ابراهيم محمود
16- بورتريهات وجوه
5″- وجه سعيد يوسف الفنان الذي كان زمان
ربما نظير ما قيل في كاتبنا الكبير سليم بركات، يحضر هنا، إزاء فنان كردي، لطالما استمتعت بسماع صوته، ولا زلت، وأنا أرسم حدوداً تاريخية له، ومن خلال تصوري الخاص لمفهوم الفن وخلافه طبعاً، حتى أواسط ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح وجهاً مستهلكاً، لا بل ومستخفاً بمن يحسَب لهم حساب في التاريخ بمدته الطويلة، والفنان الذي أعنيه بعنوان دال عليه، هو سعيد يوسف، والذي أعنيه بوجهه الذي يرحل في تاريخ ساطع، هو محمد شيخو، وهي قضية أخرى، وما أكثر قضايانا الكردية- الكردية وذيول إخفاقاتها وشقاقها.
أتحدث عن فناننا الذي كان، أي سعيد يوسف، إنما دون أن ” أذمه ” إذ ينبغي التمييز بين موقف على الصعيد اليومي، وآخر، في لحظة المباشرة الفنية، على مستوى الصوت واللحن.
لا أقول: كنت أتمنى على فناننا أن يكون على بيّنة من ساعة حساب الفن وصاحبه، حيث الكلمة المغناة، واللحن المؤدى، لا يدعانه وشأنه، وإنما يخضعان لتقويم يومي، جرّاء موقفه العملي مما يجري، ويكون هو المحك، لحقيقة ما أودعه صوته وموسيقاه من ذائقة جمالية تخص مجتمعه، شعبه، وحقيقة ما يتنفسه، على صعيد التعاطي اليومي مع الآخري، وفي المقدمة: زملاء المهنة طبعاً، أي في الفن، ما أقوله هو ما يشكل رصداً لمسلك فناننا، وصلاته بوسطه، وهذا يطال من زعموا أنهم يكرمونه، وهم بالطريقة هذه، طعنوا في كردية مقاومة بمفهومها العام، كما لو أنهم أخرجوا جثمان فنان راحل كبير هو محمد شيخو من قبره، وأعدموه أمام الملأ.
” طنجرة لقت غطاها !” ذلك ما يمكن قوله في منحى تكريمي ” تلغيمي كهذا.
أن أتحدث عن فناننا الذي كان، سعيد يوسف، فمن هذا الباب، فما أكثر حالات دخولي إلى بيته من بابه الرسمي، وقد شربت وأكلت في بيته، وأمكنة أخرى” سهرات مشتركة ” وتجاذبنا أطراف الحديث ذات زمان. ولست بسادّ لباب كهذا، وأنا أتحدث في نقطة محددة، وفي وجه فني، أخفق منذ عقود من الزمان، لأن يجدد في نضارته، أو للبقاء له فناناً كما كان، ومحبوب شعبه، كما كان، ومدركاً لحساب الفن العسير، كما ينبغي أن يكون إدراك يقظ كهذا، ولعله ليس إخفاقاً، إنما إرادته الشخصية التي رسمت له المسلك الذي يحبّذه أكثر من سواه، وهو ” آمن “.
ثمة أكثر من نقطة تثار في سياق ما نحن عليه وفيه، وهو ما يشار إليه باختلاط الحابل بالنابل.
نعم، هو كذلك، سوى أنه لم يكن هناك، ولا في يوم، أو لحظة، ما يشكّل عجزاً يحول دون الفصل بين الحابل والنابل، بين الغث والسمين، الصالح والطالح، بين ما هو يُثنى عليه في شخص معين، وما يجري انتقاده فيه، وليس أن ” يجري مسحه بالأرض ” كما هو المعتاد هنا وهناك، في حال سليم بركات، وطريقة ” النيل منه ” وغيره، لعلهم قصار النظر وحدهم، من يمكنهم التمترس وراء شنآنات عبارات كهذه، كما لو أن ما هم فيه، سيدوم، وأن ليس من شاهد عيان تاريخي على ما يجري، فتتم أرشفته باللحظة ودقتها.
هنا، يمكن إشهار هذا الخلل العقلي- النفسي في نسبة كبيرة من متعاطيي السياسة، على الطريقة الكردية، والثقافة في ظل ما هو سياسي، وهو اعتبار التالي غير موجود، اعتبار من يسجّل لهم وعليهم كل موقف، أو كلمة يُتفوَّه بها، غير موجود، لهذا نسمع أقاويل تسمّي ضيق أفق لهؤلاء، وعسر هضم لما يجري من حسابات يومية، ليصبحوا في خبر كان، إنما وقد أميط اللثام عن وجوههم، وكيف تعفر بتراب الزمن، في تهالكهم على ما يزيدهم تعرية وتصفية ذاتيين.
…….. يتبع
6- وجه فارس، فارس زمانه الراحل