اعلان هام كيف تكون مستبدا ؟

د . محمد محمود 

من الناحية السياسية و الحزبية : 
لتكون مستبدا حزبيا تحتاج الى جهود كبيرة و مضاعفة أكثر مما تحتاجه لتكون
ديمقراطيا …. لتصبح مستبدا تحتاج الى مجموعة و جوقة من محترفي التصفيق دون تمحيص
أو معارضة . هذه المجموعة أو الجوقة يجب أن تفهمها أن كل معارض هو متهم حتى يثبت
براءته التي لن تكون أقل من مسيارته لك في العمل و القول و تبرير هفواتك و أخطائك
باحترافيه مع الاجتهاد في ذلك حتى و لو لم يطلب الأمر بطريقة مباشرة .
لتكون مستبدا ناجحا عليك باحتكار المعلومة وسط دائرة ضيقة جدا لا تتعدى الا
المقربين و الانتهازيين و المصفقين لك ، و ذلك حتى لا تضطر الى الدفاع عن شعاراتك
الفضفاضة و المزيفة و الغوغائية و قراراتك التي تعمل لمصلحتك و الحفاظ على
استمراريتك في الاستبداد أو يتسبب تبادل المعلومة و المجادلة فيها الى احراجك أمام
معارضيك ، و من ثم تتشوه صورتك كقائد الفذ و القائد الاوحد التي تريد أنت التركيز
عليها في مخيلة المصفقين . 
دائما عليك تسخير كل امكاناتك و استغلال امكانات من
حولك في سبيل الوصول الى مركز القرار يمكنك من السيطرة ، و عليك أن تكون معزولا عن
الناس الا من تختاره ليراعيك بالمديح و التزليف و ترديد الشعارات و القسم باسمك ، و
العمل على حشوة الاستبداد فيك بالمزيد من الذخيرة ، و لا يهم أن يشكل هذا عائقا في
طريق طموحاتك ، و لكنه عائق مؤقت و عرضي يمكن التغلب عليه بالكذب و الخداع و
التظاهر بالمودة و الاحترام و الصداقة ، و ربما تضطر أن تتظاهر ببعض القيم الدينية
و الاخلاقية و الانسانية ذات القيمة الاجتماعية العالية بغرض خداع الناس ، أو لتبدو
أنك الضحية المظلوم . 
و عليك أن تكون شخصية متعالية متغطرسة ترى في الجميع
أعداء لك و أن سوء الظن بالناس و المحيطين بك مطلوب و ضروري ، أذ يساعدك ذلك في
تبرير العدوان الاستباقي على الآخرين أو الوقائي منهم لحماية وجودك ، بل عليك
احتقار الآخر ، و أن تسحقه أن استطعت و بالتالي لن تراعي له حرمة أو كرامة و لن
تأخذك الرحمة و الشفقة بأحد فالجميع في نظرك شياطين أو جرذان أو حشرات تستحق السحق
و القتل و التعذيب و الاذلال . 
اعمل على خلق جبهة الفساد و الافساد في المجتمع
لأنه هناك علاقة جدلية و عضوية بين الفساد و الاستبداد ، و أن يصبح كل شخص أو هيئة
أو فئة غير فاسدة عدوا لسلطتك ، لخلق شبكة اخطبوطية المافيوية لحماية نفسك و كبح
جماح كل من يتجرأ على انتقاد فسادك ، حتى تعمل على نشر ثقافة الفساد و الاستبداد و
خلق جيش من المفسدين لتقديس سلطتك و حمايتها . 
اعمل و اجتهد على سياسية فرق تسد
بين المكونات القومية و الدينية و لمواجهة الثورات الشعبية من خلال شعارات طائفية و
قومجية و عنصرية ، ألعب على هذه الاوتار لخلق حرب أهلية حتى تبقى الوضع تحت سيطرتك
و تتمسك بالمشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي . 
كون كلبا أمينا لروؤساتك في
الغرب و المنطقة و أعمل على صفقات من الاسلحة مع الدول الكبرى لقتل شعبك ، و جرب كل
أنواع الاسلحة التي تصنع في المصانع و المعامل الغربية و الاقليمية على شعبك . 
 (( حتى تجعل من الوطن الارض التي تهرب منها و ليست الارض التي تهرب اليها
.))
و لكن ماذا عن الشعوب : 
على الشعوب و المعارضين السياسيين لسياسة
الاستبداد أن يفكروا في الطريقة التي نتقدم بها على الاستبداد ، أمما و أشخاصا
لاكتشفنا أن نتحرك بفعل أربعة عوامل و قوى أساسية : الأولى هي قوة الدفع الآتية من
أعماق التاريخ ، أنها جملة العوامل البيئة و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
التي حددت لحد الآن مصير المجموعات و الأفراد ، و العامل الثاني هي قوة الجذب
الآتية من أعماق المستقبل و هي مكونة من مجموعة الاحلام و الافكار و المناهج و
المشاريع المبهمة و الواقعية التي نحملها في أعماقنا ، أما العامل الثالث فهي الصدف
الناجمة عن تصادم عوامل بالغة التعقيد و التشابك الدولية و الاقليمية و الذاتية ، و
العامل الرابع و الاخير ارادتنا و قدراتنا الواعية ، و عدم التخلي عن ارادتنا و
قرارتنا و لا يجب أن نستهين بها حتى و لو بدت لنا متواضعة الفعل أمام جبروت القوى
الثلاثة الاخرى و منع اغتصاب هذه الارادة بالمال السياسي من قبل جميع القوى الدولية
و الاقليمية ، و ذلك من خلال ترك باب الحوار مفتوحا بين جميع المكونات السياسية و
الاجتماعية و القومية و الدينية للقضاء على المقدسات و الاستبداد في الفكر و فرض
الرأي على الاخرين و تقبل الاخر من خلال لغة الحوار . 
لذا علينا أن نمر بشكل
اجباري من التحرر من هيمنة الاستبداد بما هو استعمار داخلي ، و من هيمنة الاستعمار
بما هو استبداد خارجي ، و الغاية هي : (( ضرورة تواصل البحث عن تحقيق الحد الاقصى
من الحرية في ظل العدل و الحد الاقصى من العدل في ظل الحرية . )) .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…