إدريس سالم
«العالم المتقدّم لا مكان فيه للمفاجئة»، ففي دبلوماسيات الدول المتقدّمة تكون الاستقالات أو الإقالات الرسمية للوزراء والمسؤولين والقادة العسكريين متفقاً عليها بين مراكز الحكم وصنّاع القرار وتلك الشخصيات المستقيلة أو المقيلة، خاصة وأنهم رجال ينطبق عليهم المثل القائل «الرجل المناسب في المكان المناسب». في حين أن الدول التي تفتقر إلى الحكمة والحنكة والدبلوماسية تراها أكثر الدول استمتاعاً بالإقالات المفاجئة للاستفزاز والسخرية، لتصل الأمور أحياناً إلى إقامة احتفالات وأفراح بشأنها.
والجدل الذي شهده الوسط السياسي العالمي، وخصوصاً الأمريكي؛ بعد إقالة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمستشار الأمن القومي للبيت الأبيض «جون بولتون» المعروف بعاشق الحروب، بإطلاق تغريدة تويتر على حسابه: «أبلغت جون بولتون الليلة الماضية بأنه لم تعد ثمّة حاجة لخدماته في البيت الأبيض، اختلفت بشدة مع الكثير من اقتراحاته مثلي مثل آخرين في الإدارة»، خالفت كل التوقعات لقواعد اللياقة الأدبية لمكانة الصقور لدى ترامب في الرد على رواية بولتون: «عرضت تقديم استقالتي ليلة أمس، والرئيس ترامب قال لي لنناقش المسألة غداً».
موجهاً بعزله صفعة قويه لليمين المتشدّد، ولكلّ أغبياء السياسة، والذين يظنّون أنه سيرمي إيران بوردة، من أجل عيون الكورد والعرب. فترامب الذي صعد العقوبات الاقتصادية على إيران رمى برجل الحرب في سلّة المهملات قبيل الانتخابات الأمريكية، لتتباين النتائج التي تفيد بأن ترامب يريد تفادي المواجهات العسكرية، بدليل وبحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، اعتبر ترامب أن غزو العراق كان «خطأً جسيماً»، ساعد فيه بولتون، وعمل عليه خلال عمله في إدارة الرئيس «جورج بوش الابن».
فارتباك السياسة الأمريكية وتأزّمها، وتعقّد ثلاث ملفّات ساخنة «كوريا الشمالية، وإيران، وأفغانستان»، أوجدت السبب المباشر لقرار الطرد، بمعارضة بولتون انفتاح واشنطن على كوريا الشمالية وإيران ورغبته في الحلّ الدبلوماسي في أفغانستان، وانتهاجه إستراتيجيات حادّة ومتشدّدة داخل الإدارة الأمريكية؛ فأفقدت ترامب الثقة بإدارته.
في الداخل الأمريكي، ربّما لا تهمّنا الإقالة من الاستقالة، ولا الطرد من العزل، أمام سياستها الخارجية، فهي القضية الأهم لإستراتيجية مستقبلنا البائس، بتعلّم الكورد دروس الإقالة والاستقالة من سياسة ترامب، فهل نرى في قادم الأيام، سكرتيراً كوردياً – سورياً، يعزل أو يقيل قيادي كبير من حزبه، ليجلس في بيته، معزّزاً مكرّماً، دون أن يتحرّك الأخير في الخفاء، ويجمع حوله أعضاء من كتله وخلاياه النائمة، بعد أن يجبرهم على ترك الحزب وخلق الفوضى؛ للإعلان عن ولادة حزب جديد، ربّما لن يقدّم مشروعاً وحلولاً للأزمات الكوردية الجديدة والمتجدّدة، دون أن يخجل من الناس والمجتمع والقضية التي يناضل من أجلها؟
إن رحيل بولتون لم يكن يوماً خسارة للكورد، ولا مكسباً لهم ولقضيتهم وحلمهم، بقدر ما سيكون عاملاً لتشتيتهم وتوسّع كوّة الفوضى، كما لا يمكننا أن نعتبر رحيله انخفاضاً لفرص الحرب أمام أطماع الدول الكبرى في الشرق الأوسط، في زمن مَن يراهن على السلام العالمي يستحقّ أن يعيش في مصحّة للأمراض العقلية.
في المقابل هل تستعيد الدول التي كانت ضحايا أمريكا وإيران و«داعش» وروسيا، مكانتها الاقتصادية وحضورها السياسي واستقرارها الاجتماعي…؟ الأمر يكاد يستعصي على التصور. وإلى عقودٍ مقبلة سنظل نتأمل في آثار أحداث 11 سبتمبر 2001م على دول ومجتمعات ودين وإنسانية الشرق الأوسط.
ختاماً، هنالك سؤال ربّما حيّر الرأي العام الكوردي والعربي والعالمي، لماذا أحضر ترامب بولتون إلى البيت الأبيض، ليخرجه من الباب الذي أدخله منه بعد عام ونصف، وهو مدرك تماماً أن الأخير مولّع بالحروب العالمية، وسجلّه السياسي معروف، وعقيدته الصقورية – اليمينية تتنافى مع مشروع السلام بسحب القوات الأمريكية من الشرق، وإنهاء دور الشرطي فيها؟!