بكاء علي خامنئي على جثمان قاسم سليماني

 إبراهيم محمود
لا بد أن بكاء علي خامنئي ” 1939-…”مرشد الثورة الإسلامية في إيران، على جثمان قاسم سليماني في طهران العاصمة ” وهو أمر له دلالته طبعاً ” لفت أنظار الكثيرين في المنطقة والعالم أجمع. غير أن السؤال هو: ماالذي أُريدَ من وراء بكائه ؟
هذا السؤال يفجّر/ يستولد أسئلة أخرى: كيف لمرشد ثورة إسلامية، وله موقع اعتباري ديني ودنيوي، أن يبكي بهذه السهولة؟ هل لطاعن في السن ” أكثر من 80 عاماً ” أن يبكي بسهولة؟
هل كان بكاؤه تمثيلاً؟ هل تراه تعبيراً عن علاقة حميمة بالجاري…أم ماذا؟
ما يهمنّي كباحث، ليس كمتأثر ببكائه، وإنما بتوقيت البكاء وفعله، بأهمية البكاء من رجل/ زعيم روحي، في هذا الظرف، وهو متلفز، بما يتعدى حدود الرسالة.
ما أريد قوله، هو عدم الاستهانة برجل كهذا، وهو لايزال يتقد نشاطاً، ويتابع كل شيء دون أن يسنده أحد، أو يتكىء على عكازة” هذا جانب مهم في وضعية عمْرية كهذه “، ووجوب النظر إلى شخصيته في التاريخ الإيراني المعاصر، وارتباطه بما سبق تاريخياً، والتخلي عن خرافة المتردَّد ” أصحاب العمائم “، حيث الحديث عن السياسة لا يعني وجود سياسة ” صلعاء ” أو ” سافرة ” أو ” سكسوكية”…الخ، إنما ما يتحرك ” تحت ” العمامة .
ثمة علاقة حميمة بسليماني، بدوره، وموقعه…الخ، وهذا ما بات مألوفاً. سوى أن الأهم قوله، هو أن خامنئي لم يبك، إلا لأنه لم يريد حصول ذلك، وأن بكاءه شهادة عيان ذاتية، على وعي آخر كان يرتسم في أفق وعيه السياسي.
عدا عن ذلك، هو أن خامنئي يتكلم، ويصدر فتاوى، كما يصدر قرارات، انطلاقاً من مراكز بحوث إيرانية مقرّبة، وأن هذا الرأس ” العماماتي ” محل استقطاب لعشرات الملايين .
وفي بكاء خامنئي ثمة ما يشغل الذهن، ودهاء الرجل، وهو سليل شخصيات تاريخية إيرانية معروفة بمدى سطوتها، حيث إن إيران تاريخياً، كانت المتنفذة، حتى في أوج خضوعها لاحتلالات خارجية: يونانية، إسلامية، بريطانية…أي كانت تهزَم” أي بلاد فارس ” دون أن تقهَر، وهو ما أثبتته الأحداث في عصرنا الحديث، وحتى اللحظة. 
وأن أتحدث بالطريقة هذه، دون أن أقيّم خاصية السياسة الإيرانية، إنما هو النظر في قوتها!
فهذه القوة التي بلبلت العالم ” أميركا بالذات ” والمنطقة في الواجهة، وغيَّرت في بنية التعاطي السياسي مع المستجدات، وما في ذلك من ” عولمة تشيعية فارسية “، وجعلت من إيران مدرَكة حتى على مستوى الإنسان العادي في أماكن شتى في العالم، لا يجب الاستخفاف بها.
وخامنئي دارس محنَّك، ومطَّلع على ما هو سياسي وفلسفي واجتماعي وديني ذاتياً، ومن خلال مستشاريه وخبراء أكاديميين محل ثقة، ليكون بكاؤه لحظة تاريخية مكثَّفة، وهي مصورة،وفي مشهد تراجيدي إيراني، ومن يتبعون سلطته الروحية والسياسية في المنطقة وخارجها، بكاء زعيم إيراني وأكبر، وأن الإقدام على إطلاق مجموعة صواريخ هنا وهناك وفي مواقع محددة، لها دلالتها كذلك : قرب العاصمة العراقية، وأربيل، أكثر من لعبة استعراضية، وهو إذ يبرز بهذه ” اللقطة ” فللتعبير عن شخصية كاريزماتية ذات صيت عالمي، وما يشفع له، هو مدى الانشغال العالمي بمكانة إيران، بصدد المفاوضات معها، حول الجانب النووي لديها، وحتى الرغبة العالمية: الأميركية- الأوربية بإمكان التصالح مع إيران،وتجنب التصادم معها، وأنه بطريقته هذه، كان يفصح عن خبرته بالتركيبة النفسية لإيرانييه.
ليكون بكاؤه تنويراً بمعنى ما، ومن نوع خاص، وإفصاحاً عن قوة وليس عن ضعف، وإعلاماً للذين يتحدونه ” ترامب أو غيره “، على أنه لن يقهر، وأن تحت عمامته قوة جموع إيرانييه بالملايين وأكثر.
وأهم الأهم، هو ما يذكّرنا بفيما إذا كان هناك ما يناظره جهة الاستقطاب كردياً وغيره.
الأمر الثاني، هو ألا نقيّم ” العدو ” عاطفياً “، إذا أردنا اعتماد عقلنا بمفهومه الواسع!
ملاحظة: لم أقبض أي تومان أو ريال إيراني على مقالي. هل من داع للإثبات ؟
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…