خلو
جدتي (إيمو) التي كانت تبلغ ثمانية سنوات عندما التحقت بقوافل الهاربين من
جحيم المجازر الرهيبة كانت تقول أنقذني رجل كان اسمه (أحمد أغا) ذلك الكردي الهرم لينتهي بنا المطاف إلى حيث أنا الآن
ومضت إلى مثواها الأخير من دون أن تلتقي بمن تبقى من عائلتها وإن بقوا أحياء.؟؟؟؟
يصادف
اليوم مرور الذكرى المئوية الأولى للإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد الشعب الأرمني والتي وقعت بين عامي 1915- 1917و راح
ضحيتها قرابة ثلاثة ونصف مليون أرمني بحسب المصادر الأرمنية
الأرمن والدولة التركية ليصل الغضب إلى أوجه بعد أن وصف بابا الفاتيكان بأن ما وقع
للأرمن كان (إبادة جماعية) ثم يعقب تصريح البابا قرار البرلمان الأوربي رسمياً بأن
ما جرى كان إبادة جماعية ,ليخرج بعد ذلك كبير
مستشاري رئيس الوزراء التركي (أحمد داود أوغلو) الأرمني محجوبيان مطالباً الدولة
التركية بضرورة الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن, هذه المقدمة كانت ضرورية للولوج
إلى موضوعنا الأساس فالطرف المسؤول عن تلك الحملات الدموية. قد تم تحديده لأن كلا
الطرفين )التركي والكردي) كل منهم كان يرمي
بالمسؤولية على الطرف الآخر. وهنا لا بد من توضيح نقطة أساسية في هذه القضية
الحساسة، وهو أن المسؤولية القانونية تتحملها الدولة العثمانية التي كان عليها
واجب حماية مواطنيها, أما الكرد وفي حال ثبوت مشاركتهم في هذه الأعمال الوحشية
فتقع عليهم المسؤولية الأخلاقية حيال أخوتهم الأرمن الذين يتشاركون الحياة معاً
منذ ألاف السنين ومن هنا لا بد أن نبحث في المصادر التاريخية و على قلة توفرها لأن
التاريخ يكتبه المنتصرون ولكي نفلح في مسعانا لابد أن نعود إلى الذاكرة الكردية والأرمنية
من خلال التاريخ الشفوي التي تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل ألا أنني لم أفلح في
هذا المسعى فكانت العودة الى ما كتبه المستشرقون حلاً للوصول الى نتائج حول سؤالنا
المركزي وهو مسؤولية الكرد ودورهم في تلك المجازر التي راح ضحيتها خيرة أبناء وبنات
الشعب الأرمني الشقيق هذا الشعب الذي عاش والكرد جنباً إلى جنب منذ ألاف السنين
ولم يشهد التاريخ المشترك بينهما صراعات تذكر حسب ما تخبرنا المصادر التاريخية إلا
أن هذه العلاقة قد تعرضت للانتكاسة أبان الفتح الإسلامي لبلاد الكرد والأرمن فأصبح
الدين الإسلامي أحد العوامل التي فرقت بين الشعبين, أضف إلى ذلك جملة من العوامل
الأخرى لتكون سبباً في تنافر الشعبين عن بعضهما البعض الآخر منها تطور الأرمن واجتيازهم
لمرحلة العبودية والإقطاع قبل الكرد ودخولهم مرحلة الرأسمالية بحكم بقاء الجزء
الشرقي من أرمينيا تحت السيطرة الروسية مما خلق هذا التطور لدى الأرمن حساسية لدى
جيرانهم الكرد فمعظم الأعمال الحرفية والأسواق بين أيديهم فيؤكد الدكتور (كمال
أحمد مظهر) في كتابه (كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى) هذه الحقائق
التاريخية بإسهاب شديد فكانت الأسباب الأنفة الذكر سبباً في خلق التنافر بين
الشعبين إلا أنه يؤكد بأن الشعبين ما كان يجمعهم هو وحدة الحال أيضاً في الجانب
الآخر حيث بلاد الشعبين (الكردي و الأرمني) تحت احتلال الصفويين والعثمانيين فكانت
ضريبة العشر تفرض عليهما بالتساوي وتذهب إلى خزائن الشاهات والسلاطين فكان هذا
أيضاً عاملاً للتقارب بينهما.
ونتيجة
التطلعات التحريرية لدى الشعب الأرمني وخلاصه من مستبديه ظهرت الحركة الأرمنية عبر تنظيماتها الثورية متحدية السلطات العثمانية
لتدخل معها في حرب غير مفتوحة متعاطفين مع الروس في حروبهم ضد السلطنة العثمانية
ودخلوهم إلى جانب الروس في أكثر من موقع لحسم المعارك التي كانت ضارية بينهما كل
هذا دفع بالعثمانيين إلى البحث عن شركاء لمساعدتهم في القضاء على الأرمن وإبادتهم
ولكن لم يتمكنوا من ذلك إلا عندما استطاعوا استمالة الكرد إلى جانبهم مستغلين
الدين الإسلامي كقاسم مشترك بينهم في وجه عدوهم اللدود (الكفرة) وبذلك استطاعوا
كسب البعض من الأمراء ورجال الإقطاع و المجرمين وقطاعين الطرق وبعض الدراويش
والمتصوفين الكرد إلى جانبهم في حربها المقدسة ضد الكفرة الأرمن المسيحيين, ولكي تتمكن
السلطنة العثمانية من استمالة هؤلاء أطلقت يد الإقطاعيين والأمراء الكرد بفرض الأتاوات على
الشعب الأرمني.., لتتابع السلطة العثمانية مسلسلها القذر ضد الأرمن والقضاء عليهم
وإبادتهم مستخدمة الكرد في هذه الحرب البشعة فقامت بتشكيل الكتائب العسكرية
الحكومية في المناطق الكردية وكانت أشرسها وأفظعها تلك الكتيبة المسماة ب (الفرسان
الحميدية) نسبة للسلطان عبد الحميد وكان جل أفرادها من الكرد لتشارك العثمانيين
بأفظع الأعمال الوحشية ضد الأرمن جنباً إلى جنب مع جيوش السلطان عبد الحميد.
إلا أن استخدام
العثمانيين للكرد في حربهم القذرة لم يلقى قبولاً لدى الشريحة الواسعة من الشعب الكردي وخاصة المتنورين والنخبة الثقافية على قلتها
في ذاك الوقت فكتب رئيس تحرير صحيفة (كردستان) الصادرة في القاهرة أبان المجازر الأستاذ
عبد الرحمن بدر خان في افتتاحية العدد 27
قائلاً: (يقول لكم عبد الحميد إن الأرمن أعداؤكم. وهو بذلك، يضللكم. ألا تعلمون أن
الأرمن لا يستطيعون معاداتكم؟!. أعداؤكم، هم الدمويون الظلمة، الذين دمَّروا وطنكم
في الصراع مع روسيا) كما يؤكد في افتتاحية
العدد نفسه من صحفية كردستان عن الامتعاض الذي أظهره الشيخ عبيد الله النهري قائد انتفاضة
عام 1880 في استخدام الكرد في هذه الحرب ورفضه الاشتراك فيها قائلاً: (: قتل
الأرمن مناهض لشرع الله تعالى. إن أمر الباشا، ظلمٌ، وعصيان على ما نهانا عنه
سبحانه وتعالى. وينبغي عزل هذا الباشا من مسؤوليَّاته، وطرده. أمرٌ كهذا، صادر من
الباشا، ليس فال خير)
وعن دور
رجال الدين المتنورين والذين وعوا الالآعيب العثمانية يذكر البروفيسور باسيل نيكيتين في كتابه ( الكرد) عن شخصية كردية دينية هو (الملا
سعيد) الذي وقف ضد هذه الحرب المسماة ب (الجهاد
المقدس)، لكن هذه الأصوات الخيرة وللأسف الشديد، لم تكن لها القدرة على وقف هذه الحرب يقول نيكيتن عن الملا سعيد الكردي:
(كان الملا سعيد واحداً من بين الكثيرين من الكرد المثقفين، وقف دون خوف أو وجل ضد
صيحات الجهاد المقدس. وقد أوقف بسبب مواقفه تلك من قبل السلطات التركية وقدم للمحاكمة
لأنه أفتى بعدم شرعية تلك الحرب بالجهاد
المقدس. وقد قال في معرض دفاعه عن نفسه أمام المحكمة: (إنني لست مسؤولا بموجب
أحكام الشريعة ولا بموجب القوانين الوضعية لأنني لم أجد في شريعتنا ما يأمر بقتل
أناس أبرياء لا يؤذون أحداً
فإني أعتقد
أن تقوى شيخ الإسلام وعلمه وكذلك عدالة الخليفة ورحمته واسعة، وهي أوسع من أن تسمح
بإصدار فتوى تأمر بقتل الفقراء من الرعايا المسيحيين ونهب أموالهم، والذين لم يرفعوا منذ بداية الإسلام وحتى الآن
السلاح بوجه المسلمين، ولم يعلنوا حرباً ضدهم), أما العشائر الكردية فمنهم من دخلوا في هذه الحرب عن جهل وعدم وعي
أضف إلى ذلك نزعة الثأرية القبلية حيث كانت مشاركتهم نابعة من دافع ديني ودافع
الطمع والحصول على الغنائم ومصادرة أراضي الأرمن ولم تكن مشاركتهم نابعة من دافع قومي كردي أما القسم
الآخر والأكبر من العشائر الكردية لم تشارك في تلك الحرب القذرة التي راح ضحيتها خيرة أبناء الشعب
الأرمني.
إدريس
خلو – كاتب كردي سوريا