السيد مسعود برزاني في واشنطن

د. محمود عباس 

 ماذا توجد في الحقيبة الدبلوماسية لرئيس إقليم
كردستان الفيدرالي السيد مسعود برزاني ووفده، وبماذا سيعود؟ أسئلة يتلهف كل كردي
في معرفتها، واضعاً الكثير من الآمال عليها، كما في كل جولة دبلوماسية، دون أن
تبان له الحقائق، فيستمر تائها بين الواقع والأحلام، بين الحقيقة والآمال.  
 تتجزأ جغرافية الشرق الأوسط، بل هي مجزأة بشكل
عملي، ومن يرى غيرها ينافق على ذاته. ملغية، ومنذ سنتين تقريبا، وبشكل عملي
تقسيمات سايكس بيكو، رغم تمسك الهيئات الدولية العالمية بالرسميات الشكلية. وفي
الواقع الفعلي، تقسيمات جغرافية وإدارية في الشرق الأوسط، تتداخل ضمن بعضها، فدولة
العراق مقسمة بين الشيعة والسنة والكرد، وهم يتقاتلون عمليا على المساحات
الجغرافية تحت غطاء عراق الوطن الواحد، وكل طرف يمزقها حسب مصالحه وطموحاته، كما وفوقها
سوريا والعراق، الممزقة بين داعش والشيعة وسلطة بشار الأسد وإيران، وهناك لبنان دويلات
ضمن دولة.
 وفي الأروقة الدبلوماسية العالمية طرحت قضية
الشرق الأوسط الجديد على مبدأ المصالح أو الإثنيات أو المذاهب منذ سنوات، والغي
بشكل نظري الخريطة البريطانية -الفرنسية السابقة، والذين يناهضون العملية الجارية هم
أكثرهم انتهازية وصراعا على مصالحهم الذاتية، وفي مقدمتهم أشرس الطغاة، كالرئيس
بشار الأسد وسابقا المالكي واليوم البعض من قوى الشيعة، الدارجون مع أيران أكثر من
تبعيتهم للوطن العراقي، والأخطر منهم الإسلام السني السياسي العروبي المشترك مع
البعث، الرافض للأخر والمتصارع على سيادة المنطقة. 
 ما يجري في المنطقة، واحدة من الفترات الحساسة
في تاريخ الشعب الكردي، والتي تقف عليها القضية المصيرية للأمة، ومستقبل كردستان،
لنقلها من الحلم إلى الواقع، رغم ما يعرض على الإعلام من الانتقادات والتهجمات على
الكرد والأقليات القومية الأخرى، تحت غطاء الوطن، أو الأمة الإسلامية أو الوطن
العربي المشترك، أو الانتهازية.
 هذه
المرحلة مبنية على تداخل التحركات الدبلوماسية الدولية، والعلاقات السياسية، بين
الحركات الكردستانية ذاتها، والخارجية المحاطة بكردستان من جهة والدولية المهتمة
بالشرق الأوسط من جهة ثانية. وهي المؤدية إلى وصول السيد مسعود برزاني رئيس الإقليم
الفيدرالي الكردستاني إلى واشنطن، وللمرة الرابعة، جرت خلالها لقاءات مع رؤساء
أمريكا، ومحاورات متعددة مع المؤسسات السياسية والتجارية والدبلوماسية الأمريكية. والزيارة
الجارية الأن جلبت انتباه الشارع الكردي بشكل أوسع من الماضي، لقناعة بأن قضية
مستقبل كردستان نضجت، ويأملون طرحها بشكل رسمي على طاولة المباحثات في البيت
الأبيض، وخاصة بعد الإلغاء الماضي لزيارته، وذلك على خلفية عدم إخراج الحزبين الرئيسيين
الحاكمين على الإقليم من قائمة الإرهاب، الصادرة سنويا من وزارة الخارجية
الأمريكية، إلى جانب أسباب أخرى خاصة بسياسة أمريكا تجاه الإقليم، علماً أن
الزيارة هذه، بعكس الشارع الكردي،  لم تجلب
أنظار العالم إليها، كما ولم تكن بذاك البعد المأمول من الدبلوماسية الأمريكية إلا
ما درج ضمن مصالحها في الشرق الأوسط، وهو ما جرت عليها المباحثات أو شبه الإملاءات
بشكل دبلوماسي  في البيت الأبيض. فمن
الأهمية بمكان تحليل هذه الزيارة بوجهيهما المتناقضتين أو بالبعدين الدبلوماسيين:
 1-  
إذا كانت الدعوة للسيد مسعود برزاني مرسلة
لفتح حوارات على سوية رؤساء دول، حينها كان يحق له طرح أسئلة عديدة على طاولة
المفوضات، والتي كانت متوقعة تناولها كمواضيع مهمة بين رئيس أمريكا السيد براك
أوباما ورئيس الإقليم السيد مسعود برزاني، ومنها:
 1-  
القضية التي على خلفيتها أدرجت اسم الحزبين
الرئيسيين في الإقليم (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الديمقراطي) ضمن قائمة
المنظمات الإرهابية المحظورة التعامل معهم، والتي أزيلت في السنة الماضية بتاريخ
3-12-2014 بعد تدخل مباشر من نائب رئيس أمريكا جو بايدن والسيناتورين (روبرت
ميننداز وجان مكين)، رغم ذلك هناك إشكاليات من الحظر قائمة، وهي بينة في الواقع
العملي ومن حيث التعامل التجاري، على سبيل المثال، قضية النفط، وغيرها خارج إطار
الإقليم كدويلة (مقارنة بكردستان الكبرى).
 2-  
طرح قضية الحظر الذي لا يزال قائما على
الطيران الأمريكي التجاري، على الهيئة المختصة بالتجارة العالمية، التي جلس معهم
سيادة الرئيس مسعود برزاني بعد لقاء البيت الأبيض مباشرة، المؤدية إلى تأخره عنها
قرابة نصف ساعة التي أمضاها مع السيد جو بايدن، متجاوزين الوقت المحدد. والحظر
المفروض، موجود منذ عهد صدام حسين، دون صدور قرار بإلغائه، وعليه لا تسمح
بالطائرات الأمريكية النزول في هولير إلا بإذن ورخصة انفرادية عند كل رحلة، وهذه تحدد
من سوية العلاقات التجارية للمستثمرين الأمريكيين، وكثيرا ما يضطر المستثمر
الأمريكي أو طائراتهم المرور ببغداد لبلوغ الإقليم.
 3-  
عليهم أن يكونوا قد بحثوا في توسيع صلاحيات
القنصلية الأمريكية المتواجدة في هولير، كقضية إعطاء الفيزا الأمريكية، دون اضطرار
المواطنين أو مقيمي الإقليم الذهاب إلى بغداد أو أنقرة، وبهذا ستفتح مجالات عديدة
أمام الإقليم، ومن ضمنها العلاقات السياسية والدبلوماسية، والتجارية والسياحية،
وغيرها، وستكون هذه الخطوة البوابة التي قد تؤدي إلى نقل الاعتراف بالإقليم من
مجرد جغرافية فيدرالية إلى شبه دويلة، أو أكثر في المستقبل.
 4-  
البحث في القضايا العسكرية والسياسية
المتعلقة بمركزية بغداد، وهي من القضايا المؤكدة التي جرى الحوار عليهما، والقضية
هنا تطرح ذاتها على بعدين: أولا، هل ستدعم كهيئتين شبه مستقلتين، أم كرئيس إقليم
يتبع المركز؟ وعلى هذين المحورين يرتبط مستقبل الإقليم، كدويلة، أو كردستان،
كدولة.
 2-  
أما إذا كانت الدعوة مبنية على دراسة الوضع
العسكري القائم في المنطقة، ومدى تمسك الكرد بأجندات أمريكا في محاربة المنظمات
الإرهابية حسب استراتيجيتهم الكلية للشرق الأوسط، والتي تندرج ضمن منطق الإملاءات
مع الغطاء الدبلوماسي، والتي انفرد بها جو بايدن، ودعمت بإطالة اجتماع البيت
الأبيض نصف ساعة عن الوقت المقرر. وللأسف طريقة الإملاءات هذه، المتعودة عليها
معظم الحركات السياسية الكردية وعلى مر التاريخ، من القوى الإقليمية والدولية،
والمؤدية إلى الواقع الكردي الجاري، هي نفسها المبان حاضراً في اجتماع البيت
الأبيض ومع الرئيس الأمريكي على الأقل. وضمن هذا البعد ستكون الزيارة قد أحيطت
بالتالي:
 1-  
أقناع الرئيس مسعود برزاني والوفد المرافق
له، بسيادة بغداد، وكلية العراق الموحد، كدولة فيدرالية، والتأكيد على أن فيدرالية الإقليم هو المدى الأبعد المطلوب حاضراً.
 2-  
محاربة داعش، بتكتيك منفصل وبدعم أمريكي ما، لا
تلغي استراتيجية مشتركة مع الجيش العراقي. 
 3-  
أكد البيت الأبيض ومن خلال المعلن بأن محاربة
داعش هي القضية الأهم بالنسبة لأمريكا ودعم الكرد، عسكريا وسياسيا، يأتي بناءً عليه.
 4-  
تبينت، وحسب التصريح المعلن من البيت الأبيض،
أن القضية الكردستانية ليست محورية في استراتيجية السياسة الأمريكية حول الشرق
الأوسط، ولا توجد دراسة رسمية لمستقبل الإقليم المنفصل، أي لا دويلة كردستانية،
وبالتالي لا كردستان، بشكل رسمي حتى الأن، ولم تطرح مثلها على طاولة المباحثات مع
الرئيس أوباما وأن كان قد عرض على جو بايدن، بعد خروج أوباما من الاجتماع، (وفيه
شك) ستكون بطريقة استجداءيه للبحث فيه مستقبلا.
 5-  
لا شك درس قرار دعم الإقليم بالأسلحة الثقيلة
منفصلا عن بغداد، علماً أن نسبتها مع حصة السنة لا تتجاوز 25% من الميزانية
المخصصة لدعم الكلي للعراق والتي تقد بـ(715) مليون دولار، والاجتماع مع الرئيس
أوباما كان للتأكيد على أن الأسلحة ستستخدم ضد داعش، ولن تندرج ضمن عملية تقوية
الإقليم لغاية الاستقلال عن المركز، وبالمناسبة أن نسبة 75% المخصصة لبغداد، سوف
تجمد إلى أن تنفذ الحكومة المركزية الشروط التي سيقدمها وزيري الخارجية والدفاع
الأمريكيين، في كيفية التصرف بالأسلحة، وفي حال عدم تنفيذ الشروط، فأن نسبة دعم
الكرد والسنة سترفع إلى 60%. من المتوقع أن هذا الطلب المطروح من قبل رئيس لجنة
التسليح في الكونغرس، الجمهوري التكساسي (ماك ثورنبيري) للبيت الأبيض، درس وبحث في
إدارة أوباما قبل أن تدفع بالكونغرس لعرضه، فكما نعلم أن طلبا مشابها رفض سابقا من
قبل البيت الأبيض، عندما كان المالكي على الحكم وداعش كان لايزال ضعيفاً، فالموافقة
السريعة الأن على الاقتراح، مبنية على خلفية الأجندات الأمريكية في المنطقة، بعدما
تمكنوا من أدراج مصالح الكرد الأنية ضمن تكتيكهم عند احتلال داعش لموصل وشنكال
واقترابهم من هولير، وعليه غيبت الغاية الكردستانية.
 6-  
ما ظهر من حديث السيد براك أوباما في النصف
الساعة التي حضر فيها الاجتماع، تبين أن معظمها كانت توصيات وشبه إملاءات
دبلوماسية، وتغييب لرغبات الشارع الكردي، وتعتيم على ما يقال عن الشرق الأوسط
الجديد، حتى ولو كانت الاستراتيجية الأمريكية العامة تفضح العكس، والمنتظرة شروط
جيوبوليتيكة عسكرية ملائمة للمنطقة، وفي هذا الصدد لروسيا موافقة ما.
جولات عديدة قادمة تنتظر السيد مسعود برزاني
رئيس إقليم كردستان الفيدرالي، ليصبح رئيس دويلة مستقلة، ومتطلبات عديدة تفرض
ذاتها على الحركة الكردستانية بشكل عام، إلى جانب محاورات مكثفة مع الهيئات
الدولية، وبشكل خاص مع الدول الكبرى، أمريكا وروسيا، وأوروبا، لإقناعهم بأهمية
القضية الكردستانية في الشرق الأوسط، وهذه تتطلب جهود ذاتية مكثفة مشتركة، عليهم بنائها
ولو كانوا على خلاف داخلي بين بعضهم، فالقوى المترصدة بكردستان تملك أمكانيات
سياسية ودبلوماسية واقتصادية ضخمة، وهي تتحرك ضمن الأروقة العالمية بلوبي متشعب
الأبعاد، فبدون شراكة كردستانية ستكون الجهود ضحلة وأضعف من خلق المطلوب،
وبالإمكانيات الحاضرة والصراعات الكردستانية الجارية تصبح الآمال اضعف من خلق
أمكانية عرض المطلب الكردستاني بثقة على طاولة البيت الأبيض أو أية قاعات
دبلوماسية عالمية تملك قدرات القرار، والنجاحات المرئية الكردستانية، ستبقى آنية
قابلة للانهيار عند أول موجة عاتية. 
 د. محمود عباس 
 
الولايات المتحدة
الأمريكية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…