يبدو لي وكأن أحد مشاكل العمال
الكردستاني، وزعيمه، أنهم آخر من يعلم. والمشكلة الأكبر من هذه، أنه يسعى إلى
إقناع نفسه والآخرين، بأن مكتشف ما لم يكتشفه أحد غيره، من قبله!. بدليل:
1 – حين كانت الاحزاب الكردية لا
تطالب الدولة القومية، وتطرح شعارات معتدلة كالحكم الذاتي، طالب العمال الكردستاني
بالاستقلال والتحرير التام لكردستان، معتبراً كل من يخالفه الرأي والموقف، بأنهم
انهزاميين وانبطاحيين، وكمبرادوريين، وقوميّة بدائيّة وإصلاحيين وأحزاب كرتونية!،
تنازلوا عن الحقوق القومية للشعب الكردي، وخونة وعملاء للنظم التي تتقاسم الكرد
وكردستان…. إلى آخر لائحة التهم – الشتائم هذه، التي لا نهاية لها. أمّا
الآن، ينظر العمال الكردستاني وزعيمه ومحازبيه، بعين المقت الرجعيّة إلى الدولة
القوميّة، معتبرين الفيدرالية والحكم الذاتي، تخلّفاً ومن مفرزات الدولة القوميّة،
التي انتجتها الرأسماليّة العالميّة، وحداثة هذه الرأسماليّة، ومابعد حداثتها!.
اعتبر الكردستاني نفسه ممثل الاشتراكية!. وحتى بعد انهيار جدار برلين ودول
المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي، بقي العمال الكردستاني على يساريته،
معتبراً نفسه رائد الاشتراكية العلمية وحامل لواءها!، وانه يحضر للاممية الرابعة!،
وان كل الاحزاب الشيوعية كانت مزيفة ومنحرفة وضالة، وانه الوحيد الحزب الثوري
المخلص للاشتراكية، وهو الذي سيبنيها ويعلي صرحها في كردستان، ويجعل من الكرد بناة
الاشتراكية والشيوعية في العالم…
في سنة 1995، وفي المؤتمر الخامس للحزب،
غيّر العمال الكردستاني علمه وازال المطرقة والمنجل منها، ولكنه
لم يتخلَ عن طروحاته الطوباوية في تبنّي الاشتراكية العلمية، وانه رائدها الأوحد،
لا زيدُ او عمرو؟!.
3 – بعد ان وصلت الديمقراطية مرحلة
الاشباع في الغرب، وصارت الدول والمجتمعات تتجه من حماية حقوق الانسان
في مجتمعاتها الى حماية حقوق البيئة والحيوان، بدأ العمال الكردستاني وزعيمه، عقب
اعتقاله، يكتشف الديمقراطية، وبل يزايد على الدول الغربية وديمقراطيتها، وان ديمقراطية
هذه الدول، فاشلة ومزيفة، كونها نتاج الحداثة الرأسمالية الامبريالية… وان
العمال الكردستاني، هو رائد الحضارة الديمقراطية، هو الذي سيحقق الجمهورية
الديمقراطية، والامة الديمقراطية، والادارة الذاتية الديمقراطية. وان مشروع او طرح
الادارة الذاتية الديمقراطية، هو الحل الانجع والافضل للقضية الكردية، ليس في
تركيا وحسب، وبل في كل اجزاء كردستان!. وان الديمقراطية الاوروبية والامريكية لا
معنى لها، ولا وزن لها، امام الامة الديمقراطية التي يطرحها الكردستاني؟. ليس هذا
وحسب، بل يطالب الدول الغربية بمراجعة نفسها، وتبنّي طروحاته وأفكاره حول نظم
إدارة الحكم والمجتمع والدولة!!.
هذا النفس والوعي المزايداتي، المزمن، لدى
العمال الكردستاني وزعيمه ومحازبيه، لا يكاد يفارق الحزب، منذ تأسيس الحزب، ولغاية
هذه اللحظة. وفي كل مرحلة، من المراحل التي مرّ بها الكردستاني وزعيمه التي أتينا
على ذكرها، حاول الحزب الدفاع عن طروحاته بشكل متطرّف، وسعى الى فرضها على الكرد،
أيضاً بشكل متطرّف.
وإذا كان قوام الديمقراطية هو التراكم
الخبراتي من الممارسة العملية، وليس التنظير والثرثرة واللغو الكلامي الفارغ
غير المنتج، الأجدى بأصحاب مفهوم أو مشروع او طرح “الامة الديمقراطيّة”
أن يحققوا هامشاً من الديمقراطية ضمن مؤسسات حزبهم، ثم ضمن البيت الكردي او البيئة
الكردية، وتقبّل المختلف كما هو موجود، لا كما ينبغي أن يراه ويريده العمال
الكردستاني؟ وبعد ذلك، فليتجه الى محاولة اقناع الترك والعرب والفرس بطرحهم هذا.
ذلك ان فاقد الشيء، لا يعطيه.
بمعنى، مفهوم الامة الديمقراطية، لا يمكن
فرضه عنوة وقسراً على الناس عبر الدستور (العقد الاجتماعي) الخاص بحزب
ب ي د! ولا يمكن فرضه على الاطفال عبر مناهج التربية والتعليم، كما يفعل ب ي د؟!
هو طرح مستقبلي، طوباوي، يمكن ان يتحقق، في حالة واحدة فقط، بأن تصل الحالة
الديمقراطية لدى الكرد والترك والفرس والعرب والسريان والاشوريين، وباقي الاقليات
القومية والدينية والطائفية، إلى درجة الإشباع، بحيث يرى هؤلاء ضرورة الاتجاه نحو
نظام، يتجاوز الحال القومية والدينية والطائفية والمناطقية إلى حالة جديدة أوسع
وأكثر رحابة. أية حالة الاندماج الطوعي والتلقائي التي تكون نتيجة تراكم الخبرات
والممارسة الديمقراطية لدى هذه الشعوب والمكونات. وهذا أمر صعب جداً، إن لم يكن
مستحيلاً وخيالاً، يمكن تحقيقه خلال قرون. يحضرني هنا مقولة للينين بما معناه:
“الهدف من الاشتراكية ليس فقط خلق حالة تقارب بين الشعوب، وبل دمجها. ولا
يمكن ذلك، إلاّ بعد ان تتمتع هذه الشعب بحق تقرير المصير. وتتجه طواعية إلى
الاندماج في إطار جديد”. بمعنى، يجب على الآبوجيين أن يعرفوا، أن مفهوم
الامّة الديمقراطية، لم يبتدعه اوجلان، بل هو موجود سابقاً، وفق تعريفات أو
توصيفات أخرى. ربما أوجلان اكتشفها للتو!.
والأهم من ذلك، ليست وظيفة الكرد جعل
الترك والعرب والفرس والسريان والتركمان…، ديمقراطيين خالصين،
حتى يقبلوا بطرح او مشروع الامة الديمقراطية ويروا انه من مصلحتهم الاندماج فيها؟.
اعتقد انه ينبغي على حزب ب ي د، ان يطبق
الديمقراطية داخله أولاً، ثم يطبقها في الوسط الكردي وتقبّل الآخر
المختلف المنتقد ثانياً، ثم عليه اقناع الآخر بالوعي والسلوك الممارسة الديمقراطية
الخالصة التي يمارسها، ثم يقنع العرب والسريان بجدوى طرحه ومشروعه….، وفي ما
بعد، فليأتي محازبو ب ي د للتحدّث عن مفهوم او مشروع الامة الديمقراطية، وأهميّة
وضرورة هذا الطرح، لا أن يرددها بشكل ببغائي، حزبوي، اوتوماتيكي، لمجرد ان اوجلان
طرح هذا المفهوم – المشروع، أو ان العمال الكردستاني تبناه؟!. ذلك أنه لو كان حزب
ب ي د مقتنع بالامة الديمقراطية، يجب عليه الاصرار عليه حتى لو تخلى عنه اوجلان
والعمال الكردستاني، واتجها الى تبني خيار جديد، كأن يكون مثلاً؛ “الملّة
الديمقراطية” أو “القبيلة الديمقراطية” أو “السجادة
الديمقراطية” أو “العربة الديمقراطية” أو “السوق
الديمقراطي”، على حزب ب ي د، لا أن يعود الى المربع الاول، وتبنّي ما طرحه
أوجلان مجدداً، بشكل ببغائي وتلقائي، كما يفعل في كل مرّة.
مفهوم الامة الديمقراطية، هو مفهوم ملتبس
ومفخخ، لا يمكن الاخذ به، على عماها هكذا، او كيفهما اتفق، لمجرّد
أن أوجلان هو من طرحه أو هو صاحبه. زد على كل ما سلف، ينبغي ان يخضع هذا الطرح –
المفهوم، الى مراجعة نقدية من قبل قيادات ب ك ك – ب ي د، وانصار هذا الحزب، قبل ان
يصار الى فرضه وتكريسه ونمذجته على المجتمع، عبر وسائل التربية والتعليم والاعلام،
وصولاً الى أن تكون “الامة الديمقراطية” لسان حال الكرد، بالغصب
والاكراه!. ذلك ان الوعي والسلوك الديمقراطي متلازمان.
مهما عظُم شأنهم، لا يمكنهم التفكير بالنيابة عن الشعب. ذلك انه من افظع واشنع
انوع الدكتاتورية الذاتية، انه يمنح الحزب والشعب التفويض المطلق للزعيم، كي يفكّر
ويقرر بالنيابية عن الشعب، كيف يجب أن يكون مصير الشعب!. وأسوأ المنافقين
والمضللين والدجالين، هم الذين يتورّطون في تعزيز الوهم لدى الشعب بأن القائد هو
من يعرف مصلحة الشعب أفضل وأحسن من الشعب ونخبه؟!.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك