مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كردستان – الجزء السادس

د. محمود عباس
من الغزو الإسلامي العربي، إلى توطين الغمريين، إلى خطة أردوغان في نقل 3 مليون مهاجر ولاجئ سوري إلى المنطقة الكردية.
توقفنا في الحلقة السابقة على المعادلتين اللتين تضعهما تركيا أمام الأوربيين لتمرير مخططها في شرق الفرات، وهما: 
1 استقبال المهاجرين ودفعهم بالتوجه نحو أوروبا، بعدما أظهرت للعالم على أنها قدمت خدمات إنسانية للشعوب السورية، وعلى أثرها حصل على مساعدات مادية ولوجستية لا تحصى، وفي الواقع فحكومة أردوغان هي من جندت العصابات المختصة في نقل المهاجرين عبر البحار أو من خلال الحدود البرية، وكلفت مجموعات أخرى للترهيب، وسمحت لمافيات الإتجار بالأعضاء البشرية بالعمل بحرية على حدودها مع بلغاريا واليونان.
    ولتعجز أوربا عن قبول شروطها، فرضت عليها تقديم مساعدات مادية ضخمة. تقول أوروبا أنها دفعت ما كان متفقا عليه، لكن حكومة أردوغان صرفت في غير مجالاتها، وبعضها غير معروفة أين هدرت، وكيف؟ والحكومة التركية تدعي أنها لم تستلم نصف المبلغ المقرر وقد كان قرابة 6 مليار دولار، وقد صرفت من ميزانيتها قرابة 40 مليار دولار!؟ حاول ترسيخ الرقم مع الرئيس ترمب، في مقابلتهم الصحفية على هامش مؤتمرهم الأخير في واشنطن، والرقم كان منقولا من أردوغان إلى ترمب أثناء الاجتماع كانتقاد على مواقف الدول الأوربية من التجاوزات التركية في المنطقة، دون أن يتبعه بحث من قبل الأوربيين أو الأمريكيين في القطاعات المالية التركية ولم يطلب منها تقديم وثائق بالمصروفات.  
2- أو أن تقبل الدول الأوربية بمشروعها في إعادتهم إلى المنطقة الأمنة، شرق الفرات، المطالبة بإقامتها على طول حدودها مع سوريا، والممتدة قرابة 444 كم وبعمق 32 كم، مدعية أنها لا غاية لها في التغيير الديمغرافي للمكون الكردي، بل لهدفين القضاء على قوات الـ ب ي د وإعادة السوريين إلى بلدهم. ورغم أن المد توقف على جغرافية بعمق 25 كم وطول 100 كم، بعد ترسيخها في منطقة غرب الفرات، جرابلس والباب وإعزاز وعفرين، إلا أن المخطط لا يزال قائما واحتمالية إثارته متوقعة في أية لحظة، وهو متوقف على الإشكاليات المثارة ما بين قضية إدلب في سوريا، وليبيا، والتي أخذت حيزا غير قليل من الاهتمام التركي الأوروبي.
لا فرق ما بين الفتاوي التي سمحت أو بررت بعد الغزوات العربية لخارج شبه الجزيرة العربية بتوطين القبائل العربية في مناطق كردستان الجنوبية والغربية المحتلة، والقوانين التي أصدرتها سلطتي البعث والأسد لتبرير الاستيلاء على جغرافية كردستان وتوطين الغمريين العرب فيها، وما تقوم به سلطة حزب العدالة والتنمية، تحت حجة إعادة المهاجرين السوريين، كبعد إنساني، إلى وطنهم.
 وفي جميع المراحل كان لا بد من تجنيد شريحة من الفقهاء وكتبة البلاط والقانونيين والباحثين لإيجاد المبررات لمخططات الاستيلاء واحتلال كردستان، متناسين أن العملية كانت بإمكانها أن تتم في منطقة الفرات الجنوبية، حيث المشاريع الزراعية المتنامية بعد الانتهاء من بناء السد، وحيث الألاف من الهكتارات التي خططت لتحويلها من حالة البور إلى أراضي زراعية، وكانت تحتاج إلى الألاف من اليد العاملة، ولقلتها بعد نقل تلك القبائل إلى جنوب غربي كردستان، فشلت معظم تلك المشاريع، وخسرت الدولة الألاف من الهكتارات الزراعية، وتمدد التصحر فيها، وسادها التملح، وبالتالي خسرت سوريا اقتصاديا المليارات، لكنها كسبت بالمقابل بعنصريتها في احتلال جزء أخر من جغرافية كردستان وتمكنت من إحداث مرحلة مضافة في التغيير الديمغرافي للمنطقة، وهو ما يطمح إليه أردوغان الاستمرار فيه، بمساهمة فصائل التكفيريين العروبيين من المعارضة السورية، بعدما خسرت المنطقة الكردية نصف سكانها وأكثر على مدى السنوات السابقة، على خلفية سذاجة أطراف من الحراك الكردي، إلى جانب العوامل التي تنتجها عادة الحروب، في الوقت الذي كان بإمكانهم إعادة المهجرين السوريين من الداخل إلى  مناطقهم الأصلية.
 وعلى هذه المسيرة يظهر بين فينة وأخرى بعض الكتاب العروبيين بمقارنات ديمغرافية بين الكرد والعرب في محافظتي الحسكة والرقة، وعرض أسماء القرى وأعدادهم، متناسين العقود المديدة من الغزو والتعريب والاستيطان العربي، ونحن هنا لا نتحدث عن الهجرات الحديثة للقبائل العربية القادمة إلى المنطقة الكردية والتي لم تتمكن من اجتياز الفرات إلى ما بعد نهاية القرن التاسع عشر، أي منذ ثورات منطقة الحائل، وخساراتهم مع أل السعود وقبيلة العنزة وجحافل الوهابيين المساندين لأل سعود، وفي هذا؛ نوهنا في مقال لنا سابقا، كما وقد كتب فيها العديد من الباحثين والكتاب الكرد، ليس فقط عن الإشكاليات التاريخية وتحريفاتها، بل عن التناقضات الفكرية وعن الوطن والانتماء إليه، ومنطق الإلغاء، وعن مواد الدساتير التي كتبت منذ تشكل سوريا، ليست على سوية مقالات عرضية، بل بدراسات وبحوث علمية موثوقة بمصادر ومرجعيات متنوعة المنابع، لا داعي لذكرهم هنا فأي بحث في غوغل كفيل بتبيان أسمائهم والاطلاع على نتاجاتهم، كما وكتبنا فيها حلقات عديدة ومن عدة أوجه، لذلك لا حاجة لتكرارها، فالجدلية أصبحت مفروغة منها، ولكننا هنا وكمثال عابر نكرر، لتنويه البعض من المتناسين، مسيرة اللوردة البريطانية آن، والمذكورة في الحلقات السابقة، وزوجها في عام 1877م المنطلقين من اسكندرونه إلى حلب، إلى نهر الفرات، إلى الجنوب دون تجاوزه إلى أن بلغوا منتصف منطقة الأنبار ليتحركوا بخط مستقيم نحو بغداد، وبعودة مماثلة مرو من شمال بادية الأنبار، وجنوب منطقة جبل سنجار، ونشرت كتابها عن مقابلاتهما مع رؤساء العشائر العربية الكبرى الذين لم يكن أي منهم قد اجتاز الفرات شمالا، وكانت مراعي القبائل العربية المهاجرة تمتد ما بين حائل ونهر الفرات جنوب منطقة الجزيرة، واستمرت هذه الوضعية الديمغرافية إلى بدايات القرن الماضي.
فما قامت به السلطات العربية الإسلامية سابقا والعروبية على مدى العقود الماضية، وما تقوم به تركيا حاليا، من التغيير الديمغرافي، وبأساليب متنوعة، مع تغطية إعلامية للتغطية على عنصريتهم، والتي يتم تصديقها، أو تتلاءم ومفاهيم شريحة واسعة من المثقفين والباحثين العرب، وما ينشرونه من تحريفات لتاريخ الكرد والعرب في كردستان المحولة إلى جزء من الوطن العربي، إلى جانب البحوث السياسية-التاريخية المغرضة بإتقان عن قضايا ديمغرافية -جغرافية للأمة الكردية، أضعفت العلاقات الكردية-العربية إن لم نقل أنها خلقت شرخا بين الشعبين أصبح من الصعب ردمه، علما أنها كانت حتى العقود الماضية، أي قبل هيمنة السلطات العروبية، ورغم ما تم في السابق، طيبة تسودها الوئام، تحت منطق التعايش ضمن الأمة الإسلامية، والشراكة في الوطن، رغم تكوينها كدولة سياسية لقيطة.
ومن المؤسف أن تصاعد عدم مراعات حقوق القوميات والشعوب والأديان غير الإسلامية، تحول هذا الوطن الجامع إلى غابة. وما يجري الآن في جنيف من قبل لجان كتابة الدستور السوري، بطرفيه المعارضة والسلطة، وبينهم مرتزقة أردوغان، يحاولون ترسيخ النهج الإلغائي السابق المؤدي إلى ما عليه سوريا اليوم والتي ستزيد من الدمار واحتمالات استمرارية الحرب الأهلية.
ولنبقى ضمن الوطن الواحد الشامل للجميع، كما يروج له في هذه الفترة، على الشريحة من الحراك الثقافي- السياسي العروبي، العمل على:
1 تشذيب نزعة الاحتلال، المترسخة في لا شعورهم، وفي أذهان نسبة من الشعب العربي على مدى قرون طويلة، والاعتذار عن الجرائم التي افتعلتها سلطاتهم السابقة والحالية، بحق الوطنية والقومية الكردية.
2 إعادة النظر في مخططات التعريب والتغيير الديمغرافي، كحل قضية الغمريين، وإخلاء الألاف من الهكتارات المستولية عليها لأكثر من 300 قرية كردية، وإعادتها لأهلها الأصليين.
3 الجلاء عن مناطق عفرين والباب وجرابلس وما بين سري كانيه وكري سبي، وإنهاء الاحتلال.
4 الاعتراف بفيدرالية المنطقة الكردستانية، بل ومن الأفضل لكل شعوبها؛ إقامة نظام فيدرالي لا مركزي في سوريا القادمة.
5 كتابة دستور وطني، يضمن حقوق الجميع ضمن جغرافية سوريا السياسية، يعترف فيها بالكرد كقومية ثانية، والحرص على حقوق جميع الأقليات الدينية والعرقية.
 حينها بالإمكان تصديق المطالبين بالشراكة الوطنية، وبالعيش المشترك ضمن الجغرافية السياسية الواحدة؛ والتي يجب أن تسمى بالجمهورية السورية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
15/9/2019م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…