التدخل الروسي الخطير في الحرب السورية

جان كورد

لم تبدأ روسيا بتدخلها الخطير في الحرب السورية منذ أيام فحسب، كما
تنشر وسائل الإعلام، فهي في غمار هذه الحرب العدوانية التي شنها نظام الأسد على
الشعب السوري منذ بداية الثورة المجيدة، فموقفها من بقاء النظام معروف بأنه موقف
المساند له بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية،  إذ عملت روسيا على إحباط
كل محاولة داخل مجلس الأمن الدولي، باستخدامها حق الفيتو لصالح إنقاذ عنق النظام من
أي عقوبة أو إجراء يرغمه على وقف الحرب، وهي التي أمدت النظام ولاتزال تمده بكل
أنواع الأسلحة الفتاكة والخبرات العسكرية والاستخباراتية لضرب الجيش السوري الحر،
ولولا روسيا لسقط النظام في السنة الأولى من عمر الثورة السورية.  
وفي الوقت الذي كان حلف الناتو غائباً عن الساحة السورية، واكتفى بتأييد القصف
الجوي الأمريكي وبعض الدول الأعضاء لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي،
فإن روسيا كانت تشرف من خلال خبرائها العسكريين بشكل عملي ويومي على العمليات
الحربية لجيش النظام، وكانت تعوضه باستمرار بما يفقده من سلاح وعتاد وأجهزة
إلكترونية، ومعلوماتٍ مهمة لتسيير دفة العمليات في كل
الجبهات.
أعلن الروس عن التدخل بأنفسهم جوياً وبحرياً في الحرب
السورية منذ أيام، وقد يفصحون عن تدخلهم البري قريباً، وهذا له عدة أسباب، منها ما
يتعلق بالشأن الروسي الداخلي الذي يشهد انهياراً اقتصادياً ومنها ما يتعلق
بالعلاقات المعقدة مع العالم الحر الديموقراطي، بعد احتلالها جزيرة القرم، وسياستها
العدوانية غير المسؤولة في أوكرانيا، ومنها ما يتعلق بالخسائر الفادحة التي لحقت
بالنظام في دمشق في المرحلة الأخيرة، تستدعي القيام بعملٍ ما قبل سقوط الأسد، يؤدي
إلى خسارة سياسية كبيرة واستراتيجية لروسيا في الشرق الأوسط.  
ومهما يكن، فإن
أحد الأسباب لهذا التدخل هو إهمال الإدارة الأوباماوبة في واشنطن لواجبها الدولي
كقوة عظمى في مواجهة نتائج هذه الحرب السورية واستفحال مشكلة اللاجئين بحيث صارت
أوروبا تعاني من أخطارها، كما ترددت هذه الإدارة باستمرار حيال دعم الجيش السوري
الحر والتعامل الروسي مع الأزمة السورية، حتى وصل الأمر بالأمريكان إلى القول
لرئيسهم أوباما “استيقظ من نومك!”، فالروس استفادوا من الخمول الأمريكي ووجدوا
الفرصة سانحةً لهم للقيام بدعمٍ جوي مكثف لنظام الأسد على أمل تأخير سقوطه،
ومساعدته في إقامة “دوبلة علوية” في الساحل السوري، تسمح للروس بالاحتفاظ بقاعدتهم 
الموجودة هناك ردحا من الزمن، وبهدف ارغام الغرب على الجلوس معهم  والاعتراف بهم
كطرفٍ لا يمكن الاستهانة بدوره في العالم والكف عن فرض العقوبات عليه. أما الأسد
وبقاؤه فيمكن أن يتم الحديث بصدده والتوصل إلى حل مشترك، فهو رئيس فاشل ولا يمكن له
أن يتابع حكم سوريا بعد كل ما جرى، والروس لن يتمسكوا به طويلاً إلا بقدر ما
يستفيدون منه كبيدقٍ من بيادقهم في المنطقة. 
ربما تخرج الأوضاع السورية من
السيطرة، وتؤدي الحرب إلى نزوح ملايين أخرى من الشعب السوري، أو تستفحل الأمور من
حربٍ سورية داخلية إلى حربٍ شاملة تمتد ألسنتها إلى عدة بلدان في المنطقة، لذا فإن
من الضروري أن تسعى قوى الشعب الكوردي عامة، وقوى هذا الشعب في غرب كوردستان خاصة
إلى نبذ خلافاتها والاتفاق على ما هو ضروري لإنقاذ شعبنا من كارثة أعظم مما يعاني
منه الآن من هجرة جماعية وإخلاءٍ لمدنه وقراه. وإن محاولة أي طرفٍ كوردي – اليوم –
لبناء أمجاد حزبية بالتحالف مع هذه القوة الإقليمية أو سواها، ستؤدي إلى خسارة لكل
القوى السياسية الكوردية، وقبل كل شيء لشعبنا ووجوده .  
ويجدر
بالذكر هنا أن للتدخل الروسي بعض الإيجابيات بالنسبة للكورد في سوريا، منها أن
(داعش) لم يعد قادراً على إدامة هجماته على المنطقة الكوردية في سوريا والعراق،
وهذا بحد ذاته هام جداً، ويمنح الأمان للمواطنين الذين كانوا على وشك النزوح خوفاً
من هذا التنظيم الإرهابي وجرائمه الرهيبة. كما أفشل المخطط التركي للتدخل برياً
بهدف احتلال المنطقة الكوردية على الجانب السوري من الحدود، وتغيير ديموغرافيتها
بإسكان العرب والتركمان فيها، والقضاء فيها على الحركة القومية الكوردية. 
ومن
ناحيةٍ أخرى، فإن التدخل الروسي سيكون على حساب التمدد الإيراني الطائفي في
المنطقة، وإيران لا تختلف مع تركيا في هدف القضاء على الحركة الكوردية، وفي الوقت
ذاته فإنه سيحد من عنجهية بعض قيادات المعارضة السورية التي كانت تتحين فرصة سقوط
نظام الأسد لفرض هيمنتها العنصرية على شعبنا الكوردي، إلاّ أن لهذا التدخل الروسي
سلبيات كثيرة تجعله خطراً كبيراً للمنطقة برمتها… 
وفي الوقت ذاته، فإن على
المجتمع الدولي دعم شعبنا وقواه السياسية من كل النواحي لتعزيز تمسك الكورد بأرضهم
وللدفاع عن وجودهم، ومعالجة المشاكل المختلف لمئات الألوف من اللاجئين الكورد في
شتى أنحاء العالم لأن هذا الشعب قد دافع ولا يزال يدافع عن مبادئ الحرية ببسالةٍ
منقطعة النظير باعتراف قادة العالم الحر الديموقراطي.

8. Oktober
2015
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…