الطرد من الوطن جريمة لا تغتفر

جان
كورد

  

إن مجرّد
تهديد مواطنٍ من المواطنين بالطرد من الوطن جريمةٌ لا أخلاقية شائنة وخرقٌ لحقوق
الإنسان، ولا يمكن أن يصدر من حزبٍ يزعم أنه “ديموقراطي” يؤمن بحرية
الرأي ويسعى لتعزيز ما يسميه ب”الإدارة الذاتية الديموقراطية”
و”الكونفدرالية الديموقراطية”، ويعتبر نفسه جزءاً من العالم الحر
الديموقراطي، إلاّ أن السيدة آسيا عبد الله من قيادة “حزب الاتحاد الديموقراطي”
قد هددت علناً وبشدة أمام عدسات التصوير لقناة “روناهي”  في فترةٍ ماضية كل من لا يقبل “الإدارة
الذاتية” التي أعلنها حزبها بالطرد من مناطق الكانتونات التابعة لها وقالت
بأن حزبها لن يتهاون في ذلك، فلم نسمع استنكاراً من أحد رفاقها الديموقراطيين أو
اعتذاراً منها شخصياً فيما بعد أو بياناً للإدارة الذاتية يستنكر هذا الموقف
المخالف للائحة حقوق الإنسان وللديموقراطية وحرية الرأي، وكأن الرئيسة المشاركة في
“حزب الاتحاد الديموقراطي” قد نطقت بقرارٍ  للحزب،

 فإن كان هذا فعلاً رأي حزبٍ “ديموقراطي”
تجاه من يرفض هذا النوع من الحكم أو ذاك، فهل فيه أملٌ في تحقيق الحريات السياسية
وحرية الكلام وبناء المؤسسات الديموقراطية التي لا ديموقراطية فيها من دون حق
التعبير عن الرأي بصراحة وبدون مضايقات وتهديدات بالطرد من القرية أو المدينة أو
الدولة، لأن الملوك الطغاة كانوا يقومون بمثل تلك الإجراءات القاسية، فقد تم تهجير
الملايين من البشر من أوطانهم لمجرّد أنهم من هذه الفئة البشرية أو تلك ولأسباب
سياسية أو عسكرية أو توسعية، ولم نسمع في التاريخ أن أناساً تم طردهم من أوطانهم التي
فيها أنظمة “ديموقراطية” بسبب أنهم خالفوا الحزب الحاكم في سياساته، أو
طالبوا بتغيير النظام الملكي إلى جمهوري، أو النظام العسكري بنظام مدني، وإنما
سمعنا ورأينا هذا يحدث في البلاد التي فيها أنظمة دكتاتورية، قمعية، متخلّفة
ومجرمة، وللشعب الكوردي ذاته تاريخ طويل من المآسي التي تعرّض إليها، بسبب التهجير
بالجملة شرقاً إلى خراسان في إيران وغربا حتى (قونيا) و (بوردور)  في غرب تركيا، وإلى طاجكستان وقيرغيزيا
وأوزبكستان… وتم نفي زعمائهم إلى جزيرة كريتا ومدغسقر  وجيبوتي، ولربما نجد في المستقبل كورداً تم
نفيهم بسبب آرائهم على أقرب كوكبٍ مسكون آخر 
في الكون الفسيح. 

فرض “حزب
الاتحاد الديموقراطي” نفسه على المنطقة الكوردية في شمال سوريا بقوة السلاح
الذي لا يدري أحد كيف حصل عليه فجأة بعد اندلاع الثورة السورية المجيدة مباشرةً وهو
لم يدخل في معركةٍ جادة ضد قوات النظام للاستيلاء على مخازنه وذخيرته وثياب جنوده
والعربات التي عليها الأسلحة المتنوعة، وفي بلادنا من يملك السلاح والقوة هو الذي
يقرر… وليس الشعب عن طريق الانتخاب وافساح المجال للتعبير عن الرأي دون خوف من
قتلٍ وتعذيبٍ وتشريد و … “طردٍ من الوطن.” والاسطوانة التي يعزف عليها
هذا الحزب هي ذاتها لا تتغيّر (نحن ندافع عن شرفكم)، في حين أن هذه السياسات
الخرقاء لهذا الحزب، ومن ضمنها سياسة “الطرد من الوطن” و “الإجبار
على الجندية” رغم أنه ليس مؤسسة حكومية سورية أو مؤسسة للثورة السورية، وسلبه
الناس أملاكهم ومنازلهم، إضافةً إلى تراكمات السياسة العنصرية للنظام الأسدي حيال
شعبنا السوري عامة، هي التي شرّدت أكثر من 50% من شعبنا الكوردي، والتاريخ يعلّمنا
أن (شرف الإنسان في وطنه وليس في أوطان الآخرين.)

 حزب
الاتحاد الديموقراطي يزعم أنه صاحب “الخط الثالث”، أي أنه لا يحارب
النظام ولا يدخل في تحالفات المعارضة السورية التي تعمل على إسقاط النظام، إلاّ أن
السياسة التي يمارسها هذا الحزب على أرض الواقع السوري تخدم النظام المترنح كلياً
بحيث تعتقد فصائل مختلفة فكرياً وسياسياً  في المعارضة أن هذا الحزب يعمل وفق اتفاقٍ سري
مع النظام وهو ليس صاحب أي خطٍ آخر، بمعنى أنه خارج إطار “الثورة
السورية”، والذي يؤكّد ما نقوله هو أن عملاء النظام من الكورد، من عهد ما قبل
الثورة، داخل البلاد وخارجها، يؤيدون سياسات حزب الاتحاد الديموقراطي كلها،
ويؤازرونه في سائر المناسبات والمواقف، فهل هذه مصادفة؟

إن شعبنا
متمسك بأرضه ولن يتخلّى عن طموحاته القومية العادلة، في سوريا حرّة، ديموقراطية،
تعددية… وفيدرالية، ضمن إطار التوافق الوطني السوري بين الأحزاب والقوى التي
تمثّل إرادة الكورد حقاً وبين الفصائل الوطنية والديموقراطية السورية المؤمنة بأن
حل القضية القومية الكوردية جزءٌ لا يتجزّأ من مهامها الأساسية، وعلى هذا النهج
المحفوف بالأمل تسير سائر أحزابنا الكوردية السورية ما عدا “حزب الاتحاد
الديموقراطي” الذي أسس لكارتونات مشبوهة تؤمن بطرد مواطنيها المعارضين لها
وناكرة لحق تقرير المصير لشعبنا ضمن إطار الوحدة الوطنية السورية. 

 فهل آن
الأوان لإسقاط القناع تماماً عن وجه هذا الحزب الذي ترأسه السيدة آسيا عبد الله
مشاركةً، أو فضح هذا النهج الذي تسعى لترسيخه آسيا عبد الله ومن على شاكلتها أمام
أعضاء الحزب وكوادره المؤمنين حقاً بحرية شعبهم وحقه القومي الطبيعي والمؤمنين بأن
(شرف الكوردي على أرضه وليس في قوارب النجاة أو بطرده من منزله وموطنه) …

“أنظر
أيضاً: رد حزب تيار المستقبل الكوردي على آسيا عبد الله في جريدة القدس العربي،
العدد 7815 الأربعاء 23 تموز 2014 المنشور في الفيس بووك تحت هذين الرابطين أيضاً:

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…