ثلاثة ثعالب في مصيدة الكتابات الكردية

 ابراهيم محمود

أما الثعلب الأول، فهو ” صالح مسلم “، وله
حصة الأسد في التعرض له، وتقليب شخصيته على وجوهها! هو المتحول، وهو الزئبقي أيضاً،
وهو المشدّد على رأيه، وهو السريع الانتقال إلى موقع آخر وآخر وآخر، ويتراءى كثير
الثقة بنفسه .
أما الثعلب الثاني، فهو ” آلدار خليل “، حيث يسهل تعقُّب الكثير
من الكتابات الكردية عنه: مقالات وتعليقات فيسبوكية، وهو في مآلها، يتهرب من أسئلة
كثيرة، ويراوغ في الإجابات، ولا يخفي ضحكة لها دلالتها إزاء مواقف محرجة، أو تظهِره
المسيطِر على المكان، بقدر ما يعطي عن نفسه صورة المنتصر أينما ارتحل وحل، ليكون
الغالب غالباً .
أما الثعلب الثالث، والجدير بالتسمية، فهو ريدور خليل، والذي يبرز في ” لقطاته ”
ببزته العسكرية، كما لو أنه قائد جبهة حرب عالمية، وأن كل ما يتفوه به، وينفّذه،
إنما يعود إليه، أي ما يخصه من صلاحيات ، وبكاريزما صريحة متلفزة .
ثعالب ثلاثة،
تنتمي إلى ” pyd “، كردية النشأة والحضور والممارسة . إنه الحزب الحديث العهد طبعاً
” 2003 “، والذي بالكاد تجاوز سن الطفولة ” العليا ” ليكون له كل هذا الرصيد
الجماهيري أو هذا التحكم بالأرض خارج حدوده بالذات.
ولعلم من يريد أن يعلَم، فإن
صفة ” الثعلب ” لا تأتي من باب الذم، إنما هي تتمثل في المقدرة على التحرك، وحتى
السرعة في الالتفاف على ” الخصم “، وفي الأوقات الحرجة، لئلا ” يُقبَض ” عليه، وهو
محل تقدير واعتبار لدى الإيطالي مكيافللي صاحب كتاب ” الأمير ” الذائع الصيت، إذ إن
الأمير، ولكي يكون أميراً، وهو محاط بالأعداء والخصوم ومتربصي الدوائر به، عليه في
هذه الحالة أن يكون ثعلباً، والمتميّز بممراته وقابليته على النجاة بروحه .
لا
بأس أن يكون هؤلاء الثلاثة ثعالب من نوع كردي، وفي ” روجآفانا ” الكردية، وربما،
كانت الثعلبية من السمات المطلوبة بالنسبة للكردية ليتمكن المجسّد لها أقدر على
الثبات في المكان .
سوى أن السؤال الناهض بنوعه الكردي مقاماً: كيف يمكن توصيف
الذين يكتبون عن هؤلاء ” الثعالب ” الكرد، أو يقيّمونهم ؟ وأي وصف يمكن أن يليق بهم
وهم في الطرف الأبعد من المعايشة الفعلية مع الجاري كردياً ؟
ليس إعجاباً بهؤلاء
الثعالب، ولا شماتة بهؤلاء الكتاب وحزبييهم وهم يركّزون عليهم، إلى جانب قائمة
لافتة من النعوت المختلفة والتي ألِفتها الذاكرة الجمعية الكردية بدمغتها الحزبوية
في المجمل، وأنا أشير إلى مفارقة الكرد فيما يفكرون فيه، وفيما يحاولون تشخيصه، دون
أي قدْر من الاحترام للذات، أو التفكير” مجرد التفكير ” في الوصفة اللائقة بهم
.
من طبائع الثعلب أنه لا ينسى وكره، وهو متعدد المرات، وأنه يحيط علماً ببيئته،
بقدر ما يتعرف على كل موجوداتها، ويقدّر نوعية القوة و” الوثبة والشقلبة الخاصة،
والتي تتطلبها كل حالة. والثعلب حيوان أرضي، يتداخل جسمه مع جهاته، بقدر ما يكون
جلي التكيف مع وسطه الجغرافي،وله ميزة الاستماتة في حماية صغاره ” الهجارس ”
.
والثعلب ثعلب، ويستشار كثيراً، كما تقول الحكايات والأقوال المأثورة أيضاً
.
في الجانب الآخر، ماذا يحضر في الذهن وملء النظر بالنسبة للذين يطلقون النعوت
سالفة الذكر على أولئك ؟
أي أرض تكون لهم، وأي موقع يتسجل باسمهم، وأي ممر يمكن
أن يحظى باهتمام أحدهم، وأي حماية معتبَرة ينوَّه إليها وتكون لصالحهم، وأي مكيدة
يتمثلونها وسجلوها ضد أعدائهم وخصومهم، وليس ضد بني جلدتهم طوال عقود زمنية ؟
من
الجميل أن يكون المرء ثعلباً، إذا أدرك أن الثعلب رتبة لا تتاح لأي كان، إذا انعدمت
الرتب، أن يعيش الثعلبية، إذا كان لها أن تسعفه في تأكيد وجود معين، أن يستدعي
الثعلب، وهو محاط بالمكايدين له .. ويبقى بؤس المقام، كما هو بؤس الكلام، حين يظهر
مفلساً، في عراء التاريخ والجغرافيا، لا يحسن تدبير نفسه، بقدر ما يحتاج دائماً إلى
عكازة تسند حِيله المضعضع، ومقوّي سمع، ليتمكن من الإصغاء ولو بشكل متقطع، وإلى
جهود مضنية، ليقول جملة، قد تكون مفيدة، في الواقع العملي، من بين عشرات، وربما
مئات الجمل، ترمي به خارج كل تصنيف، يستحق أن يكون كردياً بصورة ما.
في ضوء
الجاري، كيف ينظر الكم الكبير من ” طبّاخي ” أمّة الكرد المتشظية، إلى أنفسهم، حيث
رائحة طبخهم تزكم الأنوف، وتسمّم البدن ؟ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…