إبراهيم اليوسف
يمكن النظر، إلى الشريط الزمني بين مهاد انتفاضة الثاني عشر من آذار، ولحظتنا، هذه التي نعيشها، بين نقطتي بدء، وحاضر، على امتداد عشر سنوات، كاملة، هي ضمن هذا الفضاء، عبارة عن “الصندوق الأسود” لركامات روزنامة هذه الفترة، المتلاطمة، الحافلة بالتحولات الكبرى، بالنسبة إلى إنساننا، على ضوء إيقاع ما جرى، وما يجري، من أحداث هائلة، وهي ضمن هذا التشخيص، جزء من أحداث مكان أوسع، هو سوريا، في البعد الوطني، وكردستان، في البعد القومي، وفق إيقاع الصيرورة التي نحتكم إليها، من خلال محطاتها الهائلة.
ثمة رسالة، ضوئية، كتبها الكردي، في انطلاقة انتفاضته، كان لها مفعولها، السحري، لاسيما أن دمه الذي شخب في مدينة قامشلو، وشقيقاتها، بل ومدن التواجد الكردي، بات يقرأ- وفق أكثر من موشور- ضمن حدود فضاء المكان، فالقاتل أراد أن يلجأ إلى متوالية سياستين، هما: ممارسة العنف- من جهة- والحرب بلا هوادة على كل مصدر ضوء، من شأنه أن يمارس تحديه، في وجه أجنحته الظلامية التي أسدلها، في كل مكان- من جهة أخرى- بل وترافق مع ذلك- كله- رفع وتيرة التأليب على الكردي، وتشويه، إلى حدِّ أسرلته، وأبلسته، وهو ما كان له فعله المدوي، إلى مثل هذه اللحظة، وإن كنا نجد، أن الثورة التي استكملت ما توقفت عنده الانتفاضة الكردية، قبل سبع سنوات من بدئها، وأسقطت تماثيل الأسد، في عامودا، التي ثنت ذلك-مرة أخرى-في العام2011، أعطت لها دفقة روح، عالية، وشحنة كهرباء، لما تزل تستعين بها، إلى الآن.
ظلت انتفاضة12 آذار، محدودة الأبعاد، على صعيد تفاعل السوري، معها، ما خلا حالات فردية، وهوما انعكس على نحوسلبي، على ثورته التي بدأها في “الحريقة” ومن أمام “وزارة الداخلية” في دمشق، ومن ثم من درعا، كي يكون الكردي الذي انتفض، لأول مرة، على النظام الدموي، من عداد أوائل من تفاعلوا، مع هذه الثورة، قبل أن يوأد التواصل الحميم، بين منتفض الأمس، وثائر اليوم، على يدين متناقضتين، كان لكل منهما غرضها، الخاص، بيد أن ذلك قدانعكس، على نحو سلبي، على مشاركة الكردي في الثورة، هذه المشاركة التي بدأها شبابه، بأعلى وتيرة لها، ما استشاط غضب النظام، وهو يستقرىء وقائع المشهد، ت مادام أنه يدرك “ماذا تعني مشاركة الكردي، في ثورة سورية؟!”. لترتعد فرائصه، أمام هول ما تم، ما دفعه إلى أن يفعل أفانينه، وألاعيبه، كي يتم-بعدئذ- بدء الإجهاز على الحراك الشبابي، بطرائق عدة، بل و أن يقوم باستهداف كل من يمكن أن يكون مشروع استقطاب، جماهيري، وذلك عبر أدواته، المختلفة، المؤتلفة، إما عبر الرصاصة، الغادرة، أو السجن، أو الخطف، أو التهجير، أو عبر التأليب الإعلامي، المنظم، على مثل هذه الرموز، ويمكن الإشارة إلى اسم مشعل التمو، الحاضر، آذارياً، كي يكون هدفاً غيرمباشر، من قبل المتواطئين، من النظام، حيث وجدنا أن خلايا إعلامية، خبيثة، باتت تستخدم وسائل الاتصالات الحديثة، وتمارس عملها الفتاك، لثبيط الهمم، ووأد كل من لا يسبح في فلكها.
وإذا كانت انتفاضة-آذار- قد أسست أرضية، يمكن الوقوف عليها، والانطلاق منها، من أجل إسقاط النظام، وإطلاق السؤال الكردي، بأعلى وتائره، فإن التفاعل مع ذلك الشريط الزمني، العقدي، سواء قبل الثورة، أو بعدها، بات يواجه مثبِّطات كثيرة، تستوي-هنا- أفاعيل، من هو ربيب النظام، الذي قدم أوراق اعتماده، للثورة، وكان أداتها-بشكل أو بآخر-ليس ضد الكردي، دافع الضريبة مرتين، أو ثلاثاً، بل وحتى ضد أبناء جلدته، أنفسهم، كي يتخندق، وهو في موقعه الجديد، ضد الكردي نفسه، بل ضد الثورة، حتى وإن كان ضحية أتونها، بكل مالديه، من وقود روحي، أو جسدي، بل أن “الكاسر الكردي” للأسِّ الذي بناه-هوحقيقة- ماعادت تخفى على أحد، ؤغم موارباتنا، المسوّغة، وإن كان داعيها: نية طيبة، أو غير ذلك، وهومن صنيع أنفار، قلائل، لا يشكلون في ميزان ديموغرافيا الكردي إلا ما تشكله حفنة الزؤان، من بيدر لامتناه الأبعاد، بيدأن حمولة هذا الدخيل، بسمّيته، ومسماه، رجح كفته، مادام أن للطفيلي سطوته، أنى كان، في عالم البر، واليابسة، بل في عالم الكائن الحي، الممتلك للوعي، أو المفتقد له، على حدٍّ سواء، كي تكون النتيجة: فقدان الثقة بين الطرفين: الكردي، والعربي، وهي مسؤولية المتنطع للمعارضة، بلوثة تفكيره العفلقي، رغم مكيجاته المتعددة، بل وعقدة شريكه الكردي، الانفعالي، مثير الأسئلة، التهويلية، استباقياً، دون اتفاق بيني، على تخومها، تحت وطأة ألم اللدغ التاريخي، لاسيما وأن أمام عينيه صورة ارتداد معارض، مشابه، بات يخذل تواقيع الحبر والدم، وهوما استغله المتردِّد، ونفخ في أواره من يروم استئصاله، وإني لأذكر- هنا- وعيد من دأب التردُّد، على أوكار النظام، وبات بين ليلة وضحاها، معارضاً، فقد كان يتوعد الكردي، في مدونة “بينية” لأعضاء المجلس الوطني السوري، بما معناه، دوركم بعد سقوط الأسد، ولا أدري ألا يزال، في موقعه، أم أصبح قائداً في مستنسخات النصرة، وداعش، ومشتقاتهما القذرة…..!.
ولعل ما تعرّض له-حملة رسالة الثورة- في الحراك الكردي، من محاولات محو، يجعلهم هدفاً لقوتين، متناقضتين، حيث الأولى، واجهتهم بكل ما هو محرم، من وسائل العنف، بتدرجاتها، المحرَّمة، دون أية رحمة، في غمار معركة بناء الذات، الافتراضية، على حساب ما هو كائن، واقعاً، مستفيدةً، ما توافرلها من أدوات مسخرة، استثنائية، واضحة للعيان، أو متوارية، لم تنكشف، إلا على مراحل، وتجسدت الثانية منهما، بأن كانت الملاذ الناعم، لها، كي تذوب في فضائها، تدريجياً، وهنا، وبغض النظر، عن النوايا الحسنة، وغير الحسنة، فإننا أمام نتيجة، واحدة، لم تكفل حماية المنطقة الكردية، من فلول الدواعش الإرهابيين-وأشباههم المعلنين وغير المعلنين- ممن تسللوا عبر بوابة سري كانيي، مدفوعين ب”الحقد على الكردي” عبر أدوات النظام، أومن تمظهروا بالثورة عليه، وكانوا، في حقيقتهم، “حصان طروادة” ضد صميم الثورة، كما سنجد كل ذلك تالياً،بل وها نجد تفجيرات” فندق هدايا”، بعد أقل من أقل من أسبوعين، على تفجيرات مراقد الخزنويين، الذي لايزال-غارقاً-في غموض مبين، رغم وضوح فحيح هدف هؤلاء الإرهابيين، وهو اسئصال الكردي، من جذوره، في هذا المكان، أولاً وأخيراً…!؟.
المراجعة النقدية، لحدي آذار- وآذار عند الكردي غابة آلام وعذابات في قدرية غير مسمَّاة- تصطدم بذيول أرديتها، وهي منتهية إلى علامات “منع المرور”، بادئة بمصادرة رأي الناقد، الحصيف، مالم يتخل عن دوره، الريادي، كي يكون مجرد إمَّعة، ببغاوي، يكرِّر ما يمليه، ليس السياسي، وحده، بل و تابع ، تابعه، المصفق، وإلا فقد يغدو دريئة سهام كل هؤلاء، وهي محنة كبرى، لعلها وراء عدم مقدرة المثقف الطليعي، ضمن هذا الفضاء، كي يكون تحركه وسط حقل ألغام، ومن هنا، فإننا نجد كم أن النتاج -الآذاري- ضحل، بل والأشّ وطأة، من كل ذلك، أن يصبح هذا التنويري- معطوب الدور-لأول وهلة، أسير مثبطات هائلة، وهو نفسه وراء عطالة دوره، بل هو نفسه وراء عدم عثورنا على أية “مدونة” نقدية، لنقطة الانطلاق الآذارية، تتجاوز حدود “الوقائع”، غير المدونة، أصلاً، لاسيما أن رموز –الكتابة- غدو مطلوبي الرأس-من بعض من حولهم، لاسيما “الطارئون” منهم، وما الموقف من الشهيدين: مشعل التمو- ومعشوق، إلا ترجمة للكم الثأري الذي نجابه به كل من يخرج-عن صمتنا- وهوما يسهل من هذا الأنموذج، كي يكون دريئة حقد النظام، عبر أدواته: المباشرين، أو غير المباشرين.
والمثقف -وفق كل هذا- ليس مكتوف اليدين -إلا ما ندر- في مواجهة ما يتعرض له، و هو الذي تنوشه أحقاد النظام، بل أحقاد أبعاض الأهلين، بل إنه ليسلس-أمام سلطة إضافية، لها رهبتها، وهي طالما استخدمت أدواتها- بشكل خاطىء- ضد مثقفها، منذ د.نوالدين ظاظا، و أوصمان صبري، وجكرخوين، ومرورا ب”التمو” و”الخزنوي” .. وليس انتهاء، بآخر مثقف، يقول: لا، لهذه السوءة، أو تلك، من منطلق “الغيرة” و”الحرص” أو” توثيق الوقائع”، ليكون هدف ألسنة نيران من هم ضحايا”غسل الدماغ”، من الغوغاء، في توصيفهم، الحقيق.
لم يعط المثقف، وهوهنا: المتفاعل مع قضايا أهله- أيَّ مجال- طوال هذا الشريط الزمني، وقد كان عنواناً مهماً، في الانتفاضة، بل ومنذ بداية الثورة، ولعل سلبية السياسي، تجاهه، بدت من خلال التنكُّر لدوره، في المجلس الوطني الكردي، بعدأن كان من بناته- كما في حالة رابطة الكتاب والصحفيين الكرد- بل كان ردُّ “بعض الطارئين” من الساسة، أن قاموا بمواجهة أولى هيئة ثقافية، اندلعت من رحم الانتفاضة، وتفاعلت مع الثورة السورية، وكانت السباقة لقرع الأجراس لعقد المؤتمرات “في الخارج” والدعوة لوحدة أطراف الحركة الكردية، عبر حملة تواقيع “بينة”، وذلك من خلال الاعتماد على أبعاض “أشباه المثقفين” ما داموا يقبلون على أنفسهم، كي يكونوا بمثابة” مكتب عرضحالجي إعلامي “لتبييض صحائفه، وترجيح موازينه، وكانت رابطة الكتاب، من توجهت إليها الأطراف-المتناقضة- لنسفها، مادامت تعلن استقلاليتها، ولا تبعيتها، وهوما جعل الممارس بحقها، إعادة لما تم بحق الحراك الثوري، من لدن القوتين: العنفية، والناعمة، في آن.