بدأت الترتيبات العملية لتنفيذ مشروع (المنطقة الآمنة) مرحلتها الأولى بطول 88 كيلو متر بين كريسبي (تل ابيض) وسري كانييه (رأس العين) بمحاذاة الحدود الشمالية لسوريا مع الدولة التركية، وعلى أن تنفذ المرحلة الثانية فيما بعد من سري كانييه الى نهر دجلة، والمرحلة الثالثة من كريسبي الى شرق نهر فرات، وقد تحتاج مراحل التنفيذ عموما الى وقت لا يقل عن ثلاثة أشهر ونصف من بدء عملية التنفيذ بحسب المعلومات، وبعمق من خمسة كيلو مترات إلى اربعة عشر كيلومترا بحسب المواقع الحدودية.
يبدو أن العملية تلك تأتي بحسب تفاهمات وعمليات تنسيق بين الأطراف المعنية، بما هي أمريكا وتركيا وروسيا والنظام السوري وحتى قسد، بدليل أن مدينة قامشلو وحتى موقع المطار هي مستثنية من العملية بسبب تواجد النظام فيها، ما يعني أن عملية التنفيذ تأتي بشكل سلمي بعيدا عن الاجتياح العسكري – بحسب التهديدات التركية المتواصلة – أي ان سيناريو عفرين التراجيدي لن يتكرر في هذه المناطق، ويتم ابعاد قسد عن الحدود مع تركيا، وإحلال القوات المحلية مكانها، ويتم اعتماد الادارة القائمة حاليا إلى أن يتم الترتيب لإدارة جديدة في شرق نهر الفرات وبالاعتماد على مكونات المنطقة من العرب والكرد والسريان..الخ ..
إلا أن القلق مازال سائدا لدى معظم مكونات المنطقة وخصوصا أبناء الشعب الكردي نتيجة إصرار تركيا على ترحيل عدد كبير من المهجّرين السوريين لديها وإسكانهم في تلك المنطقة، ما يثير الخشية من استهداف تغيير الطبيعة الديموغرافية في المنطقة رغم الوعود بعدم اجبار تركيا المهجرين الى العودة، أي أن العودة تكون كيفية، وكل حسب منطقته التي هجر منها، وخلاف ذلك يكون مثار القلق ورفض مكونات المنطقة لأي عمل من شأنه إثارة الفتن والمشاكل بين الانتماءات المختلفة.
من جانب آخر، لاتزال محافظة ادلب السورية والمناطق التابعة لها ترزح تحت وطأة المعارك المستمرة والحملات العسكرية التي تشنها قوات النظام السوري بمساندة القوات الروسية والإيرانية، بدعوى أن عملية وقف اطلاق النار التي تولتها دول استانا – سوتشي لا تشمل الحرب ضد الارهاب ومنها جبهة النصرة، وبدا وكأن هناك (صفقة روسية تركية) بشأن ادلب والمنطقة الآمنة المذكورة، إلا أن بوادر الخلاف بدت من جديد بين الطرفين، ما يعني أن تركيا قد لا تتخلى عن ادلب بسهولة، وأن العمل من أجل وقف اطلاق النار هناك لازال قائما والجهود مستمرة في هذا الشأن.
في سياق الأزمة السورية فإن الجهود والمساعي الدبلوماسية مستمرة باتجاه الحل السياسي رغم العراقيل والعقبات التي تعترضها من لدن النظام السوري وحلفائه، فالمبعوث الدولي (غير بدرسون) قد استأنف عمله من جديد بغية انجاز تشكيلة اللجنة الدستورية التي لم يبق لها الا مسائل بسيطة بحسب قوله، ذلك بالتزامن مع التحرك باتجاه الترتيب لاستئناف المفاوضات بين النظام وهيئة التفاوض المعارضة، ما يعني ان مسارات الحل السياسي تسير بالتزامن معا ولو ببطء.
وتركيا، ما تزال تمارس دورها الفاعل في ادلب سواء لجهة وقف اطلاق النار أو لجهة ترتيبات جديدة بين الفصائل المسلحة ومنها جبهة النصرة تحديدا، كما تبذل مساعيها بتشدد نحو جعل عمق المنطقة الآمنة لا تقل عن 30 كيلومترا، بالرغم من استقرار رأي معظم الأطراف وخصوصا الجانب الأمريكي على المسافة المذكورة أعلاه (5 الى 14 كيلومترا)، كما تسعى لنقل المزيد من المهجرين السوريين الى تلك المنطقة ومهما يكن عديدهم، ولا يهمها ان اختلت الطبيعة الديمغرافية لصالح أي من الأطراف والمكونات السورية .. من جانب آخر، يبدو هناك بوادر قضايا خلافية يثيرها رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود اوغلو مع الحزب الحاكم (عدالة وتنمية) ورئيسها أردوغان وذلك بتأسيس حزب على خلفية تخليه عن الحزب الحاكم، ويفسر على أنه يحمل الطابع الانشقاقي المناوئ لحزب العدالة والتنمية، ما يثير حفيظة أردوغان وحزبه، أو قد ينعكس بإثارة المزيد من الصراعات وحتى القلاقل داخل تركيا نفسها.
وإيران، رغم ما تتعرض له من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية من لدن المجتمع الدولي وآخرها قرار قمة الدول الصناعية السبع بتاريخ 26 آب 2019 في مدينة بياريتس الفرنسية بمنع حصول إيران على السلاح النووي، كما اكدت المجموعة الدولية تلك على عدم المساهمة حاليا في ملف اعادة الإعمار في سوريا كي لا تستفيد إيران وكذلك تركيا، هذا الى جانب التهديدات الاسرائيلية والامريكية لها فهي لم تتورع عن استفزاز هذه الأخيرة، كما أنها تهدد بشكل مباشر العديد من دول المنطقة منها عربية مثل السعودية وبعض دول الخليج ومصر وكذلك تركيا وباكستان، وترى ان العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى افغانستان باتت تابعة لها، وتزعم انها اليوم سيدة المنطقة، كي تغطي بتلك التهديدات على معاناة شعبها من الفقر والفاقة والعوز، في تجاهل تام لحركة المعارضة الوطنية في الداخل والخارج ضدها، في تغافل عن الانقسام حتى داخل نظامها بخصوص الملف النووي الإيراني والملفات السياسية الأخرى، ما يعني ان مصير حكام إيران يسير نحو المجهول في المرحلة الحالية.
اما العراق، فإن رئيس الحكومة السيد عادل عبد المهدي يبدو أنه يسير بشكل هادئ ومسؤول نحو تناول الملفات العالقة في العراق بشكل عام ومنها ملفات المحافظات العراقية عامة وملف إقليم كوردستان بشكل خاص، وصولا الى ملفات بغداد بما هي ملفات الفساد الاداري والمالي وحتى السياسي، معتمدا في ذلك على الحكمة ودور التخصص (التكنوقراط) والخبراء، كما يبدو أنه يسعى بجد من أجل حل اشكاليات الميليشيا التابعة لإيران التي تسبب لحكومته المزيد من المشاكل وعرقلة العمل الوطني باتجاه تأمين عوامل التنمية الاقتصادية وتوفير مستلزمات العيش اللائق للإنسان العراقي، وذلك بالسعي من أجل حل الاشكالات السياسية بين مختلف الكتل المتصارعة وعبر الحوار والتفاعل الإيجابي بين مختلف التيارات والاتجاهات من خلال الاحتكام الى المصالح الوطنية العليا والخط الوطني العراقي العام.
وإقليم كوردستان، بعد التفرغ النسبي لقيادة الإقليم من ترتيبات الوضع الداخلي، تتجه في هذه المرحلة إلى حل الاشكاليات بين اربيل وبغداد وفي المقدمة منها موضوع الموازنة العامة واستحقاقات البيشمركة والديون السابقة على بغداد والتي تقدر بنحو عشرين مليار دولار أمريكي وكذلك مسائل النفط والغاز، ليتم الانتقال بعدها إلى مسائل المناطق المسماة (المتنازع عليها) وهي المقتطعة من كوردستان، وذلك عبر لجان احصائية متخصصة وفنيين وخبراء، الأمر الذي لاقى القبول والرضا لدى حكومة السيد عادل عبد المهدي، والزيارات المتبادلة بين الجانبين في هذا الاتجاه ما توحي بجدية الطرفين نحو الحلول المنصفة المنشودة في هذه المرحلة الهامة.
وفي كوردستان سوريا، فقد تلقت قيادة المجلس الوطني الكردي في سوريا المزيد من الدعوات المتواصلة والمتقاربة زمنيا في هذه المرحلة، منها وزارة الخارجية الروسية، والأمريكية والألمانية، واستجابت في كل مرة بإرسال الوفود للحضور، كما التقت وفدا بريطانيا داخل البلاد، وكانت اللقاءات مفيدة ومثمرة حيث تناولت في كل مرة الوضع السياسي الراهن والآفاق المستقبلية للحل السياسي في سوريا بشكل عام والوضع في بعض المناطق بشكل خاص، ومنها المعارك الدائرة في ادلب ومسألة (المنطقة الآمنة) وموضوع الإدارة الجديدة المزمع انشاؤها في شرق نهر الفرات، ودور مكونات المنطقة ومنها الشعب الكردي في سوريا.
والجدير ذكره أن الجهات الدولية تلك أكدت في كل مرة على أهمية حقوق المكونات القومية عموما ودورها الأساسي في المنطقة ومنها الشعب الكردي على وجه الخصوص.
هذا وقد عرضت وفود المجلس في لقاءاتها تلك الى جانب القضايا المذكورة وضع منطقة عفرين ومعاناة أهلها من الانتهاكات المستمرة وضرورة إيجاد حل منصف يفضي إلى الهدوء والاستقرار، ويمهد لعودة المهجرين الى ديارهم وأملاكهم بسهولة ويسر، وضمان إدارة المنطقة بأهاليها الأصليين، والعمل للحد من عوامل تغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة بتسهيل ترحيل النازحين اليها.
في الختام، فإن حزبنا ( الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا) إذ يثمّن الدور السياسي الإيجابي في هذه المرحلة لقيادة المجلس الوطني الكردي في سوريا، ويدعوه الى المزيد من العمل والنشاط المتواصل والاستجابة للدعوات التي تخدم وحدة الصف الكردي وموقفه السياسي، سواء من الدول الصديقة الفاعلة أو الجهات المعنية الأخرى، والى المزيد من التفاعل مع الوضع السياسي محليا وإقليميا ودوليا وبما يخدم قضايانا الوطنية والقومية نحو بناء سوريا المستقبل دولة اتحادية ذات نظام ديمقراطي برلماني تتمتع في ظلها المكونات كافة بحقوقها القومية والوطنية بما فيها الشعب الكردي وفق العهود والمواثيق الدولية، ليعيش الجميع في سلام ووئام.
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
قامشلو 1 / 9 / 2019