الدولار … ليس مجرد عملة

الأول, الأخضر, الملك ….هي تسميات تطلق على العملة الأمريكية ( الدولار ) في سوق الصرف
السوداء, حيث يبقى هو الأقوى حتى وإن كان سعر صرفه أخفض مقابل بعض العملات الأخرى
!، لأنه ببساطة المعيار المعتمد لدى الكثير من دول العالم في إقرار الموازنات وعقد
الصفقات, كما في أرصدة البنوك وأسهم الشركات, وما يملكه الأثرياء, باختصار هو صانع
المعجزات في عالم اليوم, كلما ملكت منه أكثر, كلما توسعت مساحة ملكك على الأرض,…
تنحني له هامات, وأمامه تتقزم قامات,… يتربع على عرش الأسواق عبر العالم ولا
يعترف بأية حدود جغرافية, يمكن استبداله بأية سلعة تريدها وفي أية بقعة من الأرض
رغم وجود عملة محلية رسمية  لكل دولة !.
 في أوقات الحروب والأزمات, عادة ما تشح خزينة الدولة, ويتبعثر الاحتياطي, ولا
تتمكن السلطات من تحقيق التوازن في السوق, وتحديد قيمة مستقرة لعملتها الوطنية, حيث
تتحول هي الأخرى إلى ضحية من ضحايا النزاع, فيلجأ التجار في تعاملاتهم إلى الدولار
بدلاً عن العملة المحلية, وتصبح متطلبات المعيشة وأسعار السلع والحاجيات حتى
المحلية منها, وفي أبعد قرية نائية, مرتبطة ببورصة الدولار في أمريكا, وخطوطها
البيانية المتصاعدة, وهذا ما وصل إليه الحال اليوم في مدننا ومناطقنا على امتداد
الوطن السوري, فحتى القرويون في أسواقهم المحلية, باتوا يحسبون أسعار منتجاتهم على
الدولار, ويتعودون شيئا فشيئا على هذه العملة الغريبة التي لا تعرف الاستقرار
والثبات – حسب رأييهم – في حين أن الليرة السورية هي التي تتأرجح, ويتدنى قيمتها
يوماً بعد آخر, لينخفض سعرها أمام الدولار خلال السنوات الأربع الأخيرة حوالي ستة
أضعاف, فارتفعت بالتالي أسعار المنتجات والسلع حوالي ستة أضعاف, وبقيت المداخيل هي
نفسها .
إن هذه الوريقات اللعينة التي تسمى دولار, تخرج في الكثير من الحالات
عن كونها مجرد عملة في سوق المال, لغاية استبدالها بالسلع والحاجيات اللازمة
للمعيشة, إلى تفريعات الحياة وتفاصيلها الأخرى كالسياسة والتجارة والثقافة والإعلام
والفن…. تمثل الدولارات حيثما تحل بلدها المنشأ بكل تعقيداته, كسفارة مكثفة,
فتحمل معها معاني تمثال الحرية, وصورة لينكولن وفرانكين وجورج واشنطن, كما سياسات
أمريكا وأطماعها وخطط استخباراتها, وكأنها أحجية أو ألغاز, تُسحر العالم وتَجذب
حولها المتهافتين وهي في الحقيقة ليس إلا آخر ملّاكٍ للعبيد وأحدث صورةٍ للاستعمار,
تزرع الريبة والفرقة حيثما تمرّ في دنيا الضعفاء, ووقائع التاريخ المعاصر تثبت تورط
الدولار في معظم نزاعات العالم وحروبه, من خلال تسعير وتوجيه واستغلال معظم هذه
النزاعات لصالح أجندات مالكيه, تحت مسمى المال السياسي, وفي أكثر من بقعة لا زالت
ثمة حالات ماثلة كشهود أحياء على قبح فعلته, وعلى صحة ما نذهب إليه, ولا زال
استخدامه كسلاح فعال غير مميت مستمراً في حروب الأقوياء من أجل النفوذ على مناطق
وثروات الضعفاء, حتى في الحالة السورية بات دور الدولار مفضوحاً, وأثره واضحاً, في
تقزيم ثورة بدأت كبيرة بشعاراتها (الحرية.. والكرامة.. والشعب السوري واحد.. )، ولم
تنتهي حتى اليوم, حتى بعد تمريغ ما تبقى من كرامة واحتجاز ما كان من بعض الحريات
وبوادر تقسيم ما كان من وطن .
كما الغراب يستمتع بمشهد الخرائب والأطلال، ينتعش
الدولار عموماً على تدهور العملات المحلية الناتج عادةً عن الحروب والنزاعات
المؤججة – على الأغلب –  من قبل أصحاب الدولار نفسه.
زاوية نقاط على حروف*
* جريدة الوحـدة – العدد
/262/ – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي قي سوريا (يكيتي)
لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_262

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…