«مانيفيست» (المؤتمر الوطني) بصيغتيه الكردية والسورية (4)

صلاح بدرالدين
    منذ فترة ليست ببعيدة وخصوصا بعد فشل الكيانات المعارضة، وانقساماتها وتراجع الثورة الى درجة الهزيمة العسكرية، وفي خضم البحث عن سبل لوقف التدهور النهائي والحفاظ على البقية الباقية،  نسمع مجددا أصواتا تدعو الى إعادة احياء العمل الوطني تحت أسماء وعناوين متعددة، من بينها صيغة (المؤتمر الوطني)، أو مؤتمر منسوب الى هذه العاصمة العربية والإقليمية أو تلك، وموسوم باسمها .
  معظم الداعين كانوا جزأ من كيانات المعارضة، وفصائل الجيش الحر، ومنهم من الوافدين من إدارات ومؤسسات وحزب النظام هؤلاء – الا قلة قليلة جدا -، لم يكونوا جزأ من الساعين الى اصلاح الكيانات والمؤسسات التي كانوا ضمن صفوفها خلال تسعة أعوام، عندما كانت الحاجة ماسة الى ذلك، أمام تمادي جماعات الإسلام السياسي ورأس حربتها الاخوان المسلمون، وحلفاؤهم التقليديين مثلهم، من قوميين، وليبراليين، وشيوعيين، وكمثال واحد لم يتفانى هذا البعض في معركة إعادة هيكلة الجيش الحر، عندما كان يتعرض الى الحصار والتجويع والقهر، ولم يطرحوا خططا من اجل محاربة الفساد المالي الذي أغرق الجميع، وكذلك العمل الجاد لاستعادة المبادرة والحفاظ على الحد الأدنى من القرار الوطني المستقل، كل ذلك غيض من فيض ليس المجال الآن لسبر أغوار التفاصيل .
  يجب أن لاننسى واضافة الى هذا (المعظم) السالف الذكر، مجموعات نخبوية استقرت منذ البدايات بعواصم الدول المانحة والمؤثرة والمعنية، (قطر – السعودية – تركيا – مصر – الامارات – الأردن ) وبدأت تعمل اما بمهنهم الخاصة، أو بمؤسسات ثقافية واعلامية ومراكز بحث مملوكة لتلك الدول، وتشرف عليها غالبا أجهزة خاصة مرتبطة بمصادر القرار، تلك المجموعات (المليئة بالطاقات العلمية والفكرية)، حللت وناقشت كل شيء ماعدا القضية السورية بعمقها، وحاجتها الى من يرسم خططها، ويضع مشاريع إصلاحية وبدائل، ويدافع عن استقلاليتها من سياسات النظام العربي الرسمي، ولم تخرج يوما عن السياسات المرسومة لها وظلت بخدمة أجندات تلك الدول، ولم تقدم شيئا يذكر من أجل حماية الثورة وإصلاح المعارضة، وتعزيز قرارها الوطني المستقل .
  والآن أيضا لم نسمع عن أية مشاريع انقاذية من جانبها، سوى مماحكات بين مثقفين سوريين تابعين لهذا النظام وذاك، فان قام أحد المحسوبين مثلا على السعودية والامارات بطرح مبادرة، يرد عليه سلبا من هو محسوب على قطر أو تركيا، والمحسوبون مثلا على ايران فرحون لتلك الاشتباكات، يتحينون الفرص، والكل لم يعد همهم اسقاط نظام الأسد، والأخطر من كل ذلك نرى التابعون لانظمة الإقليم بما فيها النظام السوري، والمقيمون كلاجئين بدل أوروبا، يحاربون بعضهم البعض حتى عبر كتابة التقارير للدول المقيمين فيها ضد بعضهم البعض، بتهم الإرهاب والجرائم وسرقة أموال الثورة .
   لا أخفي أن ” فكرة ” (المؤتمر الوطني الكردي السوري) راودتني بداية كحل انقاذي لأزمة الحركة الكردية السورية منذ عام – 2012-،  وقبل تطوير الفكرة وتعديلها، كان الحوار بشأنها قائما كخطوة أولية مع رئاسة إقليم كردستان العراق، الراعية لجهود اصلاح ذات البين بين الفرقاء الكرد السوريين، والداعمة (للمجلس الوطني الكردي)، وحينها أوضحت لهم الفكرة وجاهيا مع السيد رئيس الإقليم ومساعديه، مرارا القاضية بعقد مؤتمر كردي سوري، (بعد ظهور بوادر فشل المجلس الكردي)، يشمل كل التيارات السياسية الكردية المنضوية في الثورة السورية، والمؤمنة بالتغيير الديموقراطي، وخصوصا الوطنييون الكرد المستقلون، والشباب، وهم الغالبية في مجتمعنا، وكذلك (المجلس الكردي) للخروج ببرنامج موحد، وقيادة شرعية منتخبة لمواجهة التحديات . 
  باالعام نفسه، وبعده خلال السنوات اللاحقة، تم نشر الفكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية الى الجمهور الواسع، وعقدت مئات اللقاءات التشاورية في مختلف مناطق التواجد الكردي السوري بالداخل أولا، ثم الخارج، وتم التوصل الى تأطير الفكرة وتلك الجهود في اسم – بزاف – كحراك فكري – ثقافي – سياسي – حواري، وليس حزبا أو منظمة، له موقع على الفيسبوك، ولجان متابعة في أكثر من منطقة بالداخل وفي كردستان العراق وتركيا وبلدان أوروبا والامارات ومصر ولبنان وكندا، وعندما تم طرح مشروع البرنامج على التصويت عبر الفيسبوك، نال دعم حوالي أربعة آلاف توقيع بالاسم من كافة الفئات، وهي موثقة يمكن لاي كان الاطلاع من خلال موقع – بزاف – على الفيسبوك bizav.me .
  كانت عصارة اللقاءات والمناقشات، التي امتدت ثلاثة أعوام، وضع مشروع برنامج بقسمين : كردي خاص، وسوري عام، أي العمل على جبهتين – ان صح التعبير – بحسب الفرص المتاحة والامكانيات المتوفرة، مع الايمان المطلق بتكامل – الجبهتين – لأننا نؤمن بأن الخاص الكردي مرتبط بالعام السوري، وأن القضية الكردية السورية جزء من القضية الوطنية الديموقراطية بالبلاد، وأن الكرد شركاء في الكفاح الوطني منذ ما قبل الاستقلال وحتى الآن، ومشاركون بالثورة، ومعارضون للأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وتواقون للخلاص .
  كما كانت من نتائج الحوارات اجراء تعديل في آليات المؤتمر المنشود، بحيث يشمل كل الفعاليات والأطياف السياسية الكردية من دون استبعاد أحد، على أن يسبق ذلك تشكيل لجنة تحضيرية بالتوافق، على أن تكون بغالبية من المستقلين، وممثلي المجتمع المدني والشباب، مع مشاركة ممثلي الأحزاب بحيث لا يشكلون نسبة – معطلة – وهذا يعني أن نسبة الحضور من المستقلين ستكون هي الغالبة، أما مكان المؤتمر، فاما أن يكون بالوطن أو بإقليم كردستان العراق، مع حضور ممثلين عن الشركاء السوريين، من معارضي النظام في الجلسة الافتتاحية .
  مسألة من يحضر كمندوبين متروكة للجنة التحضيرية التو افقية، وهناك عدة خيارات من بينها اجراء انتخابات بالمدن، والمناطق، وبلدان الشتات، لاختيار المندوبين، أو اختيار ممثلين عن الطبقات والفئات الاجتماعية، والتيارات السياسية، ولكن سيبقى موضوع غلبة المستقلين قائما ومسترشدا به، وهكذا الحال بما يتعلق بقضايا الحاضر والمستقبل، والموقف منها ومسألة المراجعة النقدية والمساءلة، ستقوم اللجنة التحضيرية بتلك المهمة، ويمكن الاستعانة بخبرات المناضلين والمختصين . 
   قد يتساءل البعض وأين البرنامج الاقتصادي، وسبل حل القضية الكردية في سوريا، وصيغة الحل، ومصير المناطق الكردية، والمختلطة،  ثم الدستور الجديد، والنظام السياسي المقترح لكل سوريا، والجواب وبكل بساطة هو : الذين سيجتمعون بالمؤتمر وظيفتهم محصورة في إعادة بناء الحركة الكردية، واستعادة شرعيتها المفقودة، وتفعيل العامل الذاتي المنهار، وتوحيدها برنامجا وقيادة، كل ذلك بهدف توفير شروط موضوعية قابلة للتفاعل معها إيجابيا، وعندما تكتمل هذه المهام وتنتخب القيادة الجديدة الموحدة الكفوءة، حينها تتوفر شروط تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية، وبايجاز التحضير أو التأسيس لأدوات النضال الفاعلة، لان تلك الأدوات اما مفقودة الان، أو معطلة، وفات أوانها .
  قد يخلط البعض عن عدم دراية بين وظيفتين مختلفتين، فهناك وظيفة نظام الدولة وحكومتها عندما تكون مكتملة وديموقراطية ومهيئة للبناء والاعمار، عند ذلك يحتاج ذلك النظام لاداء الوظيفة للجميع ومن كل الاختصاصات، والطبقات الاجتماعية وخاصة الطبقات الوسطى، بغض النظر عن المواقف السياسية، ونظرتها للثورة والتغيير، وهناك أيضا وظيفة تأسيس، وتحضير، وإعادة بناء، لآلية أو جسم، أو كيان تنظيمي تراتبي، وما يحتاجه من برامج ومشاريع وخطط وخارطة طريق، واحتضان شعبي يحميه، من أجل التصدي لمهام انجاز حركة تعمل من اجل توفير شروط بناء الدولة، أو النظام السياسي المنشود .
  هناك في حالتنا الكردية الخاصة انقسامات وصراعات ومواجهات، أكثرها شدة وعمقا بين أهل الثورة والمعارضة من الكرد من جهة وبين الموالين للنظام الذين جاؤوا لنجدة السلطة، وضرب الثورة عسكريا وسياسيا، ورفض المقابل المختلف بالعنف وأحيانا بالتصفيات، و- جماعات ب ك ك – مثالا على ذلك، إضافة الى أحزاب أساءت الى القضية الكردية ووالت النظم والحكومات المتعاقبة، إزاء ذلك وبعد مداولات مطولة استقر الرأي في حراك – بزاف – على دعوة الجميع حسب الآلية المثبتة أعلاه، وكل من يقر بنتائج المؤتمر، ويلتزم به، يمكنه الحضور وهو ما يضفي اليه صفة المؤتمر الجامع، على أمل أن يشكل خيمة للمصالحة، والتسامح، وطي صفحة الماضي .
  هناك بعض آخر من شركائنا السوريين من الصعوبة بمكان أن يفهم ويتفهم الحالة الكردية الخاصة، لانطلاقه في تقييماته من مواقف مشككة مسبقا بكل ما يصدر من الجانب الكردي، فعندما أطلق – بزاف – تسمية (المؤتمر الوطني الكردي الجامع) جاء بعد دراسة معمقة، ومن خبرات نحو خمسين عاما، فالتسمية هذه واقعية ومعبرة، فكلمة الوطني تعني السوري، والكردي تشير الى الخاص القومي، وبدلا من (المؤتمر القومي السوري) حل الأول أكثر تعبيرا وموضوعية، خاصة وأن المنطلق الفكري والسياسي يستند الى معادلة التوازن بين القومي والوطني، الذي من شأنه أيضا تحقيق الاستقلالية عن المحاور الكردستانية، ورفض التبعية، باتجاه التعاون والتنسيق، واحترام البعض الآخر، من دون التدخل القسري كما تفعل جماعات – ب ك ك – وغيرها . 
  من دون الافاضة بمسألة (المؤتمر الوطني السوري) الذي كما أسلفت وضع – بزاف – القسم الوطني من البرنامج حوله، وكما أعتقد ليست هناك فروقات  كبيرة بين القسمين الكردي والسوري من حيث المبادئ الأساسية والآليات التنظيمية، ودور اللجنة التحضيرية، والقواعد الوظيفية، والمشاركة، والفرق الوحيد هو أن الأول مخصص للكرد السوريين لاعادة بناء حركتهم، والتحضير للمشاركة الفعالة المنظمة بالثاني الذي سيعيد ترتيب الصفوف وتنظيم الطاقات، وإعادة اللحمة، والتهيئة لمواصلة النضال بالاشكال المناسبة لتحقيق أهداف الثورة السورية المغدورة .
  على الذين يتخطون الواقع السوري، التعددي القومي والديني والمذهبي، كما يفعله حزب البعث منذ انقلابه بداية ستينات القرن الماضي وحتى الآن تحت اسم – الوطنية – ويتجاهلون  حقوق غير العرب كقومية سائدة، نقول لهم أن أهم ميزات ثورات الربيع وفي مقدمتها الثورة السورية المغدورة أنها استعادت كرامة وحرية جميع المكونات القومية المكبوتة المضطهدة، من سوريا الى ليبيا والجزائر وتونس والسودان، وأن تلك المكونات أثبتت جدارتها الى جانب القوميات السائدة، في احتضان الثورات والانخراط بها، ومن حقها التعبير عن ذاتها والتمسك بالمشاركة، والعيش المشترك، واستعادة حقوقها المسلوبة، باسم ” الأمن القومي ” تارة، و” الوطنية ” تارة أخرى، والإسلام في أكثر الأحيان .
  (المؤتمر الوطني السوري الجامع) المنشود لن يكون وطنيا أو جامعا، من دون مساهمة ومشاركة ممثلي كل المكونات القومية وغير القومية، من عرب وكرد وتركمان وآخرين، أي جميع أطياف الشعب السوري، لأن كل مكون لديه قصة، وقضية، وتاريخ، وحركات وطنية، ومناضلين، وبناة استقلال، وشهداء، وكل من يرفض هذه الحقيقة التاريخية السورية، ويتجاهل المكونات وجودا وحقوقا، يلتقي بكل بساطة مع سياسات نظام الاستبداد، خصوصا وأن التشاركية النضالية العامة ومن دون استبعاد أي مكون في هذه الحالة تصب لصالح وحدة الوطن، وتطمئن من كانوا مضطهدين طوال قرن من الزمن، ومغيبون، ومعزولون،  أن هناك تغييرا قد حصل بالمفاهيم، قد يحفزهم نحو التلاحم والتضامن، والمصير الواحد، أما الزعم بأن شعار ” الوطنية ” الفارغة من المضمون هو البلسم، أو هو الحل لكل القضايا بما فيها قضايا القوميات في بلد متعدد مثل سوريا، وليس في فرنسا أو المانيا أو بلجيكا فلا يختلف عن مزاعم ” الإسلام هو الحل ” من حيث الجوهر .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…