من سينقذ غربي كردستان – الجزء الثاني

د. محمود عباس

 

  تحركت تركيا ومنذ اليوم الأول، ضمن هذه
الصراعات، والتحالفات المتقلبة، وفي المرحلة التي نقل بشار الأسد الثورة السورية
إلى الصراع الطائفي والمذهبي، والحرب الأهلية، تدخلت وبصدق، ووقفت مع الثورة
السورية، لكنها ساندت الأطراف التي تخدم أجنداتها، وتخلت عن رواد الثورة داعمة
نواة الإرهاب الأولى فوقعت في مصيدة مخطط السلطة السورية أو لنقل الهلال الشيعي، ورغم
إنها حاولت أن تكون نقية مع الشعوب السورية، لكنها غرقت في مستنقع دعم الإرهاب أو
العروبيون الإسلاميون، وهؤلاء كانوا أبعد الشرائح عن الثورة ومفاهيمها، ولم يكونوا
أقل تشويها للثورة السورية من بشار الأسد.
  إلى جانبها لم تغب عن الوعي التركي يوما الكرد، وبقيت قضيتهم ومستقبلهم في سوريا
القادمة في مقدمة أجنداتها، تتلاعب بمصير المعارضة السورية حسب هذا المنحى، وقفت في
كل المؤتمرات ضد التقارب الكردي والمعارضة العربية وحرضت الشريحة العروبية
الإسلامية ضدهم، وفي الفترة الأخيرة وبشكل مباشرة سخرت لوبيها في كل الأروقة
الدبلوماسية لضرب التحالف العسكري الكردي الأمريكي في سوريا، وكانت تفعلها مع
الإقليم الفيدرالي الكردستاني، إلا أن غطت مصالحها الاقتصادية على حقدها القومي،
رغم ذلك لم تتوانى من دعم داعش بكل الطرق، وسخرتها لضرب المنطقتين الكرديتين
كمحاولة للقضاء عليهما، فضرب شنكال ومجازرها حدثت لتهاونها مع مخططات القوى
العروبية التي ساندت داعش ورغم ذلك لم استمرت في دعمها، ولم تتردد يوما من التعامل
مع إيران منذ البداية في هذا المنحى لضرب الإقليم مثلما يفعلانه اليوم، صمتت بل
وساندت إيران أحيانا في مؤامرتها على الإقليم، لإثارة القلاقل بين سليمانية وهولير،
كمحاولة لتقسيمهما، ومن ثم إعادتهما إلى نظام المحافظات كبقية المحافظات العراقية،
أي مخطط للقضاء على النظام الفيدرالي الكردي، وكثيرا ما يتنافسان في  المؤامرة على
الكرد وقضيتهم. 
  عملت تركيا على عدة جبهات وخلقت عدة تحالفات، مع الدول
العربية ومع عدوتها المذهبية إيران، لحل قضية غربي كردستان حسب مصالحها القومية،
مثلما كانت تفعلها مع الإقليم الفيدرالي، عندما كانت تثير قضية كركوك، مثيرة وبشكل
متواصل، قضية الكانتونات المتشكلة، ومصرة على إبقاء الفصل الجغرافي بين عفرين
والجزيرة، وأكدت مراراً على أنها سوف لن تسمح لقوات الحماية الشعبية، بتحرير
المنطقة الممتدة بينهما، وتعتبرها احتلال كردي، وتهديد مباشر لأمنها القومي، علما
أن تلك المنطقة محتلة من قبل المنظمة الإرهابية داعش، والتي لا تحرجهم كما ولا تثير
المعارضة السورية العربية السياسية والمسلحة معاً، وتقوم تركيا بتحريض قسم من
المعارضة وإعلامها على خلق التهم ضد قوات الحماية الشعبية، يعرضونها كقوة تمثل كلية
الشعب الكردي، متناسين أن عدد من الأحزاب الكردية المتمثلة في المجلس الوطني الكردي
متحالفة معهم في الائتلاف، منها تهمة عمليات التهجير القسري للعرب من مناطقهم،
وغيرها من التحريضات، لدفعهم على معارضة تحالف أل ب ي د الأمريكي العسكري، تحت حجة
أن هذا التحالف تتخلى عن:
1-    أسناد المعارضة السورية المسلحة.
2-   أسقاط
سلطة بشار الأسد.
فجندت تركيا لهذه الحقيقة الملائمة لأجنداتها، كل القوى
المعارضة السياسية والمسلحة السورية، وكثفت من حواراتها مع قطر والسعودية، تحت غاية
أسقاط النظام، والتغاضي عن خطر داعش على المنطقة، والتركيز على غربي كردستان،
وحاربت بشكل غير مباشر المجلس الوطني الكردي، وحرضت المعارضة على تقزيم دورهم في
المعارضة السورية، وقد نجحت مع الدول العربية إلى حد ما في وضع الكرد بين نارين،
نار المعارضة السورية المسلحة والسياسية، ونار التردد الأمريكي، وشح مساعداتهم
العسكرية، وتغييب الدعم السياسي للقضية الكردية أو تقرير مصيرهم بعد زوال خطر
داعش.
وفي الطرف الآخر، يظل الدعم الروسي للكرد شكليا، أو لنقل لا تتجاوز
تصريحات سياسية خجولة، تصدر عند الضرورة، منها تخويف تركيا، فالكرد في استراتيجيتهم
لا يمثلون إشكالية، متأكدون بعدم معارضتهم لمخططاتهم ضمن المنطقة، كمساعدة سلطة
بشار الأسد، وضرب المعارضة المسلحة بكل أنواعها، وتتلاءم وأجنداتهم في المنطقة،
ومادام الكرد في تبعية أمريكية فهم لا يتعارضون ومخططاتهم، والغريب في هذا الأمر،
ورغم انقسام الكرد إلى جبهتين، ويمثلان تيارين متعارضين، لكنهما لم يتلقيا أي دعم
عسكري أو سياسي من روسيا، بل وهي بتهميشها لهم تضعف دورهم في المعارضة السورية،
ومثلها في مواجهة الإرهاب.
    مصالح أمريكا مع تركيا والدول العربية، وخاصة مع
الخليج، تفرض عليها جملة من الاعتبارات في الشرق الأوسط، قبل أن تضع مخططاتها،
كغياب الدعم السياسي الأمريكي لغربي كردستان، وعدم وجود برنامج لمستقبله، والحذر
المرافق لجميع العلاقات العسكرية معهم، ورغم حربها على داعش وغياب البديل عن الكرد
في هذا الصراع، لم تحصل القوى العسكرية الكردية على الأسلحة الملاءمة، وكل ما تصل
كردستان، تخضع للمقارنة مع القوى العسكرية لتلك الدول، ويظن أن كل صفقات الأسلحة
المرسلة تسبقها موافقة من تركيا والدول العربية على نوعيتها وكمياتها. 
  ولم
تكن اعتباطيا التصريحات المتضاربة بين البنتاغون والخارجية الأمريكية حول الخمسين
طنا من الأسلحة التي أنزلتها أمريكا، وضيعت وبشكل مخطط بين المعارضة السورية
المسلحة والكرد، وتلتها مباشرة تصريح داوود أوغلو بأنه مهما كانت قوة الكرد فأن
لتركيا القدرة على الحد منهم، ولم ترد أمريكا على هذا التهديد المباشر، علما أنها
في تحالف عسكري ضد داعش، والتصريح التركي كان دعم غير مباشر لداعش، وموجه ضد القوة
الوحيدة التي تنفذ الأجندات الأمريكية في سوريا، وهذا التردد يخلق لدى المحلل قناعة
بأن أمريكا ليست جادة في القضاء على داعش، بل صراعها جزئي ولأجندات، وهي
باستراتيجيتها هذه، ساعدت سلطة بشار الأسد والهلال الشيعي بالتبرؤ من داعش وأصبح
يتبين وكأن داعش فعلا تحاربهم، وليست وليدهم المتشكل قيادتها من جنرالات البعث
الصدامي، وعليه أظهرها المليشيات الشيعية، بعد أن بلغا مآربهما في إيصال داعش إلى
السوية المطلوبة، والكل يعلم كيف وصلت الأسلحة الأمريكية عن طريق القوة الشيعية
الحاكمة على العراق ليد داعش، والأسلحة الروسية عن طريق سلطة بشار الأسد.
   لربما يظهر قراءتنا السابقة وكأننا في واقع متشائم، لكنها الحقيقة، وبرؤية صحيحة
للواقع يمكن وضع مخطط منطقي للخروج من الكارثة المحدقة بالكرد. أمامنا ككرد مصاعب
مرعبة، تتفاقم على خلفية صراعات الأحزاب الكردستانية الرئيسة والمرفوضة معظمها من
الشعب الكردي. فعدم تقبل هذه الأحزاب وخاصة المسيطرة اليوم على غربي كردستان مشورة
أي من أطراف الحركة الكردية الأخرى، وتمسكهم المقيت بأراءهم المبنية على إملاءات
مباشرة أو غير مباشرة من القوى الإقليمية، وتحالفاتهم التكتيكية أو تبعيتهم
لاستراتيجية لا تعترف بالوجود الكردي، وفي الظروف الجارية والملائمة إلى حد ما، حيث
وجود القوى الكبرى في المنطقة وحاجتهم للكرد، تسمح لهم بالتحرك بعكس تيار السلطات
الشمولية، وبإمكانهم التحرر من معظم الإملاءات الإقليمية، كما ذكرناها سابقا.
فالوحيد الذي سينقذ كردستان، هي تشكيل القوة العسكرية الكردستانية أو توسيع الموجود
على بنيتها، وذلك بإخراجها من الهيمنة العقائدية، وعلى أن تتفق الأحزاب السياسية
على جعلها مؤسسة تكون خارج التبعية السياسية، أي قوة عسكرية تمثل الشعب، ومحاولة
استخدام الخدمات الجارية لتحريض القوى الكبرى وبشكل خاص أمريكا على الدعم السياسي
إلى الجانب العسكري لغربي كردستان.

د. محمود
عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

10-30-2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…