قراءة سياسية لمشروع الاتفاق بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

 عبدالرحمن كلو
بعد فترة زمنية طويلة من التردد والتجاذبات السياسية بين المجلس الوطني الكردي والمعارضة السورية من خلال أطرها السياسية المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، توصلا أخيرا في استانبول إلى صيغة اتفاق مبدئية مؤلفة من ستة عشر بنداً حاول فيها الطرف الكردي تحقيق ما يمكن تحقيقه حتى درجة القبول بالحد الأدنى مما كانت تطالب به بعض الفصائل الكردية خلال سنوات القرن الماضي، إذ انحصرت تلك المطالب حينذاك وتمثلت في عبارة واحدة أو عبارتين على الأكثر: ” الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، أو الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للشعب الكردي ” وقبل العودة إلى صيغة الاتفاق الحالية من خلال بنودها الستة عشر لا بد من الإشارة إلى بعض الأسباب التي كانت أساسيةً في تأخر الاتفاق أولا ومن ثم الأسباب ألتي أخرجت الوثيقة بصيغتها الحالية ثانياً  .
بداية لابد من الاعتراف بأن الإرث الثقافي التاريخي متجذر لدى الطرفين وإن بدرجات متفاوتة فالطرف الكردي حتى الآن لم يستطع تجاوز الثقافة التقليدية المتمثلة في عبارات جاهزة صاغتها مؤتمرات الأحزاب الكردية في ظروف سياسية  وأمنية صعبة جداً، حيث ما زال يسيطر على الخطاب السياسي الكردي رتابة  العبارات ذات الصيغة القالبية الجاهزة، لأن هذا الخطاب لم يخضع للتشريح القانوني والسياسي من خلال المؤسسات الأكاديمية أو على  الأقل الاختصاصية في الشأن السياسي الأممي، لذا يطغى عليه الصيغة الارتجالية المختزلة وفي البعض من المواقف يأتي الخطاب بالصورة الانفعالية كرد فعل على الخطاب الآخر، مبتعداً عن جذر القضية الكردية واصلها وتاريخية واقعها السياسي والجغرافي والبشري، وفي الجهة المقابلة  كانت ثقافة الأنظمة الشمولية التي تحولت إلى ثقافة  نمطية مشوهة لمجتمع بأسره،حتى أصبح الجميع بمن فيهم النخب الثقافية العربية لا يقرأ السياسية ولا يتناول المسائل الوطنية إلا بلغة النظام التي بدورها قامت باختزال الشأن الوطني وحولته إلى مفاهيم تخص شؤون الدولة وترتيبات مؤسساتها الشمولية، فبالرغم ” من ديناميكية المتحول السياسي في كل منحى للشأن العربي السوري، بقيت الذهنية العروبية الموروثة تجاه القضية الكردية كما هي أسيرة لستاتيكا عقائدية جامدة لم تستطع تجاوز حالة اللاموقف، ولم تستطع المعارضة السورية حتى الآن بفصائلها المختلفة وتوجهاتها السياسية ومرجعياتها الإقليمية والدولية في تفهم الحالة الكردية كإحدى أهم مقومات نجاح مشروع الدولة الوطنية الجديدة، ولم ينظر إلى القضية الكردية حتى الآن على أنها قضية شعب أصيل يعيش على أرض وطنه التاريخي وألحق بالدولة السورية عند نشوء هذه الدولة، لذا عندما نكون بصدد البحث في الحلول  لهذه المسألة تلجأ هذه القوى إلى التسويف السياسي والتلاعب اللفظي بالمصطلحات ليظهر الموضوع وكأنه خلاف على تفسير مصطلح بذاته ” فالحقيقة أن هذه القوى لم تؤمن ولم تتفهم حتى الآن الحالة الوطنية الكردية التي ألحقت بالدولة السورية – أرضا وشعباً – عند نشوئها، والحالة الوطنية الكردية تعني الوجود التاريخي لشعب أصلي في وطنه وما يترتب على ذلك من حقوق وفق العهود والمواثيق الدولية، وإذا ما قررنا المصير المشترك في إطار الدولة السورية الجديدة علينا القبول بتأسيس مشروع وطني سوري يشكل أساساً لبناء الدولة الوطنية  الجديدة ، ولا يمكن لهذا المشروع أن ينجح إلا برافعات وحوامل سياسية تنتجها مخاض الثورة وحراكها الوطني المولود من رحم هذه الثورة ومتغير الاصطفافات السياسية، لا من أفكار بعض النخب الثقافية والسياسية التقليدية التي تنتمي إلى الماضي بكل مؤسساته الفكرية والثقافية وحتى السياسية والأمنية، وإذا ما تابعنا بنود الاتفاق نجد أنفسنا نعبث مع تلك المفاهيم بضبابية حيناً وبتبسيط  الأمور واختزالها أحيانا لكنها جاءت بحرفية لغوية متقنة في كل الحالات 
ففي البند الأول من الاتفاق يؤكد الائتلاف الوطني التزامه بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزء من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضا وشعباً .
هذا البند يتضمن الاعتراف الهوية القومية وما يترتب على هذا الاعتراف من الحقوق القومية مثل حق التمايز الاجتماعي والثقافي واللغوي  فقط، لأن الهوية القومية أو الانتماء القومي هو انتماء عرقي أثني متمايز فهو لا يحتاج إلى اعتراف أصلا وربما سياسات التنكر والصهر للعهود السابقة أوهمت البعض منا بأن التراجع عنها يعبر عن نوع من الحقوق، والحقوق المترتبة للهوية القومية لا تندرج في إطار حقوق الشعوب الأصلية التي تعيش على أرضها التاريخية بالمطلق ولا تقارب تلك الحقوق ، ولا يحق لنا  أو ليس من صلاحيتنا أن نستبدل حالة الشعب الكردي على أرضه التاريخية في هذا الجزء الملحق بالدولة السورية بحقوق مجموعة عرقية في رقعة جغرافية ما من أرض هذه الدولة أو تلك، كما أن البند نفسه يؤكد في نهاية المطاف… في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، وهذا التأكيد لم يأت عن عبث  فهو جاء جواباً لتدقيق الحالة التفسيرية للحقوق القومية التي ربما إذا أراد البعض في تفسيرها بشكل مغاير في كون سورية وليست سوريا وطن واحد لشعب واحد وهي كيان سياسي جغرافي بشري بهوية عربية غير قابل للتقسيم أو التفكيك في أي ظرف كان، أي أن ما كان يجدر بالطرف الكردي تدوينه وتثبيته لصالحه – مسألة الأرض والشعب – حددها الطرف الآخر لنفسه واشترطها هو لتحديد سقف المطالب، وهي أشبه بدعوات النظام للحوار مع أطراف المعارضة بما فيها الأطراف الكردية “تحت سقف الوطن”، فالوحدة وإمكانية ديمومة الشراكة مشروطتان  أصلا بتوفير الحقوق والالتزام بها، أي أن الالتزام بالدستور الضامن  للحقوق هو الضمانة لعدم فض الشراكة بين مكونات الدولة الواحدة وليس العكس .
في البند الثاني يأتي العمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والاجراءات التمييزية بحق المواطنين الكرد….في هذا البند لم يلتزم الائتلاف بالإزالة أو الالغاء بل سيعمل من اجل ذلك وليس بالضرورة أن ننجح في عملنا، كما أنه أراد أن يسمي المشاريع العنصرية والشوفينية المطبقة بحق الشعب الكردي على أنها إجراءات تمييزية بحق المواطنين الكرد، ولا أدري كيف أنها مررت على الطرف الكردي المفاوض بسبب وضوحها من  جهة التعبير والمعنى اللغوي كما والمضمون السياسي لها، وبكل الأحول رفع الظلم ونتائجه لا يندرج في إطار الحقوق .
في البند الثالث يؤكد الائتلاف الوطني على أن سورية الجديدة دولة ديمقراطية مدنية تعددية نظامها جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، واعتماد نظام اللامركزية الادارية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية .
في هذا البند يمكن قراءة نقطة واحدة  فقط ألا وهي شكل نظام الدولة المحدد بالجمهوري البرلماني أما اللامركزية الادارية فلا تعني إلا صلاحيات المحافظات أو الولايات ضمن حدودها الادارية ، وهي موجودة الآن في نظام الدولة الحالي ودستورها من خلال  قانون الادارة المحلية، كما أن اللامركزية الادارية تمارس في كل دول العالم من خلال تقسيماتها الادارية الخاصة بها، و لا جديد على شكل نظام الدولة في هذا البند وليس له أية قيمة سواء كتب أم لم يكتب .
البند الرابع يؤكد على ضمان حقوق المواطنة الدستورية للمواطنين السورين وفق الشرائع والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ….، هذا البند يأتي بالصيغة العمومية وهو موجود في دساتير معظم دول العالم إن لم يكن في كلها، ولا أظنه يحتاج إلى الكثير من الجهد أو المساومات، كما ان البند الخامس لا يخرج عن معنى ومضمون ها البند وان اختلف التعبير اللغوي في الصياغة، وحتى البند السادس يدور في نفس الدائرة العمومية بل أضاف عليها المسائل التنموية للبلاد والاهتمام بالمناطق التي عانت من الحرمان، السؤال هنا أية بقعة في سوريا ستكون لها أولوية الرعاية أو الاهتمام ؟ خاصة وأن هناك مناطق تضررت أثناء هذه الحرب إلى درجة الدمار الكامل، لذا ففي مثل هذه الظروف وبعد انتهاء حالة الحرب لا يمكن القبول أخلاقياً على الأقل بتفضيل منطقة جغرافية على أخرى، لأن الموضوع خرج عن إطاره السياسي واخذ مسلكا آخر خارج سياق الحقوق الخاصة بالشعب الكردي وقضيته القومية .
أما البند السابع يقول: تشكل سوريا الجديدة بنظامها المدني ودستورها الضمانة السياسية لكافة مكونات الشعب السوري …..الخ، والسؤال الضمانة السياسية لماذا ولمن ؟ لمكونات الشعب السوري ومن أجل هوية المواطنة السورية، وهذا تأكيد إضافي آخر ومكرر على  أن في سوريا شعب واحد بالمعنى السياسي والقانوني الدستوري للمصطلح، وماهي إلا ضمن محاولات التهرب تشخيص الحالة الكردية على أنها قضية شعب بالمفهوم السياسي لها من الخصوصية الوطنية ما يترتب على ذلك من تشريعات وقوانين خاصة بها .
أما البنود من الثامن وحتى البند الثالث عشر فيما عدا البند العاشر فهي تدور في حلقة واحدة ألا وهي تكريس حالة الانتماء الثقافي والاجتماعي والسيكولوجي إلى الدولة السورية  من خلال الفعاليات والنشاطات  المختلفة، من دون أية مضامين سياسية إذ استخدم تعبير الاخوة الكرد، المواطنون الكرد، أكثر من مرة لتحقيق هذه الغاية 
أما البند العاشر الذي فرض على الائتلاف موضوعياً بحكم تبنيهم علم الدولة السورية في عهد الاستقلال لذا كان لزاماً عليهم الالتزام باسم الدولة في تلك المرحلة، وعلى الرغم من وضوح الرؤية لشكل العلم وألوانه واسم الدولة “الجمهورية السورية” فإن الائتلاف لم يتجرأ بتسمية الأشياء بأسمائها إذ تجنب لفظ التسمية واكتفى بالتعبير عنها، وهذا مؤشر كبير على أن الائتلاف لا يستطيع تجاوز الحاجز النفسي للحالة العروبية التي أنشئ عليها .
أما البنود الثلاثة من البند الرابع عشر وحتى البند السادس عشر فهي بنود إجرائية تتعلق بشكل وحجم وكيفية العمل ضمن الائتلاف، لكن من الأهمية بمكان الاشارة الملاحظة المذيلة في نهاية نص الاتفاق فهذا التحفظ ليس له أية قيمة قانونية ما لم يندرج ضمن بنود الاتفاق أو يشار عليه على أنه جزء لا يتجزأ من الوثيقة .
وعموماً يمكن القول بأن مضمون مشروع اتفاق المجلس الوطني الكردي مع الائتلاف الوطني السوري لا يعبر عن مشروعية  القضية الكردية كقضية شعب أصيل يعيش على أرض التاريخية، وربما نحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل لإقناع الطرف الآخر بهذه الحقيقة، وربما لن ننجح في ذلك بسهولة، لذا فمن أولى أولويات هذه الجهود هو توفير أسباب القوة  وذلك بتفعيل البعد الوطني الكردستاني والعمل وفق استراتيجية وطنية كردستانية أولا ومن ثم الدخول في المشاريع الوطنية للدول التي تقتسم كردستان، على أنها قضية شعب في وطن تاريخي جزأ وألحق بهذه الدول أرضاً وشعباً، لتخرج القضية الكردية عن السياقات المشوهة كقضية حقوق ومواطنة في هذه الدول .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…