في استحضار الصحافة الكُردية و«رجالاتها»

  برزان حسين لياني
   أقسى ما يمكن أن يُسمَع عن الصحافة والإعلام الكُردي، هو أنّها (هابطة ومفبركة)، فهذه المقولة، تهزْ المشاعر، وتعلق في الأذهان؛ كما كانت منذ زمنٍ بعيدٍ، وللأسف توارثتها الأجيال الكُردية عن ثقافة الدول المستعمِرة لكُردستان، وأصبحت تزاول بإتقان، عبر مسيرة الصحافة الحزبية “ما يقارب الستين عاماً” أو ما تُسمّى الصحافة المستقلّة.
   فمهنة الصحافة التي وُصِفت بمهنة ” المتاعب”، والتي باتت في زمنٍ، أصبحت مهنة ممقوتةً، حتى من قِبل مَنْ يمتهنها، ليست لمخاطرها ومتاعبها فقط، ولكنها أصبحت مهنةً تذلُّ ممتهنها “الصحفي” في لقمة رزقه، لتحوْله في النهاية إلى بوق، ليتدرّج الممتهن بحسب ما يُروٌّج في الشارع إلى مراحله الثلاث (العلق – الاستسلام  ثم الهروب). 
   لم أصادف صحفياً او إعلامياً، اعتزل مهنته؛ كما فعل أو يفعله الفنانون في العالم المتمدِّن، بل العكس تماماً فلا تزال الصحافة الكُردية تمتلك بريقها، ما يجعل الآخرين خارج السرب، يمارسونها، ويتطفّلون عليها للأسف، ومع تطوّر التكنولوجيا، والتفوّق الكبير للهواتف الذكية، وسبل التواصل الاجتماعي ونشر الخبر عبرها في لمح البصر، أصبح الأغلب صحفياً وإعلاميا، وكلّ مَنْ انبتت في ذهنه ” النرجسية” وكلّ مٌنْ هبَّ ودبَّ من الناس بات يعمل بها بأسلوبه وطريقته الخاصة البعيدة  كلّ البعد عن المهنية.
   فمن الملاحظ أنّ اغلب مَنْ ذُكِروا لا يمتلكون موهبة انتقاء عنوانٍ للمقالة على الأقل، ويفتقرون إلى كيفية ترتيب الأسطر لنشر مقالة ثقافية أو تحليلية هادفة لتطوير المجتمع ونشر الحقيقة وخدمة القضية عبر الكتابة أو نقل الخبر، فتاريخ الصحافة وحسب ما عرفناه؛ يعود لأكثر من خمسمائة عامٍ تقريباً، والنهوض بالصحافة الكُردية التي اقترنت مع صدور صحيفة ” كوردستان” وتجربتها الرائدة ما يقارب مائة عامٍ وأكثر؛ هي بريئة عمّا يجري اليوم عبر الصحافة والإعلام الكُرديين. 
   فالصحفي اليوم الجالس على طاولة فخمة، ويصوغ ما يطلب منه أسياده بهدوء، ليضع نفسه ككعب درجٍ، يمتطيه الأخير، ويدخل ضمن أجنداته وسياساته الخزعبلية؛ وآخر يموت من أجل هدفه في نقل الخبر والحقيقة للعالم، وهو ما نحتاجه في هذا الوقت العسير، والغريب أن يُتَّهم هذا المهني والعنصر الجيد بآلاف التهم الباطلة كـ ( الزندقة- الجنون – الخيانة العظمى)  لكونه ينشر الحقيقة ويقف في وجه مَنْ يضلّ العدالة، كما وتكمن غرابة المشهد في أنّ الكثيرين من الساسة وممن يُسمّون القيادات، في القيام وباعتبارها الجهة الراعية بدور(الملك) و(المالك) على الممتهن، فيقوم بدعم الأول ليس لسواد عينيه بل فقط للوصول إلى مآربهم وأهدافهم ونرجسياتهم.
   هنا يتمُّ احتقار المهنة لأنها تُشترى في حالةٍ معينة،ٍ وتُستخدَم وخصوصيتها وسيلة لأهدافٍ معينةٍ وبحسب القياسات المطلوبة لـ “الملك”.
   من الطبيعي أن يكون لصحافةٍ معينةٍ، معارضة وموالاة، لكن ولكي لا تكون للصحافة عين واحدة؛ مثل قراصنة البحار في الزمن الغابر، ولا عرجاء فيها نواقص؛ على الصحفيّ والإعلاميّ أن يتحرّر من العبودية، وإنْ قورن إعلاميٌ مع ما يفعله الآخرون لوجدنا أنفسنا في الخانة السوداء، فعلى سبيل المثال يعمل الصحفي الغربيّ الحرُّ في نقل الخبر من ساحات المعارك والحروب بكلّ مصداقيةٍ وشفافيةٍ، أو يقوم بنقل خبرٍ من كوكب كالزهرة والمريخ، ويتحدّث عن المجرّات في وقتٍ لا يزال إعلامنا الكُردي يبحث عن كيفية عمل المخلل وصناعة “رجل وهمي” ليقود شعوبنا إلى الهاوية والمعتقدات الفاسدة أكثر حدة من التي أشبعت أجيالنا السابقة.
   إذاً: هناك عالم آخر للصحافة، وللكلمة الحرّة إنْ راجع الصحفي الكُردي نفسه، عندها سيكون القرار بيد المستمع، القارى، المشاهد، فالصعود إلى الأعلى يستحقّ العناء وعلى الجميع الالتفاف نحو مَنْ هو أقرب إلى الحقيقة والاقتراب نحو الموضوعية والابتعاد عن نشر الأيديولوجيات التي عفا عليها الزمن، والاستفادة من المناهج العلمية والنقدية لترتيب البيت الصحفي وخلوه من الشوائب والمقايضات المادية والسعي نحو الحداثة لخلق روح متابعة الشارع وقراءة الصحيفة ومشاهدة إعلام نزيه، حيادي، حر مستند على قواعد أدبية وأخلاقية ومهنية، فلا إعلام حقيقي إلا وعليه الابتعاد عن السذاجة ومنح الأحكام وتقديم الإطراءات لكون الصحافة المهنية في الأساس عملية تقويم، وتطوير للمجتمع وإيصال الحقيقة الى مسمع ومرأى المشاهد والاستفادة من التجربة الصحفية الكُردية ومسيرتها والإفادة من الصحافة الغربية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…