بيار روباري
للأسف الشديد إن أكثريات الكتابات التي تناولت مؤخرآ، فكرة إنشاء كانتون شنكال، ذهبت بعيدآ عن جوهر الموضوع، وإستغل البعض الأمر للتهجم على طرف من الأطراف لأسباب خاصة به، بدلآ من الخوض في صوابية تلك الخطوة أو عدم صوابيتها وشرح الأسباب لنا، بعيدآ عن لغة التجريح والتخوين المعيبة والمرفوضة جملة وتفصيلآ. علينا ككرد أن نتعلم أن نحترم بعضنا البعض، وندرك أيضآ بأنه ليس من شخص فوق النقد، بما فيهم الأنبياء والرسل.
فكرة الكنتونات وجدت في دول متعدة القوميات والإثنيات الصغيرة، كسويسرا على سبيل المثال، ولكنها لا تصلح لقومية واحدة متجانسة، داخل إطار الدولة الواحدة، من وجهة نظري. ولهذا عارضت فكرة الكنتونات شخصيآ، التي تبنها الإخوة في (ب ي د) وطبقوها في غرب كردستان. ولي أسبابي في ذلك وليس له أي علاقة بالخلافات الكردية- كردية.
ولتبسيط الموضوع وتسهيله على القراء الأعزاء، سوف أستعين ببعض الأمثلة الحية من العالم لهذا الغرض. ولكن قبل الدخول في الموضوع دعوني أذكركم ونفسي معكم، بأنه يوجد عدة أشكال من الدول حول العالم. هناك دول ذات قومية واحدة متجانسة، ومع ذلك نظامها فدرالية مثل المانيا، وهناك دول فدرالية متعددة القوميات مثل بريطانيا وكندا ومركزية الإدارة. وهناك دول متعددة الإثنيات، وتتبنى نظام الكانتونات مثل سويسرا وهي أقرب نموذج لما هو موجود في غرب كردستان، ولكن يختلف عنها في كثير الإمور وسوف أتي عليها بشيئ من التفصيل فيما بعد.
والأن إذا أردنا تطبيق أي شكل من هذه الأشكال الناجحة في إقليم غرب كردستان وجنوبها لا يصلح ذلك. لماذا لا يصلح؟ لأننا نحن ككرد شعب واحد ومجزئين بين أربعة دول مختلفة. ثم نحن بحاجة إلى توحيد شعبنا الكردي في كل جزء من كردستان، في إطار إقليم واحد، ونحاول الحصول على حقوقنا القومية والدستورية والسياسية في كل جزء، على شاكلة ما حصل عليه الإخوة في إقليم جنوب كردستان، أي الفدرالية كخطوة اولى على طريق الإستقلال التام وتوحيد كردستان والشعب الكردي.
والأن أعود مرة إخرى لسويسرا ومقارنتها مع الوضع الكردي في إقليم غرب كردستان وجنوبها. سويسرا دولة فدرالية تتكون من أربعة أقوام مختلفة، ولكل قومية لغتها الرسمية وكنتونها الخاص بها، وتدير منطقتها إداريآ، ولكنها لا تملك وزارة خارجية أو دفاع أو مالية خاصة بها. هذه الوزارات السيادية موحدة وبيد الحكومة الفدرالية. ثم إن سويسرا لها رئاسة مشتركة وبرلمان واحد لكل البلد. وهذا يخالف ما هو موجود في غرب كردستان شكلآ ومضمونآ.
كان الأفضل إعتبار غرب كردستان إقليمآ إداريآ واحدآ، ويكون لها حكومة واحدة ومجلس تشريعي (برلمان) واحدة ورئيس للإقليم، وعاصمة للإقليم ولتكن مدينة القامشلو، وكان يجب إجراء إستفتاء شعبي حول جميع هذه الإمور وليس فرضها بقوة السلاح من قبل طرف واحد.
مثلآ هل يعقل أن يكون لكل منطقة من مناطق غرب كردستان، وزير للخارجية ووزير للدفاع ووزير للمالية ورئيس؟ هذا غير مقبول سياسيآ وقانونيآ ومضر جدآ بقضية الشعب الكردي في هذا الجزء من كردستان. بقيا أن نفتح سفارة لعفرين في كل من كوباني والجزيرة، والعكس!!
تصوروا لدينا الأن في سوريا أربعة وزراء للخارجية وأربعة للدفاع إلى أربعة رؤساء وأربعة برلمانات وكل جهة تصدر قوانين مختلفة !! هذا أمر غير معقول وغير منطقي وغير عملي، ولا يصدر إلا عن أشخاص هواة في السياسة. أنا أعلم إن بعض الإخوة في (ب ي د) يبررون ذلك بالفواصل الديمغرافية بين المناطق الكردية في غرب كردستان، وهذا الكلام ليس له أي قيمة سياسية وقانونية، لماذا؟
لأن هناك العديد من الدول في العالم غير موحدة جغرافيآ، ومع ذلك تتمتع بادارة واحدة. فمثلآ الفلبين تتألف من عدة جذر متباعدة، مثلها مثل أندونسيا وهي دول معترف بها ولها إدارة موحدة، مع تمتع كل جزيرة بسلطات واسعة لإدارة شؤونها اليومية. وهناك دول ذات أراضي منفصلة عن بعضها البعض، كالولايات المتحدة الأمريكية ومقاطعة ألاسكا، ونفس الشيئ ينطبق على قطاع غزة والضفة الغربية بالنسبة لدولة فلسطين، ومع ذلك تتمتع الدولتين بادارة واحدة. والأن لنعود إلى موضوع كانتون شنكال ومدى صوابية تلك الفكرة من الأساس.
أنا شخصيآ ضد تسمية الكانتون، لأنها توحي بالتقسيم وهي بالفعل كذلك، وثانيآ أرفضها إن كانت ستكون على شاكلة كانتونات غرب كردستان، التي ليس لها أي مستقبل حسب رأي بشكلها الحالي. على كل حال فهي مرفوضة من قبل أكثرية شعبنا الكردي في غرب كردستان، لأسباب عديدة منها، تجزئة الشعب الكردي، وثانيآ عدم إستخدام كلمة كردستان في إسمها، والإكتفاء فقط بي (روز أفا)! دون أن يقول لنا أحد غرب ماذا؟ غرب السودان مثلآ أم غرب الهند أو غرب أمريكا؟! وثالثآ إستبدال إسم الشعب الكردي بإسم «الإمة الديمقراطية » وهذا معيب ومرفوض كليآ، ولا يوجد شيئ إسمه الإمة الديمقراطية في الكون هذا مجرد كلام فارغ. ورابعآ رفضهم رفع علم كردستان على المباني والدوار الرسمية من قبل القائمين على تلك الكانتونات!!
الإخوة في حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، يرفضون رفضآ قاطعآ مبدأ الفدرالية والكونفدرالية والإستقلال الكامل لكردستان، وفي نفس الوقت لديهم ثلاثة وزراء للدفاع والخارجية والمالية في غرب كردستان! في الدول الفدرالية والكونفدرالية لا يوجد سوى وزير دفاع وخارجية ومالية واحد. ماذا سيفعل الإخوة في (ب ي د) باولئك الوزراء في سوريا المستقبل، إذا إتفق الكرد والعرب على أن يكون سوريا دولة فدرالية؟
إذا كان إقليم جنوب كردستان ليس لديه، وزارة خارجية ووزير بالمعنى المتعارف عليه عالميآ، والإقليم يتمتع بالفدرالية ومعترف به من قبل كل العالم، بما فيها الإمم المتحدة. فكيف لغرب كردستان ثلاثة وزراء خارجية؟ إنها نكتة سمجة حقآ. ولنفترض إذا أقمنا كانتون شنكال وكركوك الأن كما يطالب البعض، فكيف ستكون شكل علاقتهما بحكومة إقليم جنوب كردستان والحكومة المركزية وبالعالم الخارجي؟؟
حسب رأي إن فكرة الكانتون من الأساس خاطئة وغير ملائمة لظروف كردستان، وغير مقبولة سياسيآ وقانونيآ، وستشكل خطرآ على وحدة الشعب الكردي ووحدة تراب كردستان مستقبلآ، ونحن بغنى عن كل هذا الإشكالات. ثم أهلنا في شنكال ليسوا شعبآ مستقلآ بحالهم أو إثنية قومية، وإنما هم جزءً عزيزآ وأصيلآ من شعبنا الكردي.
أنا أفهم جيدآ تخوفات أهلنا في شنكال وحساسيتهم، نظرآ لما مروا به من مأسي عبر التاريخ وحديثآ على أيدي تنظيم داعش الإرهاربي وعدم دفاع البيشمركة عنهم في حينها. وأنا مع أن يكون لديهم نوع من الإدارة المحلية لخصوصيتهم الدينية والتاريخية، وأن تكون هذه الإدارة جزءً من جسد الإدارة الكردية الشاملة في الإقليم. نعم هم حاجة أيضآ إلى قوة عسكرية مرابطة في منطقتهم، وتكون أفرادها وقيادتها كلها من أبناء المنطقة، ولكن بشرط أن تكون تابعة لوزارة البيشمركة الكردية، ومسلحة تسليحآ جيدآ، حتى تكون قادرة على الدفاع عن المنطقة وتمنح شعور الأمان لأهلها.
وأنا أعتقد مثل هذا الأمر ممكن ومفيد، وليس له أي تداعيات سياسية وأمنية وقانونية على وحدة شعبنا وإقليم جنوب كردستان، الذي نتمنى له كل الخير والسلامة والرخاء. وعلى جميع الأطراف الكردية، الإبتعاد عن إستخدام مأساة أهلنا في شنكال، في صرعاتهم الحزبية الضيقة والمتاجرة بها.
وفي الختام أود أن أقول، إنني ضد تخوين الإخوة الذين إقترحوا فكرة إنشاء كانتون شنكال، لأنه إجتهاد شخصي ومن حق أي شخص منا، أن يعترض عليه وينتقده ضمن إطار الأدب والإصول، أو أن يؤيد تلك الفكرة ويدعمها. وفي المقابل وبنفس القوة، إنني ضد اولئك الذين نعتوا الإخوة الذين رفضوا فكرة إنشاء الكانتون وإتهموهم بالعمالة والخيانة. كلا الموقفين مرفوضين أخلاقيآ وسياسيآ، ولا علاقة لهما بحرية الكلمة ولا بالمنطق ولا بالمعرفة ولا بإصول الصحافة والكتابة والنشر.