النضال السلمي والتراث الشعبي الكردي في سوريا

عبدالله كدو

 

يستمع
المواطن الكردي البسيط في الأجزاء الكردستانية الثلاثة إلى أغان وسير شعبية تحكي
بطولات رجال  شيخ سعيد ومحمود الحفيد والبرزاني وسمكو آغا وقاضي محمد و غيرهم من
قادة الانتفاضات والثورات الكردية، فهؤلاء القادة بما يتمتعون بها من أبعاد قومية
ودينية وما يرمزون إليها من شجاعة وحكمة لدى أبناء مناطقهم خارجها ، يشكل استحضار
ذكراهم بيئة مناسبة للتواصل التاريخي بين الأجيال وبالتالي دافعاً قوياً لمواصلة
المسيرة التحررية لأولئك القادة الذين لم يسجل النصر للقضية التي ناضلوا من أجلها
بعد ، فالتواصل التاريخي يوفر عاملاً مهماً لتعبئة الجماهير وتوحيدها ، حيث عدالة
القضية وحدها قد لا تجعل منها هماً شعبياً ، ما لم ترفق بإعلام آني متواصل وسلس
مناسب لمزاج الجماهير وسويتها الثقافية ،
وعليه قد يصبح الموروث الشعبي الأدبي والفني إذا ما أحسن استخدامه مادة فعالة ،
تقدح ذاكرة الأجيال فتتدفق حلقات التاريخ نداءات توخز ضمائر الشباب وتشحذ الهمم ،
فليس من الإنصاف أن ينتظر كل جيل قدره بمعزل عن دروس الماضي ، ليبقى المستبد
المتنكر لحقوقه متبخترا يصول ويجول ويورث سلطاته لخلفائه الذين يتمظهرون في كل
مرحلة بمظهر جديد ، مستخدمين كل وسائل الزيف والتضليل لتجديد قواهم. 
إن مآثر
الحركة السياسية الكردية في سورية لم تتعد الشأن السياسي النظري و الثقافي ، لأسباب
موضوعية وذاتية وسط شعب تبلغ نسبة الأمية الأبجدية باللغة العربية – لغة التعليم
المدرسي– بين أبنائه أكثر من %  30ونسبة الأمية باللغة الكردية قد تبلغ أكثر من
% 90 أما الأمية الثقافية بين هذا الشعب حدث ولا حرج ، علما أن النسب حسب تقديري
 إن هذه النسب المخيفة لا تؤهل أصحابها للتفاعل مع الخطاب السياسي الكردي
المبني على الحوار والنضال السلمي ، فكل ما قدمته الحركة الكردية من تضحيات خلال
نضالها السلمي وممارسة سلاح النقد، وليس النقد بالسلاح ، لا يشكل مادة تستأهل
التغني بها- حسب الفهم الشعبي – إذ إن قرقعة السلاح وتواتر أنباء المعارك بين أبناء
الشعب الكردي وجيوش الدول المسيطرة على أجزاء كردستان الأخرى ، كانت تستولي على
اهتمام العامة من الكرد ،  وعليه لم تنسج الذاكرة الكردية في سوريا حكايات وأغان
شعبية تتناول المواقف والبيانات السياسية للحركة الكردية أو مرافعات مؤسسيها،
أوصمان صبري و د. نور الدين ظاظا وغيرهم ، أمام محاكم العنصريين، أو الاعتصامات
والمظاهرات والملصقات وغيرها من الأنشطة السلمية المعارضة للاستبداد والعنصرية،
وكأن النصاب لم يكتمل أمام الفهم الشعبي ليستسيغ اللاعنف ويثق بقدرته على إحداث
التغيير المنشود، ومرد هذه المعضلة  هو عدم تصدي الجانب الأكبر من الحركة الكردية
هنا لمهامها النضالية منذ تأسيسها انطلاقا من أرضية موضوعية  قوامها حياة الكرد
السوريين وأوضاعهم العامة وظروفهم السياسية في ظل نهج شمولي شوفيني ، فرغم أن جميع
الأحزاب الكردية هنا تتبنى النضال السلمي فقط ، فإنها لم تعمد إلى إشاعة هذا النوع
من النضال بين الجماهير بشكل كاف وشرح ومناقشة وتحديد أساليبه المناسبة، واستبيان
آراء الناس حول هذا النضال ، ذلك قبل مناشدة الجماهير للقيام بها، رغم أن النضال
السلمي حرّر دولا مثل الهند، ما زال معظم الكرد هنا لا يعرفون الكثير عن تاريخ هذا
النضال ويقولون : لا جدوى منه أمام نظام امني بوليسي لا يأبه بالرأي العام المحلي
أو الدولي في ظل سيادة الاحتكام إلى المصالح لا المبادئ والقيم
الأخلاقية. 
الحركة الكردية في سوريا ما زالت تقف بين سندان الفهم الشعبي،
المرتبط بالواقع المتردي والسوية الثقافية للجماهير ، ومطرقة السياسات العنفية
المستبدة التي تحظر تنمية الوعي الثقافي الديمقراطي السلمي ، حيث التنمية هذه 
بحاجة إلى المزيد من العلنية لتوفير أجواء الحوار والتفاعل مع قطاعات واسعة من
الجماهير، لإقناعها بالتصدي للاستبداد والعنصرية بأسلوب لاعنفي في ظل الأجواء
الجديدة الداعمة للديمقراطية، التي أوجدها النظام العالمي الجديد، وباختصار شديد
فإن توعية الجماهير لقبول اللاعنف كسبيل وحيد للتغيير في مجتمعنا بحاجة إلى خطاب
سياسي تبشيري متواصل، حيث التراث الشعبي الكردي خاصة  والسوري عامة، مدجج بأسلوب
الرد الفعل العنفي على الظلم، وعليه بنيت كل الملاحم والحكايات الشعبية ، لذا ما
على حركتنا السياسية إلا أن ترتب البيت الكردي أولا للتصدي لمهمة تنظيم المجتمع
وتوعيته، ثم القيام بنسج علاقات علنية مع مختلف القوى الوطنية والدولية المهتمة
بحقوق الأفراد والشعوب حتى يجد الإنسان الكردي بارقة أمل في النضال السلمي وينخرط
فيه ويتغنى به لتأمين حقوقه سلماَ بدلا من التفكير في العنف الذي قد نستطيع تجنبه ،
حيث أن معركتنا من أجل تأمين حقوقنا القومية قد تطول حتى بعد سقوط النظام
.   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…