وليد حاج عبدالقادر
في استقراء سريع ومعرفي لمواقف وآراء غالبية الكتاب والمثقفين العرب، سنندهش كثيرا من سطحية مواقف هذه الأغلبية، التي تبني مواقفها على اسس ومنهجيات النظم ووفق برامجها التعليمية الموضوعة أصلا كما وإرفاقها بقضايا أخرى – مثل إسرائيل والجيوب الإنفصالية إن في جنوب السودان وغيرها -، هذه المواقف التي ترتقي وبحق إلى مصاف التقية الفكرية في قداسة التأريخ وطوباوية الجغرافيا، والتي لا تؤشر سوى الى نقص معرفي حاد تراكبت في ذهنية تلك الشرائح ، وهنا بشكل رئيس في خاصية المسألة الكردية عامة،
وما يهمنا هنا القضية الكردية في سوريا ومآلاتها بشكل خاص، لاسيما ونحن ندرك بأن تراتبياتها وجدت اصلا بعد إلحاق جزأين من كردستان عسفا بدولتين عربيتين، وتبلورت أيضا بعد القفز على بعض من بنود تفاهمات الشريف حسين – مكماهون منذ أكثر من قرن، والتي مهدت أولا إلى ما سمي بالثورة العربية الكبرى وثانيا على أساسها وضعت خرائط سايكس بيكو، والتي بدورها خضعت لسياسات القص واللصق والتمدد الأتاتوركي جنوبا في الجزء الكردستاني الذي الحق بسوريا المتشكلة وفق توافقات عصبة الامم وهيمنة دولتي الإنتداب الفرنسية والبريطانية مع دولة تركيا الناشئة على انقاض السلطنة العثمانية التي اعتمدت مبدأ الإلحاقات المتتابعة وصولا الى الخارطة الحالية، وكل هذا نفذ وسط تجاهل تام لحقوق شعب ووطن كان قد أقره مهندسا التصميم الرئيس ( الشريف حسين ومكماهون خاصة في الرسالة التفصلية تحت رقم 5 والبند الخاص بالأراضي الواقعة شمال حلب متمثلة بملاطية وعينتاب من جهة وكذلك ولاية الموصل اي جنوب ولاية بغداد والذي تم التأكيد عليه أيضا في قرار تعيين الملك فيصل على العراق والذي حدد بولايتي البصرة وبغداد الى جنوبي ولاية الموصل )، و الموثق ايضا في اتفاقيةسيفر 1920 والتي أجهضت في اتفاق لوزان المشؤوم، وهنا، وبعيدا عن السرد التاريخي، وفي عودة الى الوضع السوري بعد الإستقلال ودخولها كدولة في نفق التعريب الذي منهج لسياسة شوفينية استهدفت بشكل خاص الشعب الكردي من خلال إصدار مشاريع وقوانين هدفت ليس تغيير التركيبة الديموغرافية بقدر ما أصبح الهدف الرئيس هو الإلغاء الوجودي ومحو كل ما يمت إلى هذا الشعب من ارث وثقافة، وباتت الكلمة الكردية وألف بائها محط إدانة وتجريم، هذه الإجراءات التي اتبعتها النظم المتعاقبة لطمس خصائصية هذا الشعب رافقها إجراءات أخرى اسست طوقا من التعتيم حولها وخلقت بنية مضطربة ومتوترة في الشارعين الكردي والعربي، واسست لفكرة أن كل عربي هو مشروع لعنصر امني، وكل كردي مجرد متسلل او مهاجر يسعى الى اقتطاع جزء من اراضي الجمهورية العربية السورية وضمها إلى دولة كوردستان المفترضة، هذه المواقف التي ارتقت في ذهنيتهم كما اسلفنا الى درجة حقائق راسخة لا جدال فيها، والتي ارتقت بارتكازها على منهجية تعويم الكرد مثل الأقليات المهاجرة او التي بقايا !! حملات الأيوبيين – مثلا – واستقرت خارج بيئتها الحقيقية، والتي، مع الأيام اخذت تنسلخ عن كثير من خصائصياتها، و لتتمنهج هذه المواقف كنتاج خاصة بعد أن أصبحت مناهج مدرسية ودرست أيضا مع صعود التيار القومي العربي سلطويا، ولتتحوط بجغرافيا مطوبة تستند على ارث فيه من المخيالية من جهة وفي تناقض فعلي مع حقائق الجغرافيا البشرية منها أو الطبيعية، وبالتالي في قفزة حقيقية على مفاهيم الانتماء وبترسيخ تطبيقي وعملي لروحية الحق التوراتي كمنهج، وفي تناقض حقيقي من جهة أخرى لمواقفها المتقاطعة مع قضايا مشابهة وخاصة الفلسطينية منها، هذه السياسات التي اسست / انتجت تربية ثقافية ارتكزت على تلك المفاهيم وضمتها او الحقتها ببعد قومي عربي وكملكية مقدسة مرة اخرى، في ترسيخ شديد لمفهوم بني أساسا على جدلية تأريخية استندت على الحملات / الفتوحات الإسلامية، وعلى مبدأ مسميات دياربكر و مضر وربيعة و قيس وعمرو التغلبي .. الخ .. وفي تجاهل متقصد وكمنهجية تناقضت حتى مع النصوص المنشورة في كتب ( الفتوحات وسيرها ) وكذلك الجغرافيا بشقيها المكاني / الطبيعي والأهم فيها هنا البشري ! وخلافها مع سلسلة اجراءات كان اعتمدها الخليفة عمر بن الخطاب في دعم الإستقرار / البقاء العربي – الإسلامي في تلك المناطق الجديدة من ناحية، ومبدأ الحوافز المادية من هبات ومكافئات لقوات القبائل التي حققت انتصارات عسكرية، وعليه ترسخ مفهومي الإقطاع والمشاع والحقت بتلك الظاهرتين اسماء القبائل التي اكتسبت تلكما المكرمتين !، والتي عليها أسس القومويون الطوباويون ايضا حدود ( الوطن العربي المفترضة ) في تجاهل فعلي لأولئك الاقوام – سكان وشعوب – تلك المناطق والذين هم من المفترض الذين تمت معهم عمليات مصالحات او تفاهمات متعددة، مثل – الصلح او الإستسلام – !، مما لا يترك اي مجال في الشك، ان شعوب تلك الجغرافيات وبمسمياتها القومية كانت موجودة قبل قدوم المسلمين اليها ( آمد وميا فارقين، باكردي، بازبدي … )، ويلاحظ أيضا بأنه قد تم تصنيف اسماء تلك الأقاليم والمدن في امهات كتب المعاجم العربية و صفت تلك الأسماء كمفهوم تعريفي رئيس لتوضيح مواقع الاسماء العربية المستجدة، إلا أن سياسة التعليم الذي اتبع منذ عام 1946 والذي اعتمد على مبدأ ترسيخ المفهوم الثقافي للأمة العربية في مناهج التعليم المدرسية لخلق جيل واع يتمسك بجغرافية الوطن العربي الممتدة الى ( .. .. ) وبالتالي اعتمادها من قبل لجنة الثقافة والعلوم مع بداية تأسيس الجامعة العربية، والتي أسست بدورها منهجية دراسية في الفهم التاريخي الرسمي للنظامين السوري والعراقي بشكل خاص والذي عليه تم نشر وعي غير حقيقي انتج بدوره لوعي طوباوي كمفاهيم راسخة وغير قابلة للجدل مطلقا ولتتطور لاحقا وعليها تأسست مبادئ ماسمي في المناهج المدرسية بالتربية الوطنية / القومية، و التي كانت المنهل الرئيس الذي تشبعت منها رؤى وملامح كثير من المثقفين والكتاب العرب، لابل أصبحت تلك المسميات كركيزة وبطابو مقدس بمفاصلها رؤى راسخة، بالرغم من عدم توفر اية معطيات مساعدة لاسناد هذه الرؤى، إن من حيث الموجود البشري او الموروث التأريخي الداعم لذلك، لابل، ان هؤلاء – المثقفين – يبصمون لأندلس اسبانيتها، وكذلك خراسان وايران ووو .. لكنهم في الخاصية الكوردستانية لازالوا يتشبثون بذلك البعد الإلغائي ونفي وجود هذا الشعب على ارضه، هذه المفاهيم التي لاتزال تتهيمن على مفاهيم غالبية الكتاب والمثقفين العرب، والتي تشكل صدمة في الشارع الكردي لا كإنعكاس لموقف قومي بقدر ماهو في الوعي وكظاهرة تكلس معرفي في خاصية هذه القضية المستمرة إلى أيامنا هذه، سيما التعميميات المبهمة، والتي تصدر عن قامات يفترض فيها وعيا واطلاعا متقدما، إلا أنها – تلك القامات ! – تتعمد وبتجاهل لكافة الأسس الموجودة، في القفز عليها والإرتهان من جديد الى طوباوياتها المقدسة، دون بذل أي جهد معرفي، إن في التحقق اوالبحث لرصد خصائص رئيسة في هذه المسألة، لابل، وبإصرار شديد يستندون الى تعليلات النظم الإلغائية التي تنفي وجود هذا الشعب، وعليه يبنون تعاريف ومواقف سقفها الأعلى : توصيف الكرد على أنهم مجموعات من المهاجرين فتحت لهم سوريا أبوابها وامنت لهم الإقامة هربا من ظلم وملاحقة تركيا، هذا التعريف الذي اعتمدته النظم وعممه كمنهج تدريسي وشوهتها اكثر مساهمات سياسية ايضا أضفت عليها مواقف الشيوعيين – مثلا منذ الخمسينات – التي ساهمت اكثر في غموض القضية ومحاصرتها في أضيق الحالات، وساهمت أيضا في اختزال كل ممارسات النظام، حيث أطرتها كمنجزات تسعى إن لتطبيق قانون الإصلاح الزراعي او كمساع لتطوير المنطقة وما الى ذلك، وللحق، فقد نجحت النظم المتعاقبة في بناء جدار تعتيمي حوطت به القضية الكردية في سوريا وعزلتها عن المحيط العربي، وأسست لوعي منهجي انتجت بشكل مدروس قاعدة تعريفية على ان الكرد ليسوا سوى مجاميع مهاجرة وبعد ان استقرت، أخذت تهدف الى استقطاع اجزاء من اراضي الدولة العربية السورية والحاقها بدولة كردستان، هذا التعريف وللأسف لايزال هو المفهوم الرئيس المستخدم كمنصة تبنى عليها المواقف في تحديد ماهية القضية الكردية بشكل عام، وكالعادة، ومن دون ان يبذل اي كاتب / باحث جهدا في البحث الجاد عن حقيقة هذه القضية حتى ضمن مجاميع كتب وسير الفتوحات او الرحالة العرب، او وكاستقراء معاصر لحقائق الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والاهم هنا ونحن نعيش عصر المعلوماتية وماتوفرها من حقائق ومواد موثقة يمكن البناء عليها منهجيا في انصاف الحقائق بكل تجلياتها، يتوجب علينا ألا نتجاهل الدور التقصيري التي مارستها الحركة السياسية الكردية، والتي الى الآن تتجاهل / تتهرب في إثارة جدل معرفي ممنهج تستهدف تسليط الأضواء على الأسس التي تأشكلت عليها خرائط الجغرافيا الحالية وخفايا ما تمت لا كاستعراض تأريخي مهدرج بقدر ماهو المطلوب ان يكون الهدف منه إزالة الغبار عن حقائقيات تؤكد وتدعم الوعي الحقيقي لحقوق المجموعات البشرية التي تعيش على أرضها التاريخية من جهة، ومن ثم الانطلاقة منها صوب تشعبات حق الشعوب في تقرير مصيرها وعليها ايضا مبادئ التوافقات والتشاركات المختلفة . وفي الختام لابد من كلمة الى الكتاب والمثقفين العرب : لقد مللنا من اشهار شهادات تعاريف في خاصيتنا القومية وانتمائنا كما وعيشنا على ارضنا التاريخية .. ومللنا أيضا عبارات – هكذا يقول التاريخ وعلمونا اياها في المدارس – .. لكم فضاء المعرفة والبحث الحقيقي لا في مجاهل الامازون ولا ادغال أفريقيا بقدر ماهو المطلوب منكم الخروج من شرنقة المنهجيات التي استهدفت نفي والغاء كل من تمسك بخاصيته وانتمائه، ولكم كما لنا في ابن خلدون بمقدمته وديوان ملله ونحله العبر .