مقدمات «كنتنة» شنكال

توفيق عبد المجيد

بالعودة إلى تصريحات جميل بايق التي طالب الغرب فيها بعدم ” تسليح البيشمركة ” ومن ثم عزّزها فعلا على الواقع عندما أوعز إلى أتباعه من النساء بالاعتصام في البرلمان الألماني وتكرار نفس الطلب ، والتصريح الجديد الذي يرفض فيه ” تقسيم العراق ” وتصريح السيد صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعب الديمقراطي الذي يرى أن تصبح شنكال ” إقليماً مستقلا ” ناسين أو متناسين أن شعب كوردستان وقف على مر تاريخه ” ضد تجزئة أرضه ووطنه، وشنكال جزء مهم  من تلك السياسة التي إنتهجها الأعداء في الماضي ” وضحى بالدماء السخية لتحرير كل شبر من أرض كوردستان ، وهذا الشعب ممثلا بمؤسساته الشرعية هو من يقرر مصير شنكال وكل المناطق المستقطعة والمستردة بالدماء والتضحيات .
أما تصريح السيد ” بايق ” الغريب العجيب والمثير للتساؤل ، والذي لا يخلو من شكوك حول حقيقته وتوقيت إطلاقه ” استقلال كوردستان لا يخدم القضية الكوردية ” فهو الآخر يفرض علينا أسئلة كثيرة نختزلها في سؤال واحد : هل الغاية من إنشاء حزبه هي استقلال كوردستان أم تجزئتها وتفتيتها وتقطيع أوصالها ومن ثم كنتنتها ؟
ليتكرم علينا السيد جميل بايك ، ويسّهل لنا المهمة ، فيشرح قوله هذا كي لا نظلمه وندخل في متاهات التحليلات والاستنتاجات والقراءات التي قد لا ترضيه ، ولا نتوفق في فهم المخبوء بين السطور، ويقنعنا بالأدلة والبراهين التي تثبت صدق قوله ، وكيف أن استقلال كوردستان لا يخدم القضية الكردية .
أما السيدة عائشة أفندي التي لا نعرف موقعها في حزبها ، فقد أطلقت هي الأخرى تصريحا في قناة ” روناهي ” مثيراً للجدل ، مغلفاً بالكثير من الشكوك ، مبطنا بالاستعلائية والفوقية  ، وبصيغة لا تخلو من المنطق الأوامري :        
” نحن لا نسمح بدخول ما يسمى بيشمركة روزافا الى غرب كوردستان لأنه جيش حزبي ، والجيوش الحزبية تمارس دوما الظلم على شعوبها ” .
قد تكون السيدة عائشة مصيبة في القسم الثاني من قولها ، مستمدة إياه من ممارسات جيش حزبها على الأرض ، لكن إطلاقها لفطة ” ما يسمى ” على البيشمركة الذين حازوا على اعتراف وإعجاب العالم بشجاعتهم وبسالتهم ، فهذا ليس من حقها ولا اختصاصها ، لأن دخول البيشمركة إلى غرب كوردستان لن يكون بموافقتها ولا موافقة حزبها حتماً ، إذا كانت منتمية لحزب ، وهو مرهون بتوافقات إقليمية ودولية ، وإذا دعت المصلحة القومية العليا دخولهم فسيدخلون دون استئذان من ” القائد ” عائشة ، التي نجهل تماماً كفاءاتها ومؤهلاتها وهي تدلي بهذا التصريح .
سؤال أطرحه على السيد عائشة : إذا كان بيشمركة روزافا جيش حزبي فلمن تتبع
وحدات حماية الشعب ؟ ومن سمح لها بالتدخل في ” شنكال ” وإعلانها كانتونا ؟
أٌقترح على السادة ” بايق وديمرتاش ” وغيرهم أن يبادروا فيدشنوا أول كانتون في كوردستان تركيا ، وإذا نجحت التجربة فليبادروا إلى تطويرها وتوسيعها وتعميمها وإنشاء المزيد من الكانتونات في كل كوردستان تركيا ، وليكفوا عن تدخلهم السافر في شؤون كوردستان وشنكال لأن لها من يدافع عنها ويقرر ما يلزم .
تصريحات لا تصب في مصلحة الشعب الكوردي ، ولا تخدم قضيته القومية العادلة ، وفي وقت تتكالب فيها كل قوى الشر والعدوان على كوردستان ، والكورد أحوج ما يكونون الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى وحدة الصف والهدف ، أما التفتيت والتجزئة وتقطيع الأوصال وأخيراً ” الكنتنة ” فليست خطوة تاريخية بالمطلق ، وإنما هي خطأ تاريخي قاتل ، لن يستفيد منه سوى المتربصون شرا بالكرد ، وهذه الممارسات بالعموم تثير الشكوك ، وتضع هذا الحزب في خانة المتناقض مع ما يدعيه، فهو إذ يدعي خدمة الكرد والقضية الكردية ، لكن ممارساته في كل أجزاء كردستان لا تخلو من الفردية والمصلحة الحزبية الضيقة ، التي لم ولن تكون في خدمة المصلحة القومية العليا للشعب الكردي، والتاريخ سيكون الحكم ، كما أن الشعب سيقول كلمته مهما طال الزمن .
18/1/2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…