وطنٌ هزيل مع الخيانة..

 

ريوي كربري

 

الخيانة هي أسوأ فعل يقوم به المرئ تجاه الناس، سواءاً على الأهل والأصدقاء أو الوطن والملة أو حتى على الحبيب، وليست للخيانة درجات أو مستويات لأنها مؤذية كيفما كانت..
ونحن الشعب الكوردي عانينا من الخيانات كثيراً فتفاقمت علينا النقم والكوارث والفواجع وزاد الموت والتشرد والتفرقة بين ملتنا فبقينا بدون وطن موحد يجمعنا ولا دولة نُعرف بها،
لو عدنا قليلا في التاريخ وحاولنا تذكر أول خيانة كوردية هزت عرش التاريخ الكوردي وغيرت مسار النضالات الوطنية وأنهت ودمرت قوام أول دولة كوردية مدنية لامركزية في التاريخ وهي إمبراطورية ميديا العظيمة التي أنشأها البطل الكوردي كي اخسار (كيخسرو)،

 

وهذا الخائن الذي خان بني جلدته ووأد شعبه في غياهب تاريخ لا يرحم هو (هارباك) القائد العام للجيوش الميدية أيام حكم هاستياك إبن كيخسرو للدولة الميدية، فاتفق مع كورش الأخميني (الفارسي) الحاكم آنذاك على منطقة فارس التابعة لامبراطورية ميديا الكوردية بحكم إن دولة ميديا كانت لامركزية، وكانت النتيجة إن كورش الأخميني استطاع حشد قوته الفارسية وجمع بعض القبائل الأخرى وقامَ بالهجوم على عاصمة الدولة الميدية  بمساعدة هارباك خائن الشعب الميدي وهزيمة الجيوش الميدية التي يقودها الحاكم هاستياك ومن ثم إنهاء الحكم الميدي مما أدى الى إختفاء الامبراطورية الكوردية (ميديا) على يد كورش الأخميني فبدأ الحكم الفارسي الذي حاول قدر المستطاع أن يجعل الكورد الميديون قوة ضعيفة قابلة للزوال والإختفاء..
ونتيجة خيانة هارباك لبني جلدته وهو قائد عام لجيوش دولته إن الكورد ظلوا بدون دولة  والى هذا اليوم، وتوالت الخيانات في التاريخ الكوردي إلى يومنا هذا، فلا توجد ثورة كوردية إلا وقد كان سبب هزيمتها خيانة كوردية من قبل قائد عشيرة او شخصية كبيرة له قوة أو نفوذ..!!
ونحن اليوم في هذهِ الاوضاع المأساوية التي نعيشها في غربي كوردستان نجد الكل متهم بالخيانة فكل حزب أو كل قوة سياسية يتهم الآخر بالخيانة والعمالة لأطراف أخرى، فهل يا ترى استطاع هارباك أن يجند له جيوشاً من الخونة كي يعيدوا تاريخ الهزيمة الميدية ويشتتوا الكورد مرة أخرى ويجعلوا منهم قوة ضعيفة قابلة للزوال..!؟؟
ألن يأتي قائد أو رجل واعظ وحكيم كمؤسس الدولة الميدية وموحدها (دياكو)  فيوحدنا كما وحد القبائل الكوردية والقبائل الأخرى وقتها والتي كانت تقطن منطقة ميديا ليقوموا بثورتهم ضد الامبراطورية الآشورية، وبذلك نقوم نحن أيضاً بثورتنا ضد اعداء كوردستان وأعداء القضية والوحدة الكوردية..
ألا يكفينا جحوشاً وخونة يمزقون جسد كوردستان وينهشون لحم الكورد فيصافحون العدو ويمدون يد العون لهم لقتل اخوتهم الكورد وتشريدهم..
ألم يحن الأوان كي نتوحد وننسى كل خلافاتنا الحزبية والسياسية الشبيه بمرض السرطان المتفشي في جسد كوردستان فيضعفه رويداً رويداً إلى أن يقضي عليه،
أين العقلاء والوطنيون مِن مَن لا تهمهم المصالح الشخصية ويفضلون المصلحة الوطنية والعامة على كل شيء، كي يضعوا أساساً قويماً للنهوض بالقضية الكوردية والالتحاق بموكب الشعوب الأخرى في تأسيس دولة كوردية..
مابالكم أيها السياسيون والقادة وقد فضلتم كرسيكم ومركزكم على الوطن وأنتم أيها المتهافتون على تمجيد وتعظيم الشخصيات والقادة أليس الوطن أهم من القائد مهما كان عظيماً ووفياً ومناضلاً، فهم راحلون والوطن باقٍ وهم زائلون والوطن صامد..
ألا يكفينا كل ما جرى لنا من ويلات وكوارث ومجازر وقتل، ألن نتعظ ونستفيق من غفلتنا المميتة والتي أوقعتنا في هاوية التخوين والحرمان من وطنٍ يأوي اطفالنا كي يترعرعوا فيه ويناموا في لياليه الجميلة دون خوف أو قلق أو كوابيس..؟؟
إلى متى يا بني أمتي إلى متى سوف نبقى هكذا لا وطن ولا أرض ولا منزل يأوينا..؟
إلى متى يا بني قومي سنبقى نتصارع على تفاهات الحياة لأجل قادة وأشخاص متعجرفين..؟
إلى متى يا أخي وأنت تتهم شقيقك وبني دَمِكَ بالخيانة وتنتهكُ وطنيتهُ…؟
إلى متى يا أمة الكوردِ ونحنُ متنافرون ومشتتون ونعادي أنفسنا..؟
هل حقاً نحن كالحَجَلِ ذاك الطائر الذي بات مثلاً في الخيانة ومعاداة بني فصيلته..؟
ألم نتعلمُ بعد من تجاربنا ومصائبنا وكلُ ما جرى لنا طيلة آلاف السنين من تاريخنا..!!؟
كفانا… قسماً برب العزّة كفانا.. لقد مللنا سياستكم المقيتة وتعجرفكم وعظمتكم وعللكم يا مَن تصفون أنفسكم بقادة وسياسيين، أخرجوا منّا واتركوا الوطن بخير، فلا نريد وطناً مريضاً بكم.
وسوف نترك لكم أصنامكم وكراسيكم وقصص بطولاتكم الهزلية، لا نريد أن يستذكركم أطفالنا ولا شوارعنا ولا حتى دفاترنا التي سنحرقها بجانب أصنامكم..
مات هارباك فلتمت الخيانة فينا، ولننهض معاً لبناءِ وطننا ووحدة صفنا…
20/01/2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…