تنويه سريع حول عودتي إلى عملي السابق

ابراهيم محمود

على خلفية من حملة التضامن معي والتي
قام بها الصديق والكاتب صبحي دقوري وأطلقها منشورة بصيغتها الموجزة والمعبّرة
بتاريخ 19 تموز 2015، اتصل بي كثيرون، وعلى مستوى عال في النفوذ في إقليم كردستان
وفي الخارج، وزارني في ” بيتي ” الدهوكي المستأجر العديد من الأخوة اطمئناناً على
صحتي ومحاولتهم مساعدتي، وسيقت وعود داخلاً وخارجاً، أدخلتني أنا وعائلتني وأكثر من
ذلك عالماً غير مسبوق بروعته، إلى جانب آلاف التعليقات وهي تفصح عن مساندتها لي،
وحتى الاستفسار حول تحديد نوع المساعدة العاجلة الممكن تقديمها.. وكلها كانت
خلَّبية خلبية خلبية ” بالثلاث”، سوى معدودين على الأصابع لم يدخروا جهداً في
مساعدتي عبر اتصالات مكثفة، مع تقديم مادي، رغم أن المقدَّم لا يجب أن يلفت الأنظار
باعتباره كبيراً في مجموعه.
ولكي أكون أكثر دقة وصراحة، فإن الذين حولوا مساعدة مالية” نقدية ” إلي، ” ومع حفظ
الألقاب “هم : صبحي دقوري ” 1000 دولار”، هوشنك بروكا ” 500 دولار “، دون أن أغفل
أنه لم يتوقف عن مساعدتي سابقاً بين الحين والآخر، عبدالواحد علواني ” 300 دولار
“..أسمّي هؤلاء ” المحسِنين الطيبين ” لئلا يتلمظ آخرون ويتصورون حجم المبالغ
الضخمة المحوَّلة إلي..
ولقد عدت إلى وظيفتي السابقة مجدداً” في مركز الأبحاث
الكردية/ جامعة دهوك “، حيث صدر قرار وزاري بذلك، وهو استثنائي، ضمن لائحة ضمت
أربعة وأربعين اسماً تراوحت بين الدكتوراه وخرّيج المعهد، وبتاريخ 20 أيلول 2015،
وبالنسبة إلي، جاءت تزكيتي، حيث كنت حاضراً، من قبل الدكتور موسى إبراهيم، عميد
كلية الآداب في جامعة دهوك في الشهر السادس من عام 2015. 
لقد كان إلحاحي على
لزوم ممارستي لعملي السابق، واستنكار  محاولة عدم تجديد العقد من زاوية ثقافية
ومقام الثقافة في المجتمع، وليس لأنني عُدمت تماماً، فثمة من يقدّم لي ما أحتاجه
اهتماماً وإعالة، وأعني بذلك أولادي، عدا عن أنني لم أتوقف عن التعاطي الثقافي
خارجاً: في الساحة الثقافية العربية، للأسف، وسلبية التعاطي الثقافي هنا كردياً..
وهي مفارقة مفلقة !
إن ما أريد التوقف عنده ولو باختصار، هو أن حملة التضامن
أطلعتني على أكثر من حقيقة لها صلة بمفارقات الذين لا يدخرون جهداً في جزل الوعود،
وعملياً تكون النتيجة صفراً ” كفراً على الطريقة الكردية “، وأكسبتني هذه الحملة
حكمة أكثر مضاء في التمييز بين من يستعرض قواه المختلفة دون فعل، وخلافهم، بقدر ما
أكسبت هذه الحملة من أطلقها، وأخص بالذكر الصديق صبحي دقوري، وهو في الواجهة، وأظنه
يشاطرني فيما ذهبت إليه.
ما الذي يمكن أن يثبت هنا ؟:
الذين تدخَّلوا، وكلهم
حماس لتثمر حملة التضامن، وحاولوا التغيير في الصياغة: إحلال كلمة ” باحث ” محل ”
كلمة ” مفكر “، كما صاغها دقوري، بدعوى أنني دون هذا اللقب” يلزمني الكثير لأصبح
مفكّراً “، ولا أدري ما المعيار الذي اعتمده ” رأس ” هؤلاء المعترضين وهو أكاديمي،
ويقيم منذ عقود زمنية في الخارج، ولم يفلح حتى الآن في تقديم مقال واحد فكري
الطابع، يُعتد به، سوى انشغاله بلعبة الكراسي والنجومية السياسية وجانبها
الاستعراضي، إلى جانب المتحرك في ركابه وهو بعيد عن كل هذه المكابدات البحثية التي
أنشغل بها.. لا أدري ما المعيار المعتمَد ليكون أحدهم مفكّراً، ولدي قائمة طويلة من
الأسماء استقرت في خانة ” المفكر ” من خلال أبحاث مختلفة معترَف بجدتها..؟ وإذا
تطلَّب الأمر، أو دعت الضرورة، سأورد هذه الأسماء التي ينخر فيها ” حسد ” ما” أم
ماذا؟ حسد كردي شائن بامتياز !
في السياق نفسه، وربما من جهة الأكثر تشديداً في
لزوم ” شطب ” كلمة ” مفكر “، ثمة من روَج له على أنه هو من أسهم في إعادتي إلى
وظيفتي السابقة، لعله يريد أن يضفي على مقامه علامة من النفوذ و” الجميل ” المطلوب
تأريخه.. وكل ذلك هراء في هراء.. ولا داعي لسرد نوعية المحاولات التي تمت وكلها
كانت قبض الريح من جهته بالذات؟؟؟ 
على الصعيد ذاته، لكم هو مؤسف أن أنوّه إلى
الموقف الخندقي المرعب الذي يتمترس فيه حزبيونا الكرد: كبارهم وصغارهم، في المجمل
طبعاً، حيث لم أتلق ولو اتصالاً واحداً من أي منهم للطمأنة، ولو كنوع من المكر، أو
ضمن ممارسة سياسية تعنيهم عموماً.. إنهم بطريقتهم تلك، وضعوني في صورة الواقع
الأكثر تشرذماً وبؤساً بصدد طريقة تفكيرهم وحساباتهم، وما يمكن أن يقال أكثر مما
شددت عليه في الكم ” الوافر ” من كتاباتي عنهم وسلوكياتهم ..
في المسار نفسه، لا
أخفي أن صدمتي كانت كبيرة وموقظة لي في آن، بالذين عشنا عقوداً معاً في سلام وكلام
من الكرد، كتاباً وغير كتاب، وقد أفصحوا عن منتهى السلبية في التعامل: بعدم
الاتصال، أو الكتابة الفيسبوكية أيضاً، خلاف الذين اتصلوا بي، وكتبوا بأكثر من معنى
حول وضعي الصحي والمادي ..
شكراً لمن فعّل حملة التضامن..
شكراً لمن لم
يفعلها.
شكراً لمن صمت  .
شكراً لمن شمت .
ثمة تاريخ ينتظرنا جميعاً، وسوف
نرى من سيتأهل للدخول في التاريخ من بابه العريض !
دهوك في 21 تشرين الأول 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…