ابراهيم محمود
16- بورتريهات وجوه
4″- وجه سليم بركات، هل حقاً هو أخطر من الحزام العربي على القضية الكردية ؟؟!!
العنوان انفجاري، وهو كذلك، وللعلم، هو ليس من ” صنعي ” وإن كان من ” وضعي “. وأنا أسمّي قائله بـ ” الانتحاري “، إن جاز التعبير، قول لا ينبغي الاستغراب منه، ومن اندفاع قائله، وفي وسط يُزعَم أنه ثقافي، ” على خلفية من محاضرة ” عن المثقف الكردي، ومن يكون، حيث تصبح مقص الرقيب الكردي الخاصة داخلاً، وهو بزعم المثقف حربة مسننة، تأكيد اختلافه عن الآخرين، وهم أهله، والمتردد عنه كرديه، وهو ليس بعاديّ، أعني به سليم بركات، إذ يجري تقويمه بمثل هذه السهولة السافرة: سليم بركات أخطر على القضية الكردية من الحزام العربي .
قولة سمعتها بحرْفها، من صديق مقرب، لا يُشك في فصاحته، وذاكرته، وثقافته مقارنة بالكثيرين في ” أو- ساطنا ” الكردية، نقلها إلي، وكان حاضراً هناك، في زيارتي هذه، وفي بيته، مبدياً دهشته من ربط غريب بالطريقة هذه، بين كاتب كبير، كبير، واعتباره أخطر من الحزام العربي على القضية الكردية، ليس لأنه يكتب بالعربية فحسب “، وإنما لموقف مستفظَع منه حصراً. فأنا أكتب بها كذلك، وهي حجة تحال سوطاً يجلَّد بها كل من لا يكتب بلغته ” الأم ” في حمّى الاستعراض القومجي الكردوي، رغم أن الأحداث أكدت، وكما قلتها، في أكثر من مكان، أن كاتب العربية الكردي، وفي نطاق مجابهة أعداء شعبه، داخلاً وخارجاً، مثّل الذاكرة الحية له في مقارعتهم، ليكون التعبير العربي بلسان كردي شاهد عيان على أن تاريخ سطوع الكردية، بالمفهوم القومي، الاجتماعي، تنفس برئة كاتب العربية الكردي ذاك، وحتى اللحظة.
ولا بد أن التشهير بالكاتب الكردي وهو يكتب بلغة ليست كردية، يعبّر عن الإفلاس الأعظمي لهؤلاء الذين لم يستطيعوا الوفاء، وفي الحد الأدنى للغتهم الأم عملياً.
القولة وليدة محاضرة، أقيمت من قبل مستجد كتابياً، وما أكثر الذين أصبحوا برسم الكتّاب، في مساحات ممهَّدة لهم، إعلامياً وشعبوياً، وحتى وظيفياً.
القولة وردت بلسان أحد الحضور، رد فعل على من رأى أن الكردية، كما هي العربية، مرتبطة بالتعبير العملي: الموقفي الفعلي عنها، وليس مجرد كتابات تتوارى وراء أقنعة، وما أكثرها.
وأن تسمَع هذه القولة، وبلسان فصيح، صريح، ودون أي اعتراض، أو احتجاج، أو نقد مباشر، لأنها خطيرة إلى أبعد الحدود، فذلك ينم عن مدى تدني ليس الجانب الثقافي، وأداء الدور، وإنما الانبطاحية المعلومة، وفي هذا المعمعان الزمني، وثمة حضور لمن يمارسون الثقافة كتابة، ولهم كتب/ مؤلفات معروفة. ولا بد أن صمت هؤلاء يعبّر عن تطفلهم وحتى جبنهم، إذ لو أنهم امتلكوا ما يُسمى بـ” أضعف الإيمان ” لانسحبوا من القاعة، سوى أن مؤاثرة الصمت، خنوع، ومن ثم ضلوع في الإثم الأخلاقي الكبير، ولا بد أن تاريخاً ما، سوف يعرّي هؤلاء.
في العودة إلى ” إشعاعية ” القولة تلك، تجدر الإشارة إلى وجود خلفية لها، جهة سليم بركات وكتابات له عمن يتحدث باسمهم ذاك في انتحاريته تلك.
نعم، أن يكون هناك نقد، لا بدمن ذلك، ولعلم من يعلم، ربما أعتبر نفسي، أكثر من تعرض لتشهير جرّاء نقدي لبنية كتابات سليم بركات، وليس إلغاء له، أو إزاحة، وهو الذي يعتبَر، كما أرى، أعظم كاتب كردي يكتب بالعربية في حقل الأدب الروائي والشعري، مهما كان الموقف منه على الصعيد السياسي. والبائس في التعامل، هو الخلط حتى الآن بين طريقة الكتابة وجماليتها، وما يستشف منها سياسياً وبشكل صارخ، ليجري تعميم ” الجرم “كما حدث ويحدث منذ سنوات، وهو أوخم موقف يترجم هشاشة العالم المركَّب في نفوس أهليه ورؤوسهم.
لا يستغرَب من قولة كهذه، وفي قاعة تحمل لافتة: يافطة ثقافية تعبوية تحزبية، ويديرها كاتب له حضوره الجانبي، حيث لسان السياسي المسيطر مسيطِر، وبما لا يقاس على كل ما له شأن بالثقافة، لا بل إن هذه متأبطة من خلالها، وموجهة من قبله، كما الحال هنا .
الخلاف لا يفسِد في الود قضية! مقولة متداولة، سوى أنها بمجرد أن تصبح على عتبة ذي النفوذ الكردي، وبإيعاز ضارب منه، حتى تسقَط ” لا ” النهي “: الخلاف يفسد في الود قضية، طبعاً للتأكيد على أن الكرد خلاف الآخرين جميعاً، لهذا يكون خلافهم البيني استثناءاً بالمطلق .
كيف يساق تصور كهذا؟ أن يكون هذا الكبير شأناً أدبياً ورمزياً: سليم بركات، في مقام الأخطر على القضية الكردية من الحزام العربي؟ ثمة من هيأ لذلك، من حفّز على ذلك، من جازى على ذلك. دون ذلك، كيف يمكن تصريف قولة انفجارية من انتحاري ” حي ” كهذا؟
ذلك يقودني إلى ما هو خطير، خطورة التشظي المجتمعي الكردي، وهو ما ينبغي حسبانه في حساب الخلاف الكردي الجاري ورصيده المتنامي عنفاً وتعنيفاً، تهديداً لمن يحاول تجاوز الحدود الكردية الصنع، ومن عتبة سياسيها الكردي وشعبته وحماته،عند اللزوم، ذلك ما يدفع بي إلى إبراز مخاوفي مما يمكن أن يجري، وتبكي الكردية أماً وأباً اسمها، وتهجئتها من جهة هذا الجبهوي الكردي، وهو يحولها سوطاً على هامة من يقول مختلفاً، بالعربية وسواها.
أن يحوَّل هذا الكاتب العظيم بمكانته الأدبية، إلى رمز خطورة كردياً، وبهذه السهولة، فذلك يشير إلى أن ليس هناك من يسجَّل له اسم، ويحفَظ له مقام، مهما علا مقداره، وإذا كان سليم بركات قد جرى تقويم بالطريقة هذه، فكيف بسواه، على تخوم ملاصقة لحدود كردية تعبوية ؟
أي وجه يمكن أن يُرثى لسليم بركات البعيد القريب، المؤثر رغم بعده القاري، أي وجه يمكن أن يعرَّى والوجوه المتداخلة معه، وقد أبان عن مدى خذلانه وبؤس المتداول والمساق ثقافياً ؟
…….. يتبع
5″- وجه سعيد يوسف الفنان الذي كان زمان