خالص مسور
يبدو أن الدواعش والحر في هذه الأيام لا أعداء لهما سوى الكرد. في الحقيقة كنت أتمنى من هذا الرهط من عازفي جوقة التطهير العرقي ممن يسمون أنفسهم بأقطاب الجيش الحر و البعض ممن يسمون أنفسهم بالباحثين والمثقفين العرب، الذين يدعون الباحثية لأنفسهم وهم مغمورون غمر أوحال مستنقع ضحل، كنت أتمنى وأنا أقرأ ما يكتبونه عن التطهير العرقي المزعوم في مقاطعات الكردية في سورية على أيدي قوات الحماية الكردية، أن يتأكدوا مما تسطره أقلامهم، أوأن يكتبوا أو كانوا قد كتبوا نصفه أو أقل قليلاً منه، عن التطهير العرقي الموثق في كل من ملعب قامشلو، وحلبجة، وكوبانى، ودارفور، على سبيل المثال لا الحصر، حتى يكسبوا مصداقية ما يسطرون ويكتبون، ويبدو أن الشوفينية قد اتخذت أبعاداً أكثر دراماتيكية في ذهنية ممن يتحدثون عن التطهير العرقي اليوم في المناطق الكردية من أصحاب الأقلام المأجورة من جهات معروفة وهم ثلة من المثقفين العرب، وثلة ممن يسمون أنفسهم بالمعارضين السوريين، ومن المتباكين على تنظيم دولة قاطعي الرؤوس ودراكولات العصر، وممن يمارسون الزنا البواح مجسداً في شكل دعارة (جهاد النكاح) والقتل، والحرق، والتدمير، باسم الاسلام وبالتأكيد فالاسلام منهم ومن أمثالهم براء.
والثلتان من المثقفين والمعارضين السوريين سوية، هم في الحقيقة في عملهم هذا إنما يدافعون عن أعتى قوى الارهاب التي شهدها العالم منذ بدء الخليقة وإلى اليوم، وهم أصحاب النخوة بالمقلوب والمتباكين على فلول الدواعش المهزومين على أيدي أبطال الحماية الكردية الذين لا يريدون سوى أبسط حقوق شعب يتوق إلى الحرية والعيش بوئام مع جيرانهم التاريخيين، لكن الثلتين من الحر والمثقفين الذين هم في عجز تاريخي عن رؤية الآخر إلى جانبهم، وهم ليسوا سوى بقايا القوميين العرب ومن مخلفات الأحزاب البعثوية البائدة، وعلى رأسهم الخليفة البغدادي المزواج والضابط الصدامي البعثي الإرهابي السفاح، الذي قتل مجاهديه منذ أيام فقط، المئات من الأبرياء الكرد في كوبانى بدم بارد وفي حالة تطهيرعرقي فاضح لا لبس فيه.
أيها السادة ممن تسمون أنفسكم بالباحثين والمثقفين العرب، لاشيء صحيحاً مما تكتبونه عن التطهير المزعوم وكل ما هنالك أن هؤلاء الاخوة العرب وحتى الكرد أيضاً، يتركون قراهم هرباً من القتال كما هرب اللبواني وكما هرب آخرون غيره. ونحب أن نذكر هؤلاء بأن الذي يتباكى على تطهير عرقي مزعوم وغير صحيح، أن يراجع نفسه ويكون إنسانياً بمقاييس الإنسانية، أي أن لا يتباكى فقط على تطهير عرقي مزعوم لبني قومه فقط، بل أن يكون له ماض إنساني مشرف ويشهد له سجله الثقافي أنه استنكر شيئاً من التطهير العرقي والقتل والسجن والتشريد الذي مارسه حكامه بحق الكرد طوال عهود مديدة من تاريخهم، وعلى أيدي أناس مهوسين بالقتل والاجرام، بل أن محاربة ثقافة قوم ومنعه من التحدث بلغته الأم والذي كان يمارسه حزب البعث في كل من العرق وسورية، لهي إبادة ثقافية ترقى إلى جرائم الإبادة البشرية بكل المقاييس الدولية، ورغم هذا فلم نسمع يوماً واحداً من هؤلاء ولا من علماء الدين المسلمين من رفع عقيرته ضد هذا التطهير العرقي بحق أخوتهم في الله من الكرد المسالمين الذين كانوا في حسرة من أن يكتبوا حرفاً واحداً في العلن بلغتهم الأم.
وليس بخاف على أحد مجزرة القرن العشرين حلبجة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً وكان تطهيراً عرقياً حداثياً بامتياز وهي الحداثة الوحيدة التي أبدعتها انسانية حكام الشعوب العربية ولم يتعلموا من الانسانية غيرها! فلماذا لم تسموا ذلك تطهيراً عرقياً أيها السادة، ولماذا لم ترفعوا أصواتكم إن كنتم إنسانيين بالفعل ضد مجازر ملعب قامشلو، ومجازر حلبجة، ودافور، والجن جاويد السودانيين، والقبط في مصر، والامازيغ في دول المغرب العربي وهم في مواطنهم الأصلية.
ونعلم أن تضخيمكم الاحداث ما هو إلا تبرير وتمهيد لتطهير عرقي للكرد أنتم بأشد الاشتياق إليه، ومن خلال تجاربنا مع المثقفين العرب ما عدا البعض الشرفاء والمبدئيين منهم، رأيناهم عند أي خلاف لبني قومهم مع الكرد ينحازون إلى بني قومهم على شكل انقلاب في المولقف بزاوية 180 درجة، مهما كانت علاقتهم حميمة مع الكرد ومهما أظهروا من تعاطفهم معهم وحال كمال اللبواني أسطع مثال لاتغيبه الشمس. ونريد أن يعلم العالم كله، بأن كافة مكونات المناطق الكردية في سورية من عرب، وسريان، وأرمن، وكلدو آشور، هم أخوة لنا وأخوات، وسوف لن نفرط بدمائهم ودافعنا وسندافع عنهم في أي وقت وضد أي كان. ونحب أن نسـأل هؤلاء البعض من المثقفين والبعض من أقطاب المعارضة السورية الذين ليس لهم عدو سوى الكردي اليوم، أن ذبح أكثر من مئتي مدني كردي مسالم في كوباني منذ أيام فقط، وبشكل عشوائي دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل وشيخ، أليس أكثر من تطهيرعرقي يا ترى؟ ورغم هذا فلم يستنكرذلك أحد منكم هذه الجريمة البشعة والمروعة في آن.
وبدون أن نطيل، نقول لمن لا يريد أن يفهم القضية الكردية في روج آفا، بأن الكرد عانوا مرارة الاضطهاد على أيدي الحكومات المتعاقبة، والكرد في روج آفا شعب يعيش على أرضه التاريخية، يعشقون الحرية ويريدونها لهم ولغيرهم، ويريدون إدارة أنفسهم في مناطق الإدارة الذاتية بالاشتراك مع المكونات الأخرى في سورية تعددية ديموقراطية، والتخلص من عبودية الجار والتمتع ببعض من نفحات نسائم الحرية، الحرية من نوع آخر، أي ليس حرية الانفصال عن سورية أبداً، بل عبق حرية الأخوة، والمساواة، والتسامح، والعيش المشترك في وطن واحد ليس فيه ابن جارية وابن ست، وطن يحتضن الجميع.
وأخيراً، نتمنى من الأخوة من الكتاب الكرد أو من البعض منهم ممن يكتبون عن روج آفا والادارة الذاتية، أن يتخلصوا من الحالة المازوشية التي هم فيها، والخروج من النطاق الحزبي الضيق، والإلتفات إلى ما يتعرض له الشعب الكردي على أيدي الدواعش وغيرهم، والتخفيف من غلوائهم ضد الإدارة الذاتية ووحدات حماية الشعب، والدعوة إلى الوحدة والتكاتف، نعم يحق لكل الاحزاب الكردية وغير الكردية المشاركة في الادارة الذاتية في المقاطعات الثلاث، وكل شيء يتحقق بالتفاوض والوفاق، فالشعب الكردي كله وخاصة في روج آفا يمر الآن بمرحلة مصيرية، وأزمة وجود أو لا وجود.
نعم يحق لكل كاتب ومثقف كردي أن ينتقد نقداً بناء لأي حزب وأي تنظيم كان ما شاء له الانتقاد ولا يحق لأحد منع الكتاب وما يسطرون، ولكن ليس إلى هذا الحد الذي ذهب البعض إليه وفي مثل هذا الوقت المصيري الذي يتطلب الوحدة والتلاحم، ويتطلب من كل الأطراف التضحية بالمصالح الشخصية والحزبية، ولا أحد يدعي بأن (pyd) أو (tev-dem) على صواب دائماً، ولكن لكن لكل شيء في هذا الكون مكانه وأوانه، فالنكتة بعد صلاة الجنازة لا تضحك.
………………………………………………………