د. محمود عباس
سذاجة، طلب الإنصاف من الأعداء، وتوقع العدالة، والمعاملة الإنسانية، أو نقد أفعالهم بالمقاييس الكردية، وحثهم على مساواة الذات الكردية بشعوبهم. من الحكمة توقع كل الموبقات سلفا، مادام يقال عنه (العدو) أو الأنظمة الشمولية، أو المستبد، أو كما قاله الناقد والكاتب (إبراهيم محمود) في مقاله (كرداقيات) ” إذ كيف يمكن تسمية العدو عدواً، وتوقع المختلف؟ ” .
أعداء وأصدقاء، حسب الفترات الزمنية والمصالح المتضاربة، نفاق السياسة، وخباثة الدبلوماسية، وانعكاس حقيقي لمعاني العداوة. على أعتاب الصراعات المتصاعدة في المنطقة، تلقفوا الرسائل حول القضية الكردية، وهي القضية الوحيدة التي تجمعهم في كل المحن والظروف، والعقدة المشتركة الجامعة بينهم، مثلما تربطهم القوى الإسلامية التكفيرية ومنظماتها الإرهابية حاضراً، كمرحلة لها ظروفها.
لم تكن هناك غرابة في ظهور داود أغلو، على الإعلام، ليؤيد معارضة بشار الأسد للفيدرالية الكردية، الشذوذ هو في عدم الموافقة والتأييد. ومن البديهيات، أن تتفق الحكومة التركية ومعظم القوى العربية السورية المعارضة، مع نظام بشار الأسد، على معارضة المطلب الفيدرالي للمنطقة الكردية ولسوريا عامة، ورفض تكوينها بنظام لا مركزي، تجمعهم ثقافة واحدة، حيث منطق العداوة.
ألغيت الحواجز عند مواجهة مطالب الشارع الكردي في فيدرالية سوريا، فبينهم اتفاقية على مجابهتها، كل بمنطقه، يعملون على تقويضها، منذ ظهور البنود الرئيسة التي تبناها المجلس الوطني الكردستاني-سوريا، والتي وثقت واتفق عليها الأغلبية الحاضرة في مؤتمر بلجيكا عام 2006. ومع تزايد وتيرة المطالبة بها، ضمن المحافل الدولية، وبشكل خاص في أمريكا، وإثارتها في أروقة دبلوماسية لعرضها في مجالس الدول المستعمرة لكردستان، كتركيا، وتبني معظم الحركات الكردية الشبابية الثورية لها، بعد الثورة السورية، ومتأخرا بعض الأحزاب المشكلة للمجلس الوطني الكردي، لا يتوانى الأعداء من تذكير العالم بمعارضتهم لها، عند كل سانحة.
فلم يكن تصريح بشار الأسد حول الفيدرالية الكردية في سوريا المسنودة من أمريكا (كما قيل) إثارة عرضية لحكومة داود أوغلوا قبل المعارضة السورية، بل تذكيرا ببنود مؤامرة (اسميها اتفاقية بينهم ومؤامرة بالنسبة للرؤية الكردية) سابقة، متفقون عليها رغم الصراع الجاري حاليا. أنتظر داود أوغلوا أسابيع قليلة، قبل أن يبين موافقته على تصريح بشار الأسد، وتأكيده على أن المطلب الكردي خط أحمر. فرده بتلك اللهجة التهديدية للكرد مشابهة، لتصريح بشار الأسد، حملت نفس المعاني والغايات، وبما أن القوة هي التي تثير القضايا، تلغيها وتنهضها، فالحكومة التركية، بمنطقها ورؤيتها، ترى الحريات من خلالهما، وعليه فالفيدرالية الكردية التي أثارها بشار الأسد، جمعتهم، وأحيت اتفاقيات قديمة، رغم الصراع على سوريا، وبها سيوسعون الخلافات بين الكرد والمعارضة العربية، وهي مهمة للطرفين.
ضرب القوى الكردية التي ترفع شعار الفيدرالية، يتفق عليه الدول المستعمرة لكردستان، دون نقاش ومحاورة، ويجدونه واجب قومي، وعمل وطني للحفاظ على مصالح شعوبهم، ويراها الكردي مؤامرة، والتوصيف لا يعكس المطلوب من الكرد، بل المطلوب هو أن يكونوا على قدر تحمل مسؤولية المواجهة، وحبك (مؤامرة) كردستانية مشابهة للحد من طغيانهم، والتحرر من إملاءات فروعهم الأمنية، واتخاذ القرار كرديا، وتحويل واقع الاستجداء والعتب من الأخر إلى فرض الذات وجعل الآخر يطلب المحاورة مع الكرد، والتحرك معا للولوج إلى الأوساط الدبلوماسية العالمية لإقناعهم بالحقوق القومية الكردية، ومن السهل بلوغ هذه السوية في حال الغاء الغاية الحزبية والتحزب وإزالة عبادة أنصاف الألهة، وإزالة الخلافات الحزبية ووضع كردستان الوطن هدفا، لا السيطرة الحزبية وتغطيتها بالشعارات المبهرة للذات الحزبية دون الشعب.
لا يذم العدو في أجنداته، أو تهجيره للشعب الكردي، وطمر اسم كردستان، بل من الجهالة أن يتوقع الكرد من سلطة بشار الأسد وحكومة داود أوغلو غير الجاري، فهما يقدمان أفضل الخدمات لشعوبهم وسلطاتهم وأحزابهم، فماذا قدمت جميع الأحزاب الكردية المسيطرة والمهجرة لشعبهم بالمقابل؟ غير الخلافات وتزايد نسبة التهجير، وتراكم المعاناة، وتنشيط الإعلام الحزبي على التشهير والتخوين للبعض.
لا أمل في كردستان الحلم، بوجود هذه الخلافات وتزايد الهوة، واقتتال أطراف الحركة الكردية والمثقفين والعامة بين بعضهم، أمام أعداء يخططون بخبث.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية