اعتراف

محمدخير بنكو / بريطانيا
يتهمني بعض الأصدقاء و البعض من الأصدقاء الافتراضيين ، على صفحات التواصل الاجتماعي ، بتهمة لم و لا أستطيع إنكارها. كل ما يتفضل به الأصدقاء هي جزء من الحقيقة ، و هذا يعني بأن التهمة ثابتة و لا أود  ابداً  الطعن أو المرافعة. ربما لا تستدعي هذه التهمة أية مرافعة فهي تختلف عن مبدأ ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) لأنني اعترف صريحا و لا أنكر ما يتهموني به .  تهمتي هي الدعوة إلى تَعلم اللغة الأم قراءة و كتابة و اقتطاع جزء من مساحة الاهتمام و إلحاقها ببستان اللغة الكردية. 
و كرد على هذه الدعوة أُمطرتُ بوابل من الاتهامات ، من ضيق الأفق إلى التعصب العنصري مروراً بالكثير من النعوت القريبة من الإدانة. نعم هي الدعوة إلى التعلم و التعليم لإزالة غبار السنين من عليها و التطوع في تجديدها و تزيينها و نفخ الروح الجديدة فيها ، لتبرعم و تزهر من جديد . لسان حال الأصدقاء المتهمين يسرد مرحلة الظلام الحقوقي الذي عشناه  في ظل إنكار البعث السوري لوجودنا لغةً و إنسانًا ، مرحلة منع التكلم بلغتنا و محاولة صهرنا في البوتقة العنصرية لتكريرنا و إنتاجنا بوجوه و لغة و ثقافة جديدة . نعم درسنا اللغة العربية في المدارس و الجامعات، و ابدع الكثير منا في التعامل معها و اللعب على أوتاره لينفخ بها سمفونيات خالدة ، نعم فقد أضاف البعض منا جواهر و كنوز إلى المكتبة العربية. كل ما سبق حقائق ، لكننا نغمض أعيننا عن حقائق أخرى و أولها أنه رغم كل وسائل المنع استطاع البعض أن يتعلم لغته الأم في الغرف المظلمة و أبدع في إغناء المكتبة الكردية الفقيرة.
الحقيقة الثانية هي أنه تطور التكنولوجيا الحديثة و ظهور الشبكة العنكبوتية فتح المجال واسعا أمام أي جهد حقيقي لتعلم و تعليم اللغة الكردية . الحقيقة الثالثة و هي معظم من هاجر أو تهجر  إلى دول المهجر يبدأ بتعلم لغة البلد و الكثير منهم يتعلمها خلال سنتين أو ثلاثة سنوات و هذا شيء ضروري و محل تقدير لكن ذلك يكشف حقيقة أننا نستطيع تعلم لغتنا أيضاً إذا وُجِدَ الدافع لذلك، بل أن تعلم اللغة الأم اسهل بكثير من تعلم لغة جديدة ، هنا لا اعني فقط التكلم بل القراءة و الكتابة .
هناك واقع مؤلم علينا الاعتراف به بشجاعة و هو اننا لسنا  بحاجة إلى اللغة الكردية . اللغة الكردية لا توفر لنا رواتب و لا وظائف و لا رتب و مناصب ،  اللغة الكردية لا تؤمن لنا شهادات جامعية و لا جوازات سفر معترفة ، اللغة الكردية لا تستطيع أن تفتح أمامنا أبواب العالمية و الجوائز  ببساطة لانها لا تملك دولة  او كيان معترف، لذلك لا نحتاجها لا في الداخل حيث اللغة العربية هي السائدة و المعترفة ، و لا في الشتات لان لغة هذه البلدان هي التي ستؤمن لنا لقمة العيش و سواها . هذا هو الواقع الذي تعيشه غالبيتنا متبعين المثل القائل ( محل ما ترزق تلصق) و ما دون ذلك كلها مبررات التي لا يمكن الاستهانة بها في الواقع العملي لأن الإنسان غزائزياً يبحث عن ما يبقيه على قيد الحياة في البداية ثم يحاول تنظيم و تطوير حياته حسب الإمكانات المتاحة .
اليوم و قد أصبح العالم قرية صغيرة ، كما يُقال،  اصبح معه الامتناع عن تعلم اللغة الكردية لا مبرر له ، لسنا متأخرين إن بدأنا و لن نندم إن انطلقنا من أنفسنا و بأنفسنا . تعلم الحروف علم و كل حرف شمعة ستنير لنا ظلمات الأنفاق التي  حُشِرنا فيها ، و لغتنا تستحق منا بعض الاهتمام لكي لا نخجل غداً من الاجيال القادمة.
تعيدني الذاكرة إلى عبارة قالها شيخ الشهداء المرحوم الشيخ محمد معشوق الخزنوي على منصة يوم نوروز بما معناه ( أفضل  اللغة الكردية المكسرة على الفصاحة باللغات الأخرى)، لذا سعيد انا بتهمتي و لست نادماً على اية محاكمة من وراءها. 
أخيرا أتمنى من كل الأصدقاء الغير مقتنعين بضرورة تعلم اللغة الكردية و البدء بالكتابة بها لاغناء المكتبة الكردية ، أتمنى منهم ان لا يقفوا حجرة عثرة أمام هذا الهدف بمبرراتهم المنمقة و سردهم الجميل للمرحلة التي عشناها في ظل الحرمان و الجهل و شح الإمكانات و ان يتذكروا جنوداً مجهولين عاشوا نفس التجربة  و استطاعوا رغم ذلك التعلم لا بل تعليم هذه اللغة و لن اذكر سوى اسم واحد و هو الأستاذ خالد جميل محمد ( ملاحظة : لا تربطني مع السيد خالد اية رابطة عائلية او فكرية او سياسية) الذي هو من خريجي اللغة العربية و الكثيرين غيره من الأسماء اللامعة من اللغويين والكتاب و الشعراء .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…