ابراهيم محمود
لأن الحديث عن عديم الشرف “ ناموسِز ” يثير حساسيات لها صلة نسَب بالأخلاق الكُردية نشأةً، وربما، استفزازات كثيرة، لدى المعنيين أو المهتمين به في أوساطنا الاجتماعية المختلفة، لذلك، وحرصاً على القيّمين عليه، والناطقين باسمه كثيراً راهناً، أجدني مبادراً إلى إراحة هؤلاء الذين باتوا معروفين، بصورة ملحوظة، بالثراء الشرفي كثيراً، والإشارة إلى الشرف وسوقه، وتجارته، وبضاعته وعملته، ومحلاته، وبورصته الكردية، من منطلق عديم الشرف الشرف الذي هو أنا طبعاً، وتحديداً، في السنوات الأخيرة، ولا يمكنني هنا أن أشير إلى آخرين يشاركونني في انعدام الشرف، تجنباً لإثارة ردود أفعال لهم أو منهم، حتى لو كانوا شديدي القرب مني، أو بالعكس، وما يثيره الشرف العزيز لقباً هذا، من أسئلة:
كان يمكن القبول بهؤلاء الذين يمثلون الكردية في طبعاتها الفعلية، أو أساليب صرفها حتى الأمس القريب جداً، وهم يربطون بين الأرض والشرف، الوطن والشرف، بين المرأة والأرض والوطن والشرف أو العِرْض، لكن الاستخدام المريع للعبارة، لم يسىء إليها فقط فحسب، وإنما أضفى عليها سلبيات لا تحصى أيضاً، وتحديداً، إزاء الموقف من مترادفاتها: الوطن مقابل الشرف، الأرض مقابل الشرف، البيت مقابل الشرف، ودون تحديد يُذكر للحالات الحالات الخاصة التي لا يعود فيها التذكير بالشيء هو عينه .
وكان يمكن، وحتى الأمس القريب جداً جداً، القبول بصوت أو سلوك من يتحدث عن لزوم حفاظ المرء على أرضه وبيته ووطنه، وعدم مغادرته، لأن الخروج منه ليس جبناً فحسب، وإنما منتهى الخيانة الوطنية والقومية كذلك، بغضّ النظر عن مستجدات الجاري طبعاً.. وهي مفارقة لا يمكن لمن أعطيَ القليل من العقل، أن يقبل بهذا الكثير من الإطناب في تبيان مناقب التشبث بالوطن وهو مراح لمتاجرين كثْر به.
لكن حين رأينا ” رأيت بالعين المجردة “، كيف أن كثرة كاثرة من هؤلاء القيمين على الشرف الكردي، والتاريخ الكردي، وكذلك العرضحالجية من الكرد، وذوي الدخل المهدور طبعاً، لم تدخر جهداً في تأمين ما يلزم: تفييزاً وتجويزاً وتعزيزاً وتمييزاً، بإخراج أنجالها: ورثتها في حمْل راياتها العقيدية من بعدها، إلى خارج البلاد، وخصوصاً أكثر بعد انفجار الحدث السوري، أي في ظل تدهور الأوضاع وكارثيتها، لتبقى هي للتنظير الخاص، والإفتاء القومجي الخاص، والتوقيع الشفاهي والخطي على فرمانات نافذة المفعول، للحيلولة دون خروج القوة الشبابية، ومن ثم التشديد على الملأ بالصوت والصورة، ودون أي مراعاة لذاكرات الذين كانوا وما زالوا شهوداً مكانيين وزمانيين على ما كان عليه هؤلاء حماة الشرف بكل تداعياته، والقول الناري بلزوم الارتباط بالمكان: حيث الأجداد، والدفاع عن الأرض والوطن، وحتى التلويح بمحاسبة مبطنة وأحياناً صريحة طي التهديد والوعيد، بأشكال عقاب مختلفة، للذين تركوا ديارهم، أي تجردوا من الشرف، لا بل وحتى محاولة عدم اعتبارهم كرداً أو وطنيين، ولا يستحقون أي انتماء بالوطن ولأن يكونوا كرداً، صار في الوسع المساءلة عن الذهنية التي تخوّل لهم في أن يتحدثوا بالطريقة هذه، ودون أي استثناء، أو تقدير لظروف معينة، وفي ظل الأوضاع التي تترجم طبيعة الانقسامات الكردية- الكردية، وسواها، خلال هاتيك السنين الطوال جداً، صار جائزاً النظر في بنية هذه الذهنية ذات العلامة الشرفية الاستكبارية الفارقة والكردية ظاهراً وباطناً، وكيف تسوّغ لنفسها التحدث بالصيغة المجلجلة هذه ..
أقول ذلك دون أي تقليل من الدم الكردي، صحبة الدم السوري المراق حباً بالمكان وأهله، إنما في مقالة الشرف يكون لهذا الدم اعتباره ومداره من خلال هذه الإحالة التي تعوّم الشرف كقيمة مستهلكة كثيراً.
ولا يعني ذلك بالتأكيد، أن كل من خرج، يمكن أن يبرَّر له فعل الخروج، ويكون محمولاً بعلامة شرفية لماحة، أو خلافها، ولا يعني بالمقابل، أن كل من بقي في ” الوطن ” وفي ” دياره ” يكون المتلبس بالشرف ولا شيء سواه أو خلافه، أو يعطى الحق في أن يكون لسان حاله المثالي، إنما لا بد من التدقيق في إطلاق مثل هذه الأحكام وتبين خطورتها، خلاف ما يندفع إليه من يندرجون في الخانة السالفة الذكر، وبالتوازي معها في أمور مفصلية أخرى” ثقافية وغيرها “، لأن لا أحد ممن يسهل التذكير بهم، يمكنه الادعاء أن لديه جهاز” الأمواج فوق الصوتية ” و” الرنين المغناطيسي ” بالمفهوم التحرياتي القومي والأخلاقي الكردي وسواه، ليمارس فصلاً أو فرزاً بين من يكون كتابه الشرفي بيمينه، وكتابه ” الأسود ” العاريّ بشماله، وتحديداً ونحن نتحدث عن عالم مختلف، وثقافات مختلفة، وإعلاميات مختلفة، وحدود مختلفة بدلالاتها.
تذييل : ولأنني صاحب المقال، ونسبتُ العنوان إليَّ، لا أجد غضاضة من التعبير عن بؤس الجاري في الجانب المتعلق بالشرف، والذي يظهر عليه أنه يستأثر بكل الجوانب: شرف الوطن، الأرض، المهنة، الدار، المرأة، القول والفعل: الكتابة والسلوك…الخ، وهذا فظيع في ميوعته الدلالية، والإسهال المعنوي الذي ينفّر منه متفلسف الشرف الفعلي نفسه، لأنني كاتب المقال، أنوّه إلى أنني، وبصفة شخصية ” ولا أدري هل الجرم يطال الشخصي أم يكون جماعياً وفق القانون الروماني القديم أو العشائري العتيد ؟”، بالكاد أتذكر صلتي بالشرف، إنما جرّدتُ منه منذ عقود مديدة، لأنني في يوم ما، وبدءاً منه حاولت مكاشفة حقيقة الشرف هذا، في تعرية الوجوه التي تستأثر بالشرف كردياً، بطريقة نقدية، وأن نصيبي من الحصيلة اللاشرفية تنامى مع الزمن، بفضل الدقيقين في المعاينات، وتحديداً أكثر، بدءاً من انفجار الأوضاع في سوريا وما أثرته في مقالات مختلفة سورياً وكردياً، لأزداد لاشرفية مع الزمن، عبر التعتيم علي، والمزيد من التشويه من سدنة القيم العقائديين وكتبتهم، حتى ما بعد تشكيل” المجلس الوطني الكردي “، ولأعيش عزلة خانقة، وتهديداً، طال حتى أولادي، وكوني عدِمت الشرف أصلاً، اضطررت إلى الخروج من وطن ” الشرفاء ” وممثلية ” الشرفاء “، صوب جهة كردية ” دهوك “، لأنعم ولو قليلاً ببعض الاستقرار أنا وأولادي، لكن، وكما يظهر، ولوجود ملكَة استشعار شرفيه عن بعد، ضاق بي المقام هنا أيضاً، ربما بتحفيز ممن كنت وإياهم في رقعة جغرافية واحدة، ولأجدني ومنذ عدة أشهر، وربما جرّاء لوثتي الأخلاقية خارج المهنة التي عرَفت بها خلاف كثيرين، ولأكون معايش انعدام الشرف وجهاً لوجه. هل حقاً أن الذي يرفع صوته، وفي زمان يجد فرصته فيه، ومكان يمنحه فرصة لا تفوَّت، باسم الشرف، يكون نقيضه لأمر ما، عديم الشرف ؟
تُرى لو” لو؟! ” أن الشرف وهِب لساناً كردياً فصيحاً، ما الذي سيقوله للمتحدثين باسمه وفيهم؟
دهوك في 4-1/2015