبما أننا نقر بأن علوم الغرب ومعارفه أضاءت عتمات كل دول العالم، وباعتبار أن الغرب هو مقياس لكل شيء بهي وينبغي محاكاته حسب تصور الكثير من أناس بلادنا، لذا أوردنا الأمثلة من بحور ثقافتهم وما خلّفه الفكر البشري في الغرب للعالم أجمع، وخاصةً فيما يتعلق بموضوع اليوم، أي الحب، وها هو أحد أهم أعمدة الأدب الغربي أي وليم شكسبير متحدثاً عن جوهر الحب وكنهه حيث يقول:”الحب لا يتبدل مع الساعات والأسابيع القصيرة، ولكنه يجاهد حتى حافة النهاية، فإذا كنت مخطئاً، وثبتَ خطأي، فأنا لم أكتب شعراً أبداً، ولم يعرف العشق بشر”، إذاً وبناءً على ما قاله شكسبير أليس من المفروض أن يلتزم العاشق الشرقي المتفاخر بعشقه وصبابته بهذا الكلام إن كان صادقاً في حبه؟ ولماذا لا يتبنى هذا الكلام ممارسةً وليس مواءً؟ ولماذا نرى كثيرهم كالتيوس بين القطعان بودهم الانتقال من أنثى لأخرى؟ كما تنتقل المومس من حُجر كائنٍ غرائزي إلى جُحرِ كائنٍ آخر.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…