سوريا .. ومشنقة المصالح

عزالدين ملا
  يرزح الشعب الكوردي في سوريا منذ عقود طويلة تحت وطأة الظلم والقهر والحرمان على يد نظام دكتاتوري مستبد، لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، تحمَّلَ مشقة تلك العقود، فقط، لأنه كان على يقين، أن باب الفرج قادم، ولا بد ان يأتيَّ يوم ويخرج من العتمة إلى برّ الأمان، والخلاص من جور الحكم الفاشي.
ما ان هبّت رياح الحرية، اشتمّ رائحة عطر خلاصه، خرج متلهفاً، ماشياً، راكضاً، يساند أخاه العربي في درعا، وحاملا لافتة مستقبله، الذي انتظره سنوات عديدة، دوي صوته يصل عنان السماء، نبراته مليئة بالشجون، لأمل طال انتظاره، مستقبل مشرق، بدا ملامحه يظهر رويداً رويداً.
لكن!، ما لبث ان تلاشى ذاك العطر، وتبددت آماله، وتلاشى بريق حريته وكرامته، ما ان انحرفت تلك الثورة عن مسارها لأسباب عديدة، وكذلك كَثُرتْ الأيادي التي تدخلت في شؤونهم، صارت كالمثل القائل “كثرة الطباخين احترقت الطبخة”، فالدول التي تدخلت لحل الأزمة السورية عامة وكوردستان سوريا خاصة، حولوها إلى ساحة صراع للمصالح والنفوذ، ومنها مددوها إلى خارج نطاق الساحة السورية، فقط لإشباع غريزة أمريكا النفذوية والاقتصادية، وغريزة روسيا المافاوية والارهابية، ومهمة الدوليتين أمريكا وروسيا ابتزاز الدول، وعرقلة مصالح دول أخرى، وحماية أمن إسرائيل، وذلك لاحتكار الاقتصاد والممرات المائية لصالح هيمنة أمريكا العالمية.
ان يتحول هذا العربي السوري – الذي كان ينادي بالحرية والكرامة واسقاط النظام الدموي والديكتاتوري، وسانده أخيه الكوردي- من شعبٍ مظلوم إلى جلاد على الشعب الكوردي، وترك مصير أهله وشعبه تحت جور وإرهاب ذاك النظام الذي خرج في البداية مناديا بإسقاطه، واتجه حاملا السلاح على الشعب الكوردي واخراجه من أرضه.   
ما يجري الآن في كوردستان سوريا من تدخل سافر للنظام التركي واجتياحها مع المليشيات الارهابية للجيش اللا وطني، وتحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن، متجاهلا لكل ما قدمه الكورد من تضحيات ضد أعتى تنظيم إرهابي داعش نيابة عن العالم كله ودفاعا عن الأمن والسلام العالمي، كلُّ ذلك يأتي من ضمن تلك اللعبة المصالحية، ولكن ما يُعير نفوس شعبنا الكوردي في كوردستان سوريا أمران، الأول هو ان أكثرية الشعب العربي في سوريا لم يترك عنصريته وحقده الدفين ضد الكورد، بدل ان يخرج غضبه وقوته ضد النظام الفاشي والدموي الذي دمر مدنهم وبلداتهم وشردوا أبنائهم، أخرجه ضد الكوردي الذي لم يكنَّ له سوى يد العون والمحبة والأخوة. 
والأمر الثاني، هو تلك الانشقاقات التي أضرّت بالرُؤى والحقوق الكوردية المستقبلية، والتي أتت من العقلية المتسلطة المرتبطة بجهات معادية لكل ما يرتبط بالكورد وحقوقهم، تلك العقلية التي لم تتوانَ لحظة إلى تغيير بوصلة طموحات الشعب الكوردي في كوردستان سوريا 180 درجة عن مشروعهم القومي والوطني في سوريا المستقبل.
وهنا، يتطلب من الغيورين من الحركة الكوردية ومن الوطنيين الشرفاء التحرك وبأسرع وقت أكثر مما مضى، فقطار الحرية والكرامة والعزة يفوتنا، والدول تتعامل مع القوى السياسية التي تتلاقى مصالحها
مع مصالحه، ولن نكون تلك القوة السياسية إن لم نكن مجتمعين وذو هدف وموقف واحد، علينا ان نعمل بروح المسؤولية والغيرية، فالفرصة لن تأتي دائما.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…