الشعب السوري فقد سنداً نبيلاً

عبد الباسط
سيدا
 

الأمير سعود الفيصل عنوان
الدبلوماسية السعودية على مدى أربعة عقود. تسلّم وزارة الخارجية السعودية عام 1975
وطلب إعفاءه من مهامها لأسباب مرضية عام 2015.
وقد شهدت هذه الفترة الطويلة
نسبياً حملة حروب واضطرابات وتغييرات كبرى إقليمياً ودولياً، نذكر منها على سبيل
الذكر لا الحصر: الحرب العراقية الإيرانية، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وإخراج
قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، والغزو العراقي للكويت، وحرب الخليج
الأولى، وسقوط الاتحاد السوفياتي، وظهور العديد من الدول الجديدة سواء في أوروبا أم
في آسيا، وسقوط حكم صدام حسين. ثم جاءت الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن
وسورية.
وفي جميع هذه الأحداث كان الدور السعودي وازناً له حسابه واحترامه. والأمير سعود
الفيصل كان باستمرار هو الذي يجسّد هذا الدور خارجياً بنشاطه الديبلوماسي المتميّز،
وهدوئه وبساطته، ووضوح مواقفه وقوّتها.
على الصعيد الشخصي، كنت أتابع باستمرار
تصريحات ومواقف الأمير سعود الفيصل، وفي كل مرة كانت القناعة لدي تتعزّز بأننا أمام
ديبلوماسية راقية لرجل دولة يحترم الآخر، ويلتزم قضايا أمته وشعبه، بصلابة وقورة،
وبموضوعية وتواضع لافتين، ومن دون أي ادّعاء شعبوي.
في جميع اللقاءات والمناسبات
التي التقينا فيها الأمير سعود الفيصل ضمن وفد المجلس الوطني السوري، ومن ثم
الائتلاف، كنا نتيقّن من حرصه الصادق على مستقبل الشعب السوري بكل مكوّناته. لم يكن
يفرّق بين عربي وكردي، ولا بين مسلم ومسيحي، ولا بين سني أو علوي أو شيعي. وأذكر
جيداً في هذا السياق، أول لقاء بين وفد المجلس الوطني السوري، واللجنة الوزارية
العربية برئاسة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم، وهي
اللجنة التي كانت مكلّفة بالملف السوري من قبل الجامعة العربية. فالجميع كان يتحدّث
ويتبادل الآراء والأفكار، والأمير سعود صامت، ينصت إلى ما يسمعه. وفي نهاية المطاف
اكتفى بطرح سؤال مختصر معبّر. سأل ما إذا كان المجلس يضم كل المكوّنات المجتمعية
السورية. وكان جواب أحد الإخوة من أعضاء وفدنا بالإيجاب، فقال الأمير: هذا جيد وعلى
بركة الله. وكان من الواضح أن هذا الموضوع كان يشغله أكثر من غيره لمعرفته الدقيقة
بطبيعة سورية، وبطبيعة ما يخطّط وسيخطّط لسورية.
موقف آخر من مواقف الأمير
المساندة لشعبنا السوري أتذكّره جيداً. كان ذلك أثناء مناقشة تقرير الدابي رئيس
البعثة العربية إلى سورية بقصد تقصي الحقائق، وذلك في 22 كانون الثاني (يناير)
2012. فقد كان المناخ ضمن الجامعة، وبناء على ضغوطات بعض الدول العربية، هو الأخذ
بالتقرير. ولكن الأمير الفيصل طلب الاجتماع بقيادة المجلس الوطني قبل أن يتوّجه إلى
الجامعة، وأعلن بكل حزم وصراحة بأنهم لن يقبلوا بالتقرير، لأنه لا يعكس الواقع.
وبالفعل التزم بموقفه، وأحدث تحوّلاً جذرياً في موقف الجامعة العربية من الوضع
السوري.
وفي مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأول الذي انعقد في 24 شباط (فبراير)
2012 بتونس، أعلن الأمير موقف بلاده الواضح مما يجري، وأربك الجميع حينما رد على
المطالبين بتقديم المواد الإغاثية للشعب السوري من دون الإشارة إلى كيفية إيقاف
القتل الذي يتعرّض له. ومما قاله في هذا المجال: كأنكم تسمنون الخراف قبل ذبحها.
وطالب بضرورة تقديم ما يلزم لتمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه في مواجهة
المجازر.
ثم كان لنا لقاء خاص مع الأمير ضمن وفد المجلس الوطني السوري في الرياض
صيف 2012، ولقاء آخر صيف 2013 في جدّة. ودائماً كان يستمع إلى كل التفاصيل على رغم
الألم الكبير الذي كان يعانيه، وكان ذلك واضحاً بادياً للعيان: ألم المرض وألم
الجرح السوري المفتوح.
وما زلت أذكر حديثه الشجاع، المتماسك منطقياً، المفعم
بمشاعر الحزن والألم على مصير الشعب السوري أمام وزراء خارجية الدول الأساسية في
مجموعة أصدقاء الشعب السوري في 12 نيسان (أبريل) 2014 بباريس. فقد كان يدعوهم إلى
التحرّك، ومساعدة الشعب السوري، والتخلص من السلبية، ويؤكد أن الثقة بالنظام
معدومة، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الدولية والإنسانية والتاريخية.
الخسارة
كبيرة من دون شك. ولكن الأمل هو أن تتمكن القيادة السعودية الجديدة من تجاوز
تبعاتها. الوزير عادل الجبير استلهم الكثير، وتعلّم الكثير من الراحل الكبير، ولكن
مهمته ليست سهلة في جميع الأحوال. لأن المقارنة بينه وبين سلفه ستبقى قائمة. ما
نتمناه هو أن يكون خير خلف لخير سلف بقيادة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك
سلمان بن عبدالعزيز، خصوصاً على صعيد دعم ومساندة الشعب السوري، والعمل من أجل
إنهاء محنته مع الطغاة والإرهاب.
رحم الله الأمير سعود الفيصل الذي فرض احترامه
على الجميع من دون أي تكلّف. وكان الله في عون الشعب السوري الذي هو اليوم بأمس
الحاجة إلى دعم الأشقاء والأصدقاء أكثر من أي وقت مضى.
* كاتب وسياسي
سوري

*نقلا عن “الحياة


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…