الخلاف والاختلاف في الحركة الكردستانية – الجزء الأول

د. محمود عباس

   كان بالإمكان تسمية المقال، بين الاختلاف
والعداوة، ليكون المقصد أكثر وضوحا، لأن الكرد يكررون واقعهم المؤلم ومنذ قرون، ولا
ينتبهون إلى أن الاختلاف على رأي أو قضية، حالة صحية إذا اقتربوا منها بوعي. ففي
البعد اللغوي أو الفقهي، أو الفكري والسياسي، الاختلاف بين الحركات السياسية
والشرائح الثقافية، تتناقض والخلاف، ففي الأولى تكمن الرحمة والمرونة في التحاور،
والمحاور يعتمد على الأدلة المنطقية، وينفي العناد، وينبذ السبل المطلقة،
والمختلفون يكون لهم عادة هدف واحد، ويبحثون عن النتيجة نفسها، لكنهم يختلفون على
طريقة العرض واستخدام الوسائل، بعكس الخلاف المسنود بالبدع والأدلة العشوائية، أو
غيابها، ويحوم المطلق، والتضارب في الرؤى والرأي، ولا يتفقون على هدف معين، والقوى
الرئيسة في الحركة الكردستانية، هولير والسليمانية وقنديل، تمثل النهج الأخير بكل
شفافية.
  فالافتراق عند أطراف الحركة الكردستانية وأحزاب من غربي كردستان هو ثمرة الخلاف
الذاتي أو المفروض خارجاً. فعندما يختفي الوعي الوطني، ويتمسك كل طرف بمطلقه
الحزبي، يتجهون إلى جدلية الانتقال من الاختلاف إلى الخلاف، ومنه إلى الصراع، ومن
ثم الافتراق، وهي الطامة التي تسيطر على المنطق الكردي وحركته منذ قرون من الزمن،
وفي العقود الأخيرة بل وفي السنوات الأخيرة، مرت على جغرافية كردستان أمثلة عديدة،
وفي غربي كردستان بدأت من لحظة الانشقاق الأول للحزب، وآخرها اتفاقية دهوك،
المولودة الجميلة الموعودة والميتة بعد اجتياز الحدود. والتي خيمت عليها الأجواء
المعكرة لكل السبل المهيأة لبلوغ الغاية، مع غياب التواضع، وسيادة الافتخار
والتباهي بالذات، وتصغير الأخر وحتى إهانته. 
  فمعظم الأحزاب الكردية اليوم
يستندون إلى منهج خلافي عصيب وعصبوي، من الفكري إلى الأيديولوجي، ويبنون عليهما
خلافاتهم التكتيكية واستراتيجياتهم المتضاربة والمتناقضة، في ذاتها ومع الأخرين،
فالرؤية الصائبة والحكمة لا يجدان لذاتهما مكان في مثل هذه الأجواء، ولا يتطور
الاختلاف المنطقي إلى زيادة اللحمة القومية والتفاهم كما هو مفروض عليهم، بل كثيرا
ما تتوسع هوتها لتنزلق إلى حيث البعد النهائي وهو الخلاف والافتراق، ومن ثم الصراع،
لأن معظم القيادات الكردية والكردستانية المتحكمة بمحور الاختلافات تنهج هذه
المسالك إما، رضوخها لإملاءات خارجية، كالاجتماع الوحيد الذي جمع قادة أحزاب غربي
كردستان بندوة الهلالية والتي على الأغلب فرضتها عليهم في بداية الثورة سلطة بشار
الأسد، ومركزها الأمني في قامشلو، وكانت بعدها الطلاق الشافعي، أو لضحالة الثقافة
وغياب المنطق، وقصر الرؤية، وقزامة البعد الوطني أمام العصبية الحزبية، كالتحيز على
تكوين تشكيلات عسكرية حزبية انفرادية، والتجمعات السياسية المتضاربة في غربي
كردستان كالمجالس والتحالفات المتنوعة، ومن المؤسف أن شريحة من الحركة الثقافية
أنجرف إليها بل وشاركت في تسعير اللهيب، والخلافات التي جرت بين الحركة الثقافية في
غربي كردستان في السنوات الأربع الأخيرة، وتبعية أطراف، كاتحاد كتاب الكرد بقسميه
المنشقين، للقوى السياسية، ومثلهم اتحاد مثقفي الكرد، لم تعد مخفية، وكثيرا ما خسرت
ذاتها ولم تقدم تنويرا يذكر للشعب الكردي ولا لحركته السياسية، وعتموا على هذا
المنحى الخاطئ بفعاليات أدبية متناثرة لم تغنيهم ولم تحيدهم عن الوقوع في معمعة
الصراع الجاري بين الأحزاب، وما حدث في الفترة الأخيرة لأعضاء في قيادة احد طرفي
الاتحاد نتيجة التبعية، ودفع ثمنها ونتمنى أن لا يكون القادم أسوأ، فكثيرا ما
استخدموهم الأحزاب كأدوات في صراعاتهم، مثلما استخدمت سلطة بشار الأسد تلك الأحزاب
لأجنداتها.
  والحركة الكردية في غربي كردستان، بل والكردستانية، بطرفيها
السياسي والثقافي، تتطور اختلافاتها وبسهولة إلى واقع التناقض النهائي، فمعظم
الأحزاب الكردستانية والتابعة لهم، والبعض من المثقفين والكتاب يكثرون من عرض
الأدلة على صوابيه رؤيتهم، واستقامة دروبهم، ويوثقونها  بشهادات وبراهين ذاتية،
ويتناسون جدلية الرأي الأخر المختلف، فكثيرا ما يستخدمون لدحض الآخر كل الأدوات
الممكنة، ومن المؤسف  أن أحد أهم هذه الأدوات هي شريحة واسعة من الحركة الثقافية
الكردستانية، ونادرا ما تبحث الحركة السياسية الكردية في غربي كردستان ومثلها
الكردستانية عن دواء للجرح الذي يحدثونه، بل وكثيرا ما يتأزم أثناء أو بعد اللقاءات
والحوارات المحسومة نهاياتها مسبقاً، إما لإملاءات خارجية، والتي معظمها مفروضة من
القوى الإقليمية في الواقع السياسي، أو حزبية كردية أو كردستانية في الواقع
الثقافي.
  من المعروف في الوسط الثقافي الحضاري، أن الوطني أو المنظمات
والأحزاب الصادقة لوطنيتها، لا تفترق على بنية الاختلاف في وجهات النظر وحول
المسالك المتبعة لبلوغ الغاية. وحتى الدول لا تنجرف إلى خلاف إلا ما ندر، كمثال
الاختلاف الذي يمتد قرابة عقدين من الزمن بين الحكومة التركية والأمريكية
والأوروبية، على الاستراتيجية والتكتيكات المتبعة في الشرق الأوسط، وفي النهاية
يكاد يبلغون الغاية رغم أنهم سلكوا ويسلكون دروب مختلفة، ولا زالوا  يستخدمونها حتى
اللحظة، وخير مثال، صرحت بعض وسائل الإعلام وعلى لسان بعض المراقبين، أن تركيا
أفشلت الخطة الأمريكية لتدريب المعارضة المعتدلة على أرضها والتي صرفت عليها أمريكا
قرابة نصف مليار دولار، فقامت بتسليم المجموعة الأولى والمكونة من 60 شخصاً إلى
جبهة النصرة، بالإبلاغ عنهم بعد دخولهم مباشرة إلى الأراضي السورية، مع ذلك أمريكا
بقيت تجادلها ونفت وتركيا الخبر، رغم أن العديد من المراقبين والمحللين اثبتوها.
والمثال الأوضح والأبشع، هو طريقة التقرب من داعش، وتقسيمهم لخدماتها، رغم أن سلطة
بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه هما وراء نشأت هذه المنظمة الشاذة ومنبتها وتوسعها
ولا يزالون يستخدمونها بشكل أو آخر، مع ذلك فتركيا وأمريكا معا يقدمان

يتبع…

د. محمود
عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

2482015

نشرت
في جريدة بينوسا نو العدد 40 الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في
سوريا.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…